تمكّنت (قوات سورية الديمقراطية) من انتزاع مدينة منبج الاستراتيجية التابعة لريف حلب الشرقي، من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية المتشدّد وطرد عناصره الى مدينة جرابلس الخاضعة لسيطرته بعد معارك عنيفة استمرت لأكثر من شهرين.
و(قوات سورية الديمقراطية) تحّالف بين فصائل عربية وكردية عمادها العسكري (وحدات حماية الشعب) الكردية، أعلنت عن معركة لاستعادة المدينة المحاذية للحدود مع تركيا في 31 أيّار/ مايو الماضي، وتلقت العملية العسكرية دعماً جوياً من طيران التحالف الدولي وبمشاركة مستشارين عسكريين من الولايات المتحدة الأميركية.
وفي تصريحه لصحيفة (جيرون) أعلن شرفان درويش، المتحدث الرسمي باسم ما يسمى بـ (مجلس منبج العسكري) المنضوي تحت راية (قوات سورية الديمقراطية)، أن قواته “تُحكم سيطرتها على كامل المدينة وريفها”، وقال: “بعد استكمال عملية (تحرير) منبج، حان الوقت لأن نقوم ببناء المدينة وإعادة سكة الحياة إليها مجددًا”، وأضاف: “هذا الأمر يستدعي منا أن نوجّه دعوة إلى جميع الشرائح الاجتماعية والثقافية وأصحاب الكفاءات والخبرات العلمية؛ لترميم ما هدمه الإرهاب، ويتقدم بحمل المسؤولية وإدارة المدينة وريفها، فالمسؤولية والبناء واجب علينا جميعًا”.
استهلاك إعلامي
تبعد منبج حوالي 40 كيلومترًا فقط عن الحدود التركيّة، و80 كيلومترًا شمال شرقي مدينة حلب، وكانت قد خرجت عن سيطرة النظام في شهر تموز/ يوليو، بعد أن حررها الجيش الحر في ذلك الوقت، أما سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها، فكان في بداية العام 2014، وتُمثّل خسارة منبج ضربة للتنظيم، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية، حيث كانت طريقًا رئيسًا لنقل المقاتلين الأجانب، والإمدادات إلى داخل سورية، ومنها إلى العراق.
وكشف درويش في أثناء حديثه عن أن مهمة “قواته”، بعد سيطرتها على منبج، “ستقتصر على تأمين المدينة وحمايتها، وسيكون عملها في الجبهات العسكريّة”، ولفت إلى أن إدارة المدينة وقيادتها “ستُسلَّم -بالكامل- إلى إدارة مدنيّة، وهذه الإدارة ستقوم بمهمّة التواصل مع كل مكونات المدينة وفعاليّاتها السياسية والعشائرية والمجتمعيّة، لتشكيل مجلس محلي منتخب لإدارتها”.
بيد أنّ وائل السواح، المدير التنفيذيّ لمنظمّة اليوم التالي، شكّك في كلام درويش، وقال في تصريح لـ (جيرون): “في عالم مثاليّ، هذا الكلام جميل، وهو الاحتمال الأفضل لجميع الأطراف، وإذا استطاعت (قوات سورية الديمقراطية) أن تنفّذ ذلك، فإنّها ستقدّم مثالًا يُحتذى به للأطراف الأخرى”، مضيفًا: “بيد أنّ واقع الحال مختلف، وأخشى أن تكون وعود قوّات سورية الديمقراطيّة للاستهلاك الإعلامي فحسب. وللأسف فإنّ تجربة الحرب في سورية أعطت نتائج مختلفة، واحتفظت كلّ قوّة بالمساحة الجغرافيّة التي احتلّتها”.
وطالب السواح (قوات سورية الديمقراطية) بتسليم المدينة إلى مجلس محلّي جديد، يتشكّل من أبنائها لإدارة شؤونها، ورأى أن دور هذه القوّات التي سيطرت عليها ينبغي أن يقتصر على الدفاع عنها، وأردف، موضحًا: “لقد أثبت السوريون، في عدد من المناطق، أنّهم قادرون على إدارة شؤون حياتهم بأنفسهم، إذا ما تُركوا وشأنهم، من دون تدخّلات إقليميّة، ومن دون وجود مقاتلين أجانب، يفرضون رؤيتهم المتطرّفة على السوريّين”.
تغير التقسيمات الادارية
شكّلت ميليشيا (قوات سورية الديمقراطية) مجلسًا مدنيًا (موقتًا) في منبج، يترأسه فاروق الماشي، وسوزدار خالد، في الخامس من شهر نيسان/ أبريل من العام الجاري قبل بدء المعركة. غير أنّ منذر سلال، رئيس لجنة الاستقرار في محافظة حلب الحرة، ومن أبناء مدينة منبج، أكد خلال حديثه لصحيفة (جيرون) رفضهم للمجلس المعلن، وقال: “موقفنا واضح وصريح برفض هذا المجلس، لأنهم جاؤوا بشخصيات من أبناء المدينة كواجهة، لكسب الشرعية وتمرير مشروعهم”.
وتابع “نرفض إلحاق تبعية منبج بالفيدرالية المُعلنة من قبل (حزب الاتحاد الديمقراطي) في شمالي سورية”، وشددّ على أنهم “لن يسمحوا بتمرير قوانين وتشريعات كهذه”، وقال: “لأنّ شكل الدولة ونظام الحكم في سورية، يقرره الشعب السوري، ويحدده الدستور المستقبلي للدولة السورية، بعد عودة الاستقرار”.
وتتبع منبج لمدينة حلب – شمالي سورية، إلا أن التقسيمات الإدارية تفرزها بحسب تموضع كل قوة عسكرية، وعن تبعية المدينة قالت سوزدار خالد، الرئيسة المشتركة للمجلس المدني في منبج، في لقاء مع (جيرون): إن “أهالي منبج هم من سيقررون تبعية المدينة”، وقالت: “نسعى لتأسيس نظام ديمقراطي يقوم على إدارة مدنية لا مركزية”.
أما فاروق الماشي، رئيس الإدارة المحلية لمدينة منبج، والأخيرة، تحظى بغطاء ودعم من (قوات سورية الديمقراطية)، رأى أن التحدي الأكبر بعد السيطرة على المدينة “يكمن في إعادة النازحين والمدنيين إليها”، واستخلص خلال حديثه مع (جيرون) أنّ “مسألة إعادة الثقة بين الناس، لا تقل أهمية عن عودتهم، وسنعمل كذلك لإعادة تأهيل البنى التحتية من مستشفيات وكهرباء وماء ومدارس لتوفير الخدمات”.
شكوك ومخاوف
لكن منذر سلال قال: “أنا لا أخشى من تكرار سيناريو تهجير أبناء منبج، كما حدث في تل أبيض وريفها، وريف الحسكة الغربي، وقيام ميليشيا القوات والوحدات الكردية بارتكاب انتهاكات بحق عرب المنطقة؛ لأن هذه القوات على المحك بعد السيطرة على مدينة منبج، وسط أنظار داعميها الدوليين”، وقال: إن القوات الكردية “ستلجأ إلى أساليب أخرى، لأن مناطق عديدة، مثل: الشيوخ، وصرين، وبعض القرى غربي نهر الفرات، ومدينة تل رفعت، هُجر سكانها بالأكمل على يد هذه القوات”.
ويتحكم تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف في مناطق سيطرته بمفاصل الحياة كافة، ويغذي الشعور بالرعب بين الناس، من خلال الإعدامات والعقوبات التي كان يطبقها، الأمر الذي دفع بعضهم مُرغمًا إلى التعاون معه، وعن مصير هؤلاء، في حال قرروا البقاء في مدينتهم، أوضح فاروق الماشي: “سيُحالون إلى محاكم شعبية محلية، أما الذين ارتكبوا جرائم قتل، فستكون عقوبتهم مضاعفة”.
وعمدّ التنظيم الى تحويل المدارس إلى مقار أو سجون له، كما منع تدريس التلاميذ وفق المنهج الرسمي المعتمد من النظام السوري، وفرض على الطلاب الخضوع لدورات تعليم دينية، وعن كيفية التعامل مع الأطفال، ولاسيما الذين خضعوا للدورات الشرعية، أردف الماشي “سنقوم بفتح مستشفيات نفسية خاصة لمعالجتهم، وتخصيص برامج لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال، وغيرهم ممن تأثروا نفسيًا بحكم (داعش)”.