اقتصاد

السياحة السورية الطارئة في تركيا!

يتمتع السوريون الذين استقروا في تركيا بثلاثة أشكال من الإقامة:

أولًا: لاجئون في المخيمات، يحملون بطاقة (كملك)، ويخضعون لقانون الحماية الموقّتة، حيث تُشرف على حياتهم منظمة إدارة الطوارئ والحروب التركية (AFAD)، وتقدم لهم المساعدات الغذائية والطبية والتعليمية.

ثانيًا: الخاضعون للقانون نفسه، لكنهم لا يتمتعون بتلك الخدمات بشكل منتظم، ويتدبرون أمورهم بالعمل في السوق التركية (عبر إذن عمل رسمي، أو من دونه)، أو من مدخراتهم التي حملوها معهم حين جاؤوا إلى تركيا، أو بمساعدة ذويهم من المقيمين في دول الخليج، أو أوروبا.

ثالثًا: من يحملون بطاقة الإقامة السياحية، وهؤلاء مجرد أجانب، يقيمون في تركيا بشكل قانوني، ولا يمكن إطلاق صفة لاجئين عليهم، إلا مجازًا، كون الأميركي، أو الأوروبي، مُلزمًا باستصدار هذا النوع نفسه من الإقامة، إذا أراد الإقامة في تركيا مدة تتجاوز مدة التأشيرة الممنوحة له حين قدومه إلى تركيا.

الأرقام، من مصادر مختلفة، ومتخالفة، تقول: إن عدد السوريين في تركيا تجاوز 2.7 مليون، وأن 1.3 مليون عبروا تركيا في طريقهم إلى غربي أوروبا وشمالها.

لا توجد أرقام مؤكدة عن أعداد اللاجئين السوريين في تركيا، لكن تركيا أنشأت -تباعًا- 22 مخيمًا للاجئين السوريين (في أرقام أخرى، هنالك 26 مخيمًا)، تشرف عليها منظمة (آفاد)، ويسكن في هذه المخيمات ما بين 280 ألفاً و550 ألفاً (هنالك أرقام مختلفة).

وحتى بأخذ الرقم الأكبر لعدد اللاجئين السوريين في المخيمات، سيكون أكثر من مليوني سوري يعيشون خارج تلك المخيمات؛ هذا يعني أن كثيرًا من هؤلاء يمتلكون المال والمبادرة، بحيث يتدبرون أمور حياتهم ومعيشتهم دون الاعتماد على مساعدة المؤسسات الخيرية التركية، أو الدولة التركية، عبر صيغة الحماية الموقّتة التي أقرتها تركيا منذ عام 1951، حين وقعت اتفاقية مع الأمم المتحدة، تضمن الإقامة غير المحدودة للاجئين، والحماية من الإعادة القسرية، وتوفير خدمات الاستقبال، وضمان الحاجات الأساسية الفورية، خلافًا للشكل القانوني المتعارف عليه في وثائق الأمم المتحدة.

 

تتوزع مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا على ثماني محافظات (هاتاي، وأورفة، وغازي عينتاب، وكلّس، ومرعش، وعثمانية، وأضيامان، وأضنة).

وفي دراسة أجرتها مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية (TESEV)، بالتعاون مع مركز البحوث الاستراتيجية في الشرق الأوسط (ORSAM)، تبين أن الذين يعيشون خارج المخيمات يقارب عددهم مليوني سوري.

هؤلاء، يدخلون الأسواق، مستهلكين ومستثمرين، كون 85 في المئة منهم يعيشون خارج المخيمات المخصصة للاجئين، وفي مدينة غازي عينتاب الصناعية، استثمر سوريون أموالهم -حتى عام 2014- في 209 شركات يملكونها قانونيًا، مقارنة بـ 60 شركة عام 2010.

أما عدد الشركات السورية في مدينة مرسين، فقد وصل إلى 279 عام 2014، مقارنة بـ 25 شركة نهاية عام 2009.

المقيمون السوريون، على أنواع إقاماتهم، رفعوا نسبة التضخم في غازي عينتاب إلى 8.51 في المئة، مقارنة مع متوسط عام للتضخم في المدن التركية، وصل إلى 7.4 في المئة خلال العام 2013. كما ساهموا في ارتفاع أسعار إيجار المنازل في مدينة عثمانية، مثلًا، بمقدار 200 إلى 250 ليرة تركية.

التفسير الاقتصادي لأرقام التضخم، تعني أن كتلة من المال غير منظورة، مصدرها “الطارئون” السوريون، دخلت في السوق الرأسمالية التركية.

تلك الكتلة النقدية لا يمكن التحكم فيها من قبل الدولة التركية، كون أكثر من مليوني سوري يعيشون في المدن، بين الناس، وفي الأسواق، ويحتاجون إلى السكن، والطعام، والدواء، والمدارس؛ ما يعني الإنفاق ضمن حدود خط فقر المحدد من الأمم المتحدة بمقدار دولارين للفرد في اليوم، أي أربعة ملايين دولار يوميًا.

بالطبع، لا تنطبق أرقام الأمم المتحدة على الواقع، فمتوسط الإنفاق الشهري في تركيا على الحاجات الأساسية يفوق ذلك.

وإذا افترضنا أن مليوني سوري يحتاجون إلى 400 ألف منزل (5 أشخاص في كل منزل)، ويدفعون بدل إيجار 600 ليرة (200 دولار)، كمتوسط عام، فهذا يعني أنهم يدفعون 80 مليون دولار شهريًا، يُضاف إليها مبلغ 150 ليرة (50 دولارُا) مقابل استهلاك الكهرباء والماء والغاز والإنترنت، أي 20 مليون دولار. وإذا كان مليونٌ منهم يملك هاتفًا خليويًا، فإنه سيدفع حوالي 20 ليرة تركية شهريًا (أكثر من 6.6 دولارات)؛ ما يعني أكثر من 6.6 مليون دولار شهريًا.

مجموع هذه البنود ضمن الحد الأدنى 106.6 مليون دولار شهريًا، يقابلها إنفاق على الطعام والمواصلات والملابس وأقساط المدارس والطبابة، لا يقل عن ضعف هذا الرقم شهريًا. وإذا افترضنا أن الإنفاق الشهري لا يتجاوز 320 مليون دولار شهريًا، سيكون مجموع الإنفاق السنوي 3.840 مليار دولار في الحد الأدنى، وخلال خمس سنوات سيتضاعف الرقم خمس مرات، ضمن أكثر الافتراضات تحفظًا، أي: 19.2 مليار دولار.

لم نتطرق -هنا- إلى إنفاق العابرين لتركيا خلال السنوات الخمس الماضية، وعددهم لا يقل عن مليون سوري، وصلوا إلى أوروبا عبر القوارب المطاطية، أو سفن الصيد، أو الطائرات، أو الطريق البرية عبر بلغاريا.

متوسط إنفاق كل عابر، قبل مغادرته الأراضي التركية، لا يقل عن ثلاثة آلاف دولار (800 دولار في القارب المطاطي كحد أدنى، وما يصل إلى 14 ألف دولار في الطائرة). نقول ثلاثة آلاف دولار كون أغلبية العابرين ركبت القوارب المطاطية، وكون الأرقام الكبيرة تخص مافيات دولية، بينما تختص مافيا التهريب التركية بالقوارب المطاطية المنطلقة من السواحل المقابلة لليونان.

هذا يعني إنفاق ثلاثة مليارات في تركيا للوصول إلى أوروبا، دون النظر إلى إنفاق هؤلاء خلال فترة إقامتهم الموقّتة في تركيا انتظارًا لركوب البحر، ففي بند سترات النجاة البرتقالية، أنفق السوريون ما لا يقل عن 16.6 مليون دولار (سعر السترة 50 ليرة وسطيًا، أي: ما يعادل 16.6 دولاراً).

الرقم المجمع سيتجاوز 22.2 مليار دولار، ضمن افتراضات الحد الأدنى.

 

بالطبع، لا يمكن الوصول إلى أي رقم افتراضي عن مقدار ما دخل خزينة الدولة التركية من هذا الرقم، باستثناء ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الأرباح التجارية للشركات السورية المرخصة في تركيا.

لكن الرقم يعادل أضعاف الرقم الذي تدعيه الحكومة التركية، فأعلى رقم معلن هو 9 مليار دولار (الرئيس أردوغان خلال زيارته تشيلي في شباط الماضي)، مع ملاحظة أن هذا الرقم يشمل الإنفاق على اللاجئين العراقيين.

أخيرًا، يمكن افتراض أن السوريين المقيمين في الخليج الذين كانوا يزورون ذويهم في تركيا بانتظام، مرة واحدة على الأقل سنويًا، سياحًا حقيقيين، فإذا كان 10 في المئة من مجموع مليوني سوري، لهم أقرباء، أو أبناء، كانوا يزورنهم قبل بداية 2016، قبل فرض التأشيرة على السوريين القادمين إلى تركيا من دول أخرى، غير سورية، بشكل مباشر، فهذا يعني أن 200 ألف سائح، من بين 36 مليون سائح، كانوا يزورون تركيا قبل تراجع السياحة في العامين الأخيرين، وهؤلاء ينفقون -وسطيًا- ألف دولار ، خلال شهر، أي أنهم ينفقون 200 مليون دولار، ما يعني مليار دولار خلال خمس سنوات.

الخلاصة، أن السوريين ضخوا في السوق التركية، كحد أدنى ثلاثة أضعاف ما تدعي الدولة التركية أنها أنفقته على السيّاح السوريين الطارئين، هذا إذا لم ننظر إلى المساعدات المادية والعينية التي قدمتها تركيا للسوريين، مشكورة، من باب إعانات البطالة، التي تعود مرة أخرى إلى السوق على شكل إنفاق استهلاكي يساهم في نمو الاقتصاد التركي، حتى لو ارتفعت نسب التضخم قليلًا.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق