سورية الآن

قاذفات روسية تتبارك بإيران وتقتل في سورية

ليس غريبًا على السوريين أن يتم الإعلان عن تعاون عسكري بين روسيا وإيران، وذلك باستعمال روسيا القواعد العسكرية الإيرانية لشن غارات من قاذفات (تو 22) وغيرها، على المدن والبلدات السورية، فإن تفاجأت بعض الدول بذلك، أو أعربت عن دهشتها، فمن الواضح أن من استنبط ألف طريقة للصمود، وتعامل مع كل المستجدات بصلابة صاحب القضيّة، لم تشغله تلك التصريحات التي تشبه استعراض بهلوانيات السيرك بالسياسة.

 

روسيا وإيران لم تكونا يومًا غير شريكتين بما جرى ويجري في سورية، فالإيرانيون الذين اعتدنا عليهم منذ وصول الخميني إلى السلطة، أن لهم مشروعهم الذي لم يخفوه، بتفتيت المنطقة على أسس طائفية، كي يستطيعوا تصدير الثورة الإسلامية، وقد وجدوا في الأسد الأب، ثم الابن، أفضل الأصدقاء أو الجسور التي يستطيعون العبور من خلالها إلى مشروعهم، وفعلًا استغلّوا حكم حافظ الأسد، ومن ثم بشار على أكمل وجه، إن كان في سورية أو العراق أو لبنان وفلسطين، وحتى في التعامل مع الخليج العربي ببعض طرق الابتزاز السياسي لدوله، وخاصة في عهد الأسد الأب.

 

أما الروس الذين يصارعون لأجل مكاسب اقتصادية لشركاتهم، باستثمار النفط والغاز وبيع السلاح، مضافًا إليها طموحهم السياسي في وجه أوروبا وأميركا، فقد وجدوا أيضًا في النظام السوري خير جندي مطيع في لعبتهم بمنطقة الشرق الأوسط، وعندما فاجأت الثورة السورية الجميع، ابتدأت تتكشف كل الملفات المترابطة عضويًا، والتي استطاعت الثورة أن تهزّها من جذورها، ومنها التمدد الإيراني، وأيضًا هشاشة السياسة الروسية التي بقيت تراوح مكانها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وبالذات منذ استيلاء فلاديمير بوتين على نظام الحكم، حيث أصبحت كسمسار سياسة يقبض عمولته لقاء صفقة، إلى أن وضعته قوّة وثبات الثورة السورية أمام امتحان أخلاقي مهم ومفصلي، فوجد نفسه محشورًا في زاوية ضيّقة، ففتح أوراق (دكّانته) المتواضعة التي تماثل تلك السياسية الضيّقة، فبدا وكأنه يمارس السياسة بطريقة القاتل المأجور، وهي طريقة أقرب إلى سياسة العصابات أكثر منها إلى سياسة الدول، وهذا قد يكون مُحرجًا لدولة تتمتع بميّزة امتلاكها قرار (فيتو) في مجلس الأمن، أي: عوضًا عن أن تكون دولة صاحبة مسؤوليّة، تذهب في اتجاه أن تتشابه مع النظام السوري والإيراني في التوصيف، فالنظام السوري قد كرّس كل العقود الماضية كمقدّم للخدمات الأمنيّة، وحافظ على السلطة من خلال تلك الخدمات، ولم يترك أثرًا تنمويًا في سورية، بل عندما اهتزّت أركانه أخيرًا ذهب ليس إلى قتل البشر وحسب، بل إلى تدمير الحضارة السورية ذاتها، بكل ما استطاع من قوّة؛ كي ينهي معالمها حتى تتواءم مع سنوات الاستبداد، التي كانت حصيلتها دفاتر فساد أخرجت سورية، صاحبة الألق الحضاري التاريخي، من حسابات الدول المؤثرة إلى دولة متخلّفة.

 

كانت الثورة السورية في لحظتها عبارة عن فعل حضاري راقٍ، فاصطدمت بالضرورة مع كل ما يتنافى مع مفردات الحضارة، النظام السوري والإيراني والروسي، ثلاثة أنظمة تقع خارج سياق تطور القوانين الإنسانية التي شكّلتها الدول المعاصرة في النصف الثاني من القرن المنصرم حتى الآن.

 

هذا التعاون الأخير، الذي تم الإعلان عنه بين البلدين، ليس إلّا توزيعًا جديدًا للأدوار بالنسبة للسوريين الذي يستقبلون حمم الطيران الروسي، وقذائف الميليشيات المختلفة التي تموّلها إيران مع حرسها الثوري؛ لتقاتل على الأرض السورية تحت غطاء جوي روسي، وليس مهمًا إن جاءت تلك الطائرات من مطار حميميم أم مطار بغداد أم من بوارج بحرية أم تباركت بالدعوات الإيرانية، فالنتيجة واحدة، قتل واستعراض عضلات على لحم المدنيين العزّل، وللأسف فإن روسيا التي صرّح وزير خارجيّتها سابقًا، وفي أكثر من مناسبة، أنه يخشى من وصول حكم سنيّ إلى سورية، لا مشكلة لديها إن تعاونت مع الدولة الإسلامية الإيرانية، وعلى هذا، فالإشكالية ليست لها علاقة بالإرهاب، فإيران هي من أكثر دول العالم دعمًا للمنظمات الإرهابية ذات الصبغة الطائفيّة، والنظام السوري بدوره كان يمارس إرهاب الدولة المنظّم تحت ستارة التقيّة العلمانية، التي -هي الأخرى- تخفي خلفها تطرفًا طائفيًا، يُستثمر بكوكتيل اّلتطرف الديني المباشر، لغايات سياسية غير وطنيّة، فالتقت كل أنواع التطرف في بوتقة انصهار واحدة على الأرض السورية بغطاء جوّي روسي، والضحّية المباشرة هو الإنسان السوري الذي كل ذنبه أنه هتف للحرية، ورغب في أن يعيد سورية إلى مكانتها التي تستحقها في مصاف الحضارة، وهكذا تكشّفت الاصطفافات بناء على هذه النقطة بالذات، أي على مفهوم الحضارة وتعريفها، والرغبة في الانتماء إلى مفرداتها أو الرغبة في تدميرها.

 

لقد مارس النظام الروسي حالة عدائية مباشرة، ليس فقط بنيران طائراته وصواريخه، بل حتى في أماكن القرار الدولي، حيث وقف عائقًا أمام إمكانية إحالة مرتكبي جرائم الحرب في سورية إلى المحاكم الدولية، وهذا له مبرر واحد، يتقاطع مع إعلان روسيا في أيلول الماضي عن مشاركتها في القتال لصالح الأسد، انطلاقًا من مطار حميميم، ويتماشى أيضًا مع التقارير الدولية، بما فيها تقرير (هيومن رايتس ووتش) الأخير، الذي يتهم روسيا والنظام السوري باستخدام أسلحة حارقة، أي أن التمهيد الروسي للوصول إلى مرحلة التدخّل المباشر، كان حقيقة منذ معارضتها أول قرار دولي حول سورية، وأن إيران التي ذكرت تقارير سابقة أنها، ومنذ شهر شباط 2011، أي: قبل الثورة، كانت تعمل بشكل كثيف على تجهيز نواة ما سمي بالدفاع الوطني على طريقة الباسيج، هي أيضًا جزء من الإعداد لهذه المعركة التي تخوضها القوى الدولية ضد الثورة السورية، وإن إعلان روسيا عن بدء استعمال القواعد الإيرانية للقصف على المناطق السورية، ترتبط ضمنًا بالإعلان عن أن قاعدتها في حميميم ستبقى إلى الأبد، وأنها قد تزوّدها لاحقًا بأسلحة نووية، هذه الرسالة بشكلها ومضمونها ليست للسوريين كي يفاوضوها، بل هي للأميركيين والأوروبيين في حلفهم الأطلسي وتحرّكاته في شمال بولونيا والمناطق القريبة من القواعد الروسية، وحتى تلك المناورات الروسيّة بالبحر المتوسط، هي لا تعني السوريين بشكلها، بل تعنيهم بزيادة الألم في أن أرضهم أصبحت مستباحة، وقد قدّمها الأسد على طبق من ذهب للروس وغيرهم، مقابل خدمات حمايته ببضعة غارات على البيوت الآمنة، وعرقلة القرارات الدولية ضدّه.

 

الواضح من كل ذلك أن من كان يريد المتاجرة بحصار حلب، قد انقلب عليه السحر، فلم يجد بدّا من رفع سويّة القتل ليرفع سويّة المساومة، وإن الإعلان عن استعمال القواعد الإيرانية، يُقصد به القول تعالوا للتفاوض على أرواح المدنيين كونكم لم تفاوضوا على خبزهم.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق