شهد اختتام فعالية (المعتقلون أولًا) التي نظمتها شبكة جيرون الإعلامية، بالتعاون مع مجموعة (ناجون من المعتقل)، عرضًا مسرحيًا لفرقة أبي خليل القباني بعنوان (المهجع رقم 19)، من تمثيل محمد الملي، وحسن البوحسن، بمشاركة من محمد وعلى داده، بالإضافة لـ مرتضى قره علي؛ وهو مخرج العمل أيضًا. قدم العرض رؤية بسيطة لمعاناة المعتقلين داخل سجون النظام السوري، عارضًا رؤية إنسانية نفسية لذهنية السجّان أو المحقق، وعن الرسالة المراد إيصالها عبر العرض قال محمد ملي: “رسالة العرض تقديم جزء من الحقيقة، وليس الحقيقة كاملة لما يجري داخل المعتقلات، وذلك لأسباب عديدة منها الإمكانات المحدودة.
حاول العمل محاكاة الأبعاد الإنسانية لطرفي القصة، السجين والسجان، بمعنى آخر، محاولة فهم أو عكس الأبعاد النفسية الاجتماعية لتكوين الأشخاص المسؤولين عن التحقيق والمشرفين على عمليات التعذيب داخل السجون، لأنها -وببساطة- شخصيات في الواقع، تعاني العديد من الأمراض والعقد النفسية، وإلا لما كانت قد وصلت إلى هذا الحد أو المستوى من التوحش”. ولم يختلف مخرج العرض، مرتضى مع ملي، وقال: “العرض محاولة لمحاكاة الواقع كما هو، بكل ما يحمله من قسوة، لأن إحدى وظائف المسرح أن يكون مرآة تعكس الواقع، وتطرح أسئلة قد تفيد بشكلٍ أو بآخر في إيجاد بعض الحلول للقضايا المطروحة، يمكن القول إن العرض كان عبارة عن إعادة تسليط الضوء على قضية في غاية الأهمية، وتعاني تهميشًا كبيرًا، وهي قضية المعتقلين”.
دور المسرح أو تأثيره
لا يمكن لأحد أن ينكر قدرة المسرح على إضفاء مساحات جمالية إنسانية على أي قضية اجتماعية أو سياسية، وما يمتاز به من إمكانات في طرح التساؤلات، بما يساعد في تعزيز مساحات الحوار داخل أي مجتمع، وهنا قال ملي: “المسرح له دور كبير، ولكن للأسف، ضمن الواقع العربي عمومًا، والسوري خصوصَا، عانى المسرح دائمًا من تهميشٍ كبير، وعلى المستوى السوري ازداد التهميش أخيرًا.
باعتقادي دور المسرح الأساسي هو محاكاة أو نقل الحقيقة، دون تحويرٍ أو تجميل، من هنا يمكن القول بأنه لو توافرت للمسرح الشروط والإمكانات المطلوبة، لَلعب دورًا بارزًا في نقل القضية السورية إلى قطاعات أوسع من الجمهور، خاصةً من غير السوريين، وهو -ربما- ما يساعد على حشد رأي عام مناصر لأهداف وطموحات الثورة السورية، فليست وظيفة المسرح إيجاد الحلول، وإنما طرح المشكلات بأبعادها كافة، ومحاولة خلق حوار مجتمعي واسع على هذا الصعيد”.
ما المطلوب لتعزيز حضور المسرح في الحياة السورية
في هذا السياق أكد حسن البوحسن، مساعد مخرج “المهجع رقم 19″، أن المطلوب -لنرى أعمال مسرحية حقيقية- توفير الدعم على الصعد كافة” مضيفًا: “المسرح دائمًا يُوصف بالفقر، عكس التلفزيون أو السينما، بالتالي، غالبًا ما يبتعد الفنانون عن المسرح للبحث عن مصادر رزق، تعينهم على أوضاع الحياة، إضافةً إلى أن الفنون الأخرى أسرع للشهرة، من هنا، أعتقد أن أهم عنصر لإعادة إحياء المسرح -إن صح التعبير- توفير الدعم المطلوب لهذا الفن، كذلك يمكن القول بأن غياب ملامح مشروح ثقافي لدى قطاعات واسعة ممن يمثلون الثورة، أدى -بشكل أو بآخر- إلى ضعف المسرح وربما غيابه”.
ومن جهته قال قره علي: “أعتقد أن المطلوب أولًا تغيير نمط التفكير أو طريقة التعاطي مع التجربة المسرحية، فنحن، وعلى مدار عقود، كنا نعيش في سورية ضمن صناعة الكذب والنفاق، أي أن كل ما يتعلق بالفن سواء الدراما التلفزيونية أو السينمائية أو الأعمال المسرحية التي سادت في البلاد، وكانت جزءًا من الدعاية (الوضيعة) للنظام بهدف (تسطيح) الجمهور وتخريب ذائقته، إضافة إلى كل ذلك لا بد من الاستفادة من مناخ الحرية الذي خلقته الثورة، بما يقود نحو عملية إبداعية لا يحدها أي سقف، وهنا تجدر الإشارة إلى أن النقد المسرحي -وإن تعرض للثورة وجمهورها وبعض ممارساتها- ينبغي ألا يُعدّ انتقاصًا من قدرها، بل محاولة تنبع من دور المسرح الأساسي في تعرية الواقع وتسليط الضوء على سلبياته، كي لا تصبح مع الزمن ثقافة سائدة ومقبولة، وهو ما يعني في هذا الجانب المحافظة على جوهر الثورة وطموحاتها الشاهقة”.
محكومون بالتفاؤل
وحول مستقبل المسرح ضمن معطيات الواقع السوري، أكد ملي أن لا بديل عن التفاؤل، مضيفًا: ” في حال تم دعم المحاولات الشبابية والفرق المسرحية الناشئة، بإمكاننا بالتأكيد إضافة الكثير مسرحيًا، خاصةً على صعيد توسيع دائرة المعرفة بما يحصل في سورية، ليس على المستوى الخبري، وإنما بمعناه الإنساني الأوسع، وهو ما نحتاجه، وما يستطيع المسرح فعلًا أن يقوم به”. ولم يختلف بوحسن كثيرًا مع الملي حيث قال: “بالتأكيد علينا أن نكون متفائلين، لأنني أعتقد أن الحرية أهم مقومات العمل المسرحي، وبالتالي يمكن القول إننا الآن في فترة تأسيس، أو في طور البداية، ولكننا سنشهد تحولًا في ما يتعلق بالمسرح لأسباب عديدة، أولها الثورة، وكل ما أحدثته من تغييرات عميقة على المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية المختلفة”.
من الجدير بالذكر أن فرقة أبي خليل القباني، تأسست أواخر عام 2013، وبدأت أعمالها بعرض عنوانه (كاينموس) في مدينة غازي عنتاب، وشاركت في تظاهرة مسرحية في مدينة مرسين تضمنت مشاركات من دول عديدة، وحتى اللحظة تعمل الفرقة بجهود تطوعية من أعضائها دون أي دعم من أحد، ويؤكد أعضاؤها أنهم مستمرون، وفي جعبتهم -خلال الفترة المقبلة- العديد من الأعمال، أولها عرض عن أبي خليل القباني نفسه.