حين نسأل كيف سيكون شكل الدولة السورية بعد انتهاء الحرب، فإننا نساعد أنفسنا نظريًا على التفكير في مستقبلنا كسوريين، وفي جواب كثيرين ممن التقتهم (جيرون)، من شرائح سياسية واجتماعية وفكرية مختلفة، كان هناك شبه إجماع على ضرورة تشكيل دولة مدنية ديمقراطية غير مذهبية، يتسع فضاؤها لكل السوريين، دولة لا يخاف فيها المواطن.
لقد تضمن دستور النظام السوري الذي أقره في 27 شباط/ فبراير 2012، فقرات عن شكل الدولة، فهي بحسب وصفه “جمهورية عربية سورية”، وفي إحدى المواد “تعتمد التعددية السياسية”، وفي مادة أخرى “لا يجوز تشكيل أحزاب على أسس مذهبية أو طائفية”، وفي الدستور نفسه “أن دين رئيس الدولة هو الإسلام”. أما صلاحيات رئيس الجمهورية في هذه الدولة وفق هذا الدستور، فهي شبه مطلقة، فكل السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى التشريعية بيده.
دولة المواطنة
الصحافي حسين خليفة، الذي يعيش في دمشق، يشدد على أن الدولة المأمولة هي دولة اللاخوف، وقال لـ (جيرون): “أحلم بدولة لا أخاف منها كمواطن، بل احترمها، الاحترام هو ما يجعلني التزم بقوانينها، حتى لو لم أكن مقتنعًا ببعضها، ولأنني لا أخاف منها، فمن الطبيعي أن أسعى مع غيري لتغيير القوانين والدساتير والأشخاص، نحو ما نراه أفضل، وقد يراه غيرنا أسوأ، دولة كهذه لا تأتي بها إلا صناديق اقتراع حرة وشفافة، وتطيح بها الصناديق أيضًا، حين تُصبح عائقًا أمام تطور ورفاهية المجتمع والبلد”.
وتابع “نريد دولة بعيدة عن التفرد والاستبداد واستعادة الخلافة، وكل ما يُبنى على أساس الدين أو الطائفة أو المذهب، وحدها المواطنة هي التي تحدد هوية الإنسان فيها، ونحلم بدولة قائمة على حرية الفرد، وتستثني منهم من يريد تسلق هذه الحرية ليخنقها لاحقًا من إسلاميين تحديدًا ومؤدلجين عمومًا، دولة تكون فيها مهمة العسكر حماية الحدود وضبط النظام فحسب، ويأتمرون بأوامر المؤسسات المُنتخبة”.
أما (وائل)، وهو اسم مستعار لمخرج سوري، يعيش الآن في محافظة حماة، فضَل عدم الكشف عن اسمه خشية من النظام، فقد تحدّث عن العبث الذي تتسم به هذه الحرب، والعبث الذي سيعقب انتهاءها، ورأى أن الناس “ستُجبر في النهاية على التعايش والسلام حين تتوقف الحرب”، ورأى أن شكل الدولة، الحلم، سيأتي في وقته، وتحدث عن مرارة التجربة التي عاشها الغرب بسبب الحربين العالميتين، وضرورة الاستفادة من تجارب التاريخ القاسية.
لا للحكم الطائفي ونعم للغتين
نزيهة عمر من حمص، مُدرِّسة، تعيش الآن في كندا، قالت إنها تريد لسورية بعد الحرب “دولة ديمقراطية مدنيه متعددة الأحزاب، ورئاسة منتخبه من الشعب، تمثل كل الأطياف، وترفض أي حكم مذهبي أو طائفي، حكم مدني ديمقراطي حر متعدد الأحزاب، يحترم الإنسان ويرعاه ويؤمن له حياة كريمة دون تمييز، دولة تُشبه كندا”، وشددت على ضرورة أن “ينحصر دور الجيش في حماية الحدود”.
أما رشاد العثمان، إجازة في علم النفس، ويعيش حاليًا في تركيا، فقد طالب أن يكون اسم سورية “الجمهورية السورية”، أي أن تُزال كلمة عربية، وأن تكون “دولة مدنية تعددية تتسع لكل السوريين، دولة مواطنة، وجميع المواطنين فيها ذكورًا وإناثًا من كل الطوائف متساوون بالحقوق والواجبات، دولة لا يوجد فيها أقلية وأكثرية، إنما الأقلية والأكثرية السياسية تكون تحت قبة البرلمان فحسب، دولة قوامها الحرية والكفاية والعدل وسيادة القانون، دولة المواطنة قولًا وفعلًا وممارسة”، ورأى ضرورة “نقل الدولة من الحالة العقائدية التي تتماهى مع الاستبداد، إلى حالة مدنية وقانونية ودستورية تمتلك وحدها تشريع القوانين، وأن يكون لكل القوميات حقوقًا كاملة، وأن تُستخدم اللغة الكردية إلى جانب اللغة العربية”.
من جهته كان وليد الحريري، الذي يعيش في الأردن، وعمل سابقًا في التخليص الجمركي والعلاقات العامة، متشائمًا، فعدّ التدخل الدولي عسكريًا، ولا سيما الروسي منه، سيكون له الدور الرئيس في تحديد شكل الدولة المستقبلي، من خلال المفاوضات السياسية التي تخص سورية، فروسيا برأيه “قد تُصرُّ على شكل فيدرالي، إذا كان ذلك يحمي مصالحها، وسورية المستقبل والجديدة، هي تلك المتعلقة والمرتبطة بوقف القتال، وذهاب السوريين إلى مباحثات، يرعاها الكبار وينفذها الصغار، ونخشى أن يوضع دستور جديد يتلاءم مع كل المستجدات التي ترضاها أميركا وروسيا، وترغبها جميع الأطراف إلا الأطراف السورية، وعليه سيكون شكل الدولة، إما توافقًا وحكومة انتقالية، توائم جميع الأطراف والأطياف، وإما فيدرالية لكل الأطراف والأطياف”.
أما خلود الحلو، خريجة جامعية، والتي عملت سابقًا في وزارة الثقافة، وتعيش حاليًا في ألمانيا، فقالت: “بعد نهاية الحرب، لابد من التشاركية في شكل الدولة الجديدة، وضرورة الابتعاد نهائيًا عن تمجيد القائد الأوحد، والاستفادة من تجارب الدول التي طحنتها الحرب مثل ألمانيا، وضرورة احترام العمل والقانون في الدولة المقبلة، والاستفادة من قسوة هذه التجربة التاريخية التي عاشها ويعيشها السوريون”.
سورية الممكنة والتي يجب أن تكون
الباحث وأستاذ الفلسفة أحمد برقاوي، قال: “سألنا ما سورية الممكنة، ولم نسأل عن سورية كما يجب أن تكون، وبين السؤالين فرق كبير، سورية الممكنة هي سورية التي يقدر الآن السوريون الفاعلون سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا أن يعيدوا إنتاجها وفق الشروط التي ولدتها الثورة، والصراعات المسلحة التي تمخضت عن محاولة النظام القضاء عليها”.
وأضاف: “أما سورية كما يجب أن تكون، فهي سورية في الصورة التي نرغب بها ونتمناها، وسيمضي زمن على تحقق سورية الممكنة، ولاحقًا، ومع عدم الحسم العسكري لأي طرف، وتدخل قوى عالمية على خط الصراع، ولتحقيق سورية الممكنة التي يريدها السوريون في المستقبل، لابد مما يلي:
أولًا، مؤتمر وطني سوري، يضم كل الفاعلين على الأرض؛ لصوغ عقد وطني، ينهي نمط السلطة القديمة ورموزها.
ثانيًا، عقد اجتماعي يصوغ شكل السلطة ونظامها ونمطها، شكل جمهوري، ونظام ديمقراطي – برلماني، ونمط لا مركزي يحافظ على وحدة البلاد.
ثالثًا، مرحلة انتقالية من تنظيم امتلاك القوة، وبناء الأجهزة، والسلطة القضائية.
على أن يتم كل ذلك تحت إشراف مجلس الأمن ومؤسسات هيئة الأمم، والجامعة العربية، وبعد إنجاز سورية الممكنة، يجري العمل على بناء سورية كما يجب أن تكون، وذلك في شروط السلم الأهلي وإعادة البناء”.