في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1980، تم التوقيع في جنيف على اتفاقية (حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية يمكن أن تكون مفرطة أو عشوائية الضرر)، ومن هذه الأسلحة الفوسفور الأبيض، حيث عُدّ استخدامه ضد المدنيين جريمة حرب.
الفوسفور الأبيض، وهو من المواد الحارقة، حيث يتفاعل سريعًا مع الأوكسجين؛ لتنتج عنه غازات حارقة، رائحتها تشبه رائحة الثوم، وتُشير المراجع المختلفة إلى أن الكيميائي الألماني، هينجبراند، قد اكتشفه أثناء تجاربه عام 1669، وقد استُخدم -لأول مرّة- من الإيرلنديين في القرن التاسع عشر، كمحلول عندما يتبخر يسبب حريقًا، وقد طُوّر فيما بعد، واستُعمل في الحرب العالمية الثانية بشكل واسع من الأميركيين، أما الروس فقد ذكرت تقارير عدة أنهم استعملوه في حربهم ضد الشيشان في تسعينيات القرن الماضي، كما استعملته إسرائيل في حروبها ضد الفلسطينيين أكثر من مرة.
لم يتوقع السوريون الذين نهضوا لمقارعة الاستبداد بثورة شعبية عارمة، أن تصل بهم الأمور؛ ليكونوا مادة تجارب لأسلحة روسيا الاتحادية، أو كما صرح بوتين في آذار/ مارس الماضي، بأن قتال قواته في سورية كان أفضل تدريب لها، وهذا في حقيقة الأمر عنجهيّة رجل أمن، متمرّس بأساليب الانتقام من خصومه المسجونين، بلا وسائل دفاع في أقبية المخابرات المظلمة، والتي بإمكان رجل الأمن فيها أن يُجرّب طرق انتقام وتعذيب مختلفة، تمامًا كما يُجرّب بوتين على المدنيين السوريين بأدوات القتل والتنكيل، في وقت مُنعت فيه عنهم أدوات الدفاع عن أنفسهم.
قصفت الطائرات الروسية مواقع عدة، في محافظتي حلب وإدلب بالفوسفور الأبيض، وقد خاطب رياض حجاب، رئيس هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، كلًا من أمين عام الأمم المتحدة ورئاسة مجلس الأمن، برسالتين في حزيران/ يونيو الماضي، حول استعمال روسيا للأسلحة الحارقة المحرمة دوليًا في سورية، وطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات على روسيا؛ نتيجة خروقاتها للقانون الدولي.
ومع منع أدوات ووسائل الحماية عن المدنيين السوريين، ومع تلك السلبية التي يقابل فيها القانون الدولي والدول الفاعلة، تلك النداءات، وبعد أن غُض البصر عن استعمال النظام السوري للأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية في آب/ أغسطس 2013، وطمس جريمة الحرب تلك بحق الإنسانية، في مقابل تسليم النظام مخزونه الكيماوي، ثم تركه يستعمل المواد الكيماوية المختلفة، ومنها غاز الكلور السام، دون أي اكتراثٍ من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو حتى المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية، مع كل تلك السلبية الدولية والاستهتار بالقيم البشرية، ليس أمام المدنيين السوريين سوى البحث عن طرق السلامة، التي يمكن أن يستعملوها بأبسط أساليبها، إن كانت وقائية أم إسعافات أولية، وذلك للتخفيف -قدر الإمكان- من خطر الإصابات التي تسببها قنابل الفوسفور الأبيض.
تشير مراجع علمية مختلفة إلى أن الدخان أو الغازات الناتجة عن تلك القنابل، تعدّ سامة ويجب تجنب استنشاقها، حيث تُسبب تشوهات في الفم، إن كان في الأنسجة الرخوة أم في عظام الفك، وهذه الإصابات قد تؤدي إلى الموت، إن انتقل الالتهاب إلى الدم بسبب تلف الأوعية الدموية، وعلى هذا، يجب -كما كل الغازات السامة- تجنب استنشاق هذا الدخان، والابتعاد مباشرة عن مكان القصف، بعكس اتجاه الريح، واستعمال الكمامات الواقية، مهما كانت بسيطة للتخفيف من أثره.
من جانب آخر تُشير وكالة حماية البيئة الأميركية، أنه عدا عن تلوث الهواء؛ فإن بقايا الفوسفور المتسرب إلى المياه والتربة تبقى لسنوات طويلة، بصورة مادة سامة، كأي سموم يمكن أن تؤذي الإنسان مباشرة عند تناولها، أو تناول المواد الحاملة لها إن كانت نباتات أو أسماك أو غيرها، وتعود درجة السميّة إلى حجم الكمّية وتركيزها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الفوسفور قد استُعمل كمادة كيماوية في بعض المبيدات الحشرية التي تُرش بها النباتات ، لكن في السنوات الماضية حظر استعمال عدة أدوية تحوي مادة الفوسفور، نظرًا لسميته العالية، ولعدم تحلله بسرعة، أو عدم تبدل تركيبته الكيميائية؛ لينتقل إلى مادة غير سامة.
ويبقى الخطر المباشر تفاعل الفوسفور الأبيض مع الأوكسجين، الذي يؤدي إلى اشتعال النار مترافقًا مع حرارة عالية جدًا، هذا الأمر الذي قد يتسبب بحرق كامل لجسم الإنسان؛ ليصبح كتلة سوداء متفحمة، أو أن تكون حروقًا موضعية، بحسب التصاق الحبيبات بالجسم وتعمقها.
وحول الوقاية من المواد الحارقة، وخاصة الفوسفور الأبيض، ذكر العقيد خالد المطلق، نصائح مهمة، عدّ فيها -بداية- أن القنابل الحارقة ليست خطرة في حال تعاملنا معها بهدوء، وأشار إلى أن أفضل الطرق، هي تغطية الشخص بشكل كامل بالبطانية المنزلية لقطع الأوكسجين، ولكن يجب الانتباه إلى أن بعض القنابل الفوسفورية تحتوي على مواد مشبعة بالأكسجين، ولإخماد الحريق بشكل نهائي يجب تغطية الحريق بالتراب وهذا من أفضل الوسائل، وعلى هذا ينصح المطلق الأهالي في المناطق المعرّضة للقصف بالفوسفور الأبيض، بوضع أكياس تراب في بيوتهم؛ لمساعدتهم في إخماد الحرائق بوصفها من الوسائل الجيدة والسهلة، ويؤكد على الحذر من إطفاء الحريق بالماء، نظرًا لاحتوائه على الأوكسجين، ما يؤدي إلى زيادة الحريق.
ويضيف العقيد خالد المطلق في نصائحه للمقاتلين أيضًا، أنه في حال التعرض للإصابة بالحريق من الأمام، يجب أن ينبطح الشخص على بطنه، وإن كانت من الخلف، عليه الاستلقاء على الظهر، ويؤكد على وجوب الامتناع عن محاولة إزالة هذه المواد عن الجسم باليد، وضرورة عدم التحرك؛ لأن ذلك سيزيد انتشار الحريق، وفي هذا السياق ينصح بعدم الارتباك؛ الأمر الذي يساعد كثيرًا في معالجة الأمر.