تحقيقات وتقارير سياسية

معارك حلب والارتدادات الإقليمية الدولية

أكدت بعض المصادر، داخل أروقة المعارضة السورية، بأن معركة حلب الأخيرة، هي رد مباشر من بعض دول الإقليم على الصلف الروسي، وتعنت النظام السوري وحليفه الإيراني، تجاه أي مبادرةٍ للحل السياسي، والمضي قدمًا بعقلية الحسم العسكري التي قادت، مع نهاية تموز/ يوليو الفائت، إلى إطباق الحصار على أحياء حلب الشرقية، الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، وبحسب المصادر، فإن توافقًا (تركيًا – قطريًا – سعوديًا) أدى إلى إطلاق معركة مضادة، تهدف إلى فتح طريق بديل يربط الأحياء المحررة، عبر الريف الجنوبي، بمناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب، ومنها نحو الحدود التركية.

 

من جهتها، كانت فصائل المعارضة المسلحة صرحت منذ أكثر من شهر عن تحضيرات ضخمة لما سمتها بـ “ملحمة حلب الكبرى”، موضحةً -في حينه- أن الهدف منها تحرير المدينة، بشكلٍ كامل، من قوات النظام والميليشيات المساندة لها؛ الأمر الذي يبقى -حتى اللحظة- من غير الواضح إمكانية حدوثه قريبًا، نظرًا لتعقيد المعادلات المرتبطة بالصراع، ولا سيما بين الروس والأميركان.

 

تبدو -في الوقت الراهن- أهداف المعركة محصورةً في كسر الحصار، وإيجاد خطوط إمداد وطرق مواصلات بديلة عن الكاستيلو، إضافةً إلى الضغط العسكري على ما تبقى من معاقل للنظام داخل المدينة، أما مسألة تحريرها بالكامل، فتبقى مرهونةً بقدرة القوى الإقليمية الفاعلة، التي ذهبت باتجاه تحشيد قوى المعارضة المسلحة في المعركة الأخيرة، على فرض روافع، أو قواعد، جديدة للمعادلة السياسية والاستراتيجية القائمة، وجدية الأميركيين وبعض الدول الأوروبية في إقناع الروس بالتخلي عن قاعدة الحسم العسكري، وإعادة تعويم رأس النظام القائم، بما يتيح المجال للانتقال من الميدان العسكري إلى أروقة المفاوضات السياسية.

معركة حلب المتواصلة حاليًا، تتجاوز في أبعادها وتداعياتها جغرافيًا وسياسيًا الحدود السورية، ولها ارتدادات إقليمية دولية، باتت بعض مؤشراتها واضحة، ولا سيما في التصريحات المتضاربة بين واشنطن وموسكو، حيث عدت الأولى أن ما جرى كان خديعةً من الثانية، ومحاولةً للاستفادة من الاتفاقات الموقعة بين الجانبين؛ لفرض سياستها ومشروعها عبر خرائط عسكرية، ترسمها المعارك على الأرض، في إشارة إلى تقدم قوات النظام بغطاء جوي روسي، وقطع طريق الكاستيلو قبل أيام.

 

من جهةً أخرى ترى بعض وجهات النظر بأن أي حديثٍ عن الخلاف بين سياسات الأميركيين والروس، المتعلقة بالملف السوري، هو حديث غير منطقي، لأنه وفق رأيهم، فإن واشنطن تركت لروسيا حرية التصرف في سورية، واستحوذت على الملف العراقي بالكامل، وفي هذا السياق -ربما- تأتي التسريبات الإعلامية المنشورة في صحيفة الشرق الأوسط، عن مصادر ديبلوماسية فرنسية أكدت -للصحيفة- أن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، مُقتنع بأنه لا يمكن إحراز أي تقدم في الملف السوري دون التفاهم مع موسكو، إذ إن الأخير ليس لديه أي شك في أن روسيا ستمضي -في مرحلةٍ ما- في حلٍ سياسي معقول لسورية، بعد القضاء على الإرهاب، وهو هدف مشترك بين بلاده والروس.

 

أعادت المعارك الميدانية، المتبدلة والمتحركة في سورية، النشاط للديبلوماسية الدولية مجددًا، بغض النظر عن مفاعيل هذا النشاط سلبًا أو إيجابًا، إلا أنه، ووفق العديد من آراء المحللين والمهتمين بالشأن السوري، فإن معارك حلب الأخيرة إن مضت حتى نهايتها؛ لتحرير المدينة بشكلٍ كامل، بحسب المعارضة المسلحة، سيكون لها تأثير كبير على مجمل التوازنات القائمة المرتبطة بالصراع، ولا سيما في شمالي سورية، حيث ستكون المنطقة الممتدة من الحدود التركية، وحتى جنوب حلب المرتبط جغرافيًا بريف محافظتي إدلب وحماه، خاليةً تمامًا من أي وجود للنظام السوري وحلفائه؛ الأمر الذي يحدث للمرة الأولى منذ بداية الثورة، وسيكون له ما بعده بالتأكيد.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق