تحقيقات وتقارير سياسية

مخيم اليرموك (حصار داخل الحصار) والهدف تصفية المخيم

أطبق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الحصار على منطقة “ساحة الريجة” في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، والتي يقطنها ما يقارب 200 مدني معظمهم أطفال، منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، ما يُنذر بكارثةٍ إنسانية أمام انعدام المواد الغذائية والطبية، وحتى مياه الشرب.

 

ناشطون من داخل المخيم أكدوا أن من تبقى داخل ساحة الريجة نحو 50 عائلة، تفتقر إلى أبسط الحاجات الإنسانية الضرورية، موضحين أن حصار التنظيم للمنطقة يأتي في سياق الصراع المتواصل مع جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، لفرض السيطرة بشكل كامل على المخيم، جنوبي العاصمة السورية دمشق.

 

داعش يسعى لتهجير من تبقى من أبناء المخيم

من جهته أكد الناشط أبو جهاد لـ (جيرون) أن ساحة الريجة هي المربع الأخير لجبهة (فتح الشام) داخل المخيم، وتُعدّ خط التماس المباشر مع قوات النظام والميليشيات الفلسطينية المتحالفة معها، مضيفًا أن فتح الشام كانت قد انسحبت إلى تلك المنطقة (المربع الأخير للجبهة) بعد معارك طاحنة مع داعش، خسرت على إثرها الأولى مواقعها كاملة في المخيم، لحساب الثاني الذي بدأ بالتضييق على الأهالي بشكلٍ غير مسبوق.

 

أدت المعارك المتواصلة بين التنظيمين -داخل أزقة اليرموك- إلى تهجير معظم من تبقى من سكانه إلى المناطق المجاورة، الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، حيث يُقدر من تبقى داخل المخيم من مدنيين بنحو 3 آلاف شخص، يعيشون حاليًا تحت رحمة فتاوى التنظيم التعجيزية، والتي وصلت أخيرًا حد المساس بالمنظومة القيمية والبنية الاجتماعية، إن صح التعبير، وهو ما يؤكده أبو جهاد بالقول: “أخيرًا فرض التنظيم الحجاب والنقاب على كل فتاة بلغت من العمر 12 عامًا، وعمَد إلى إيقاف عمل المدارس البديلة وفرض مناهج خاصة بالتنظيم، مهددًا من يرفض إرسال أطفاله إلى المدارس للتعلم، وفق المناهج المفروضة، بالتهجير إلى خارج المخيم، إضافةً إلى إصدار تعميم يعدّ كل امرأة متزوجة من أحد عناصر الفصائل المقاتلة بحكم المطلقة؛ لأن زوجها مُرتد، ومن ترفض عليها المغادرة، هي ومن تبقى من عائلتها”.

 

ما يجري له أهداف سياسية أبعد من خلافات فصائلية

يتفق معظم ناشطي المخيم على أن ما يجري جزء من سيناريو، أُوكل تنفيذه إلى داعش، ويتمحور جوهره بإنهاء الوجود الفلسطيني، وتصفية المخيم كأهم العناوين السياسية لفلسطينيي الشتات، مؤكدين أن كل المعطيات تدعم هذا التوجه، وهنا قال أبو همام، أحد أبناء المخيم، لـ (جيرون): “كل ما يحدث لا يتعدى إجراءات، الهدف منها تهجير من تبقى من أبناء شعبنا المرابط والصامد في المخيم، وهذه ليست فتاوى فقهية بل هي اتفاقات سياسية كبيرة؛ لإنهاء المخيم والوجود الفلسطيني، والأداة هي داعش، والدلائل على ذلك كثيرة، لماذا هذه الإجراءات داخل اليرموك وحده؟، لماذا لم يصدر التنظيم تعليمات مُماثلة في أحياء التضامن أو العسالي الخاضعة لسيطرته، وأكثر من ذلك لماذا توّقف القصف تزامنًا من انسحاب النصرة ومن معها، من مقاتلي المخيم إلى ساحة الريجة، وسيطرة التنظيم على اليرموك كاملًا تقريبًا، ما يجري هو مخطط سياسي كبير، والجميع هنا تحول إلى أدوات للأسف”.

 

بدوره، قال أبو جهاد: “كيف لنا أن نفهم أن بتوقف تنفيذ اتفاق خروج داعش من المنطقة، بداية العام، بسبب رفض النصرة الخروج من المخيم؟، وكيف لنا أن نفهم اندلاع المعارك واستمرارها بين التنظيمين، مع لحظة الإعلان عن تأجيل الاتفاق؟ كيف لنا أن نفهم قرارات داعش الأخيرة، والمتزامنة مع قبول النصرة الخروج باتجاه إدلب، بناءً على مفاوضات مع النظام عبر وسطاء من منظمة التحرير الفلسطينية، كيف لنا فهم وتفسير تهديدات داعش بإبعاد المدنيين الرافضين لفتاويه خارج المخيم، وهو الذي منع المدنيين في منبج من الخروج لاستخدامهم دروعًا بشرية في حروبه؟” مضيفًا: “كل المعطيات تشير بشكلٍ واضح إلى أن ما يجري يتجاوز مسألة خلافات أيديولوجية فقهية بين تنظيمين متشددين، إلى ملامح مشروع سياسي، يتورط فيه أكثر من طرف، ومضمونه تصفية الوجود الفلسطيني في دول الطوق، وعنوانه الأبرز سورية”.

 

منظمة التحرير أداة تنفيذية لتصفية المخيم

لا يبدو أن هناك (فرجًا) قريبًا في ما يتعلق بمخيم اليرموك، إذ بات واضحًا أن هناك أجندةً واضحة للنظام وحلفائه، وهي قيد التنفيذ، وربما وصلت إلى مراحلها الأخيرة، وكل ذلك أمام صمت مطبق من منظمة التحرير الفلسطينية، باستثناء دورها كوسيط هنا وهناك، إلى جانب التقاط الصور التذكارية لممثليها، سمسرةً بمعاناة أبناء المخيم، وفي هذا السياق قال أبو جهاد: ” منظمة التحرير باتت الآن أداة وظيفية، تقدم الخدمات للحفاظ على هيكلها الهش، بغض النظر عما يُرتكب بحق الفلسطينيين من مذابح، وهذا يتعدى دور المُقصر بحق شعب تقول إنها تُمثله، إلى دور السمسار السياسي الجاهز؛ لتقديم الحلول التي تتوافق عليها أطراف الصراع الأقوى، أيًا كانت هذه الأطراف، ومهما كان ثمن تلك الحلول، الآن لم يعد أحد يعول على أي دور إيجابي للمنظمة، ومعظم أبناء المخيم مدركون مدى تورط الأخيرة في مأساتهم، ولا يقتصر هذا التوصيف على المنظمة، بل على مجمل الجسم السياسي الفلسطيني، بما في ذلك من يعدّ نفسه مُقاومًا إسلاميًا، يبدو أننا أصبحنا عبئًا ثقيلًا في ضوء المشاريع المُزمعة، والجميع يريد التخلص من هذا العبء”.

 

أما أبو همام فقال:” السؤال عن مواقف منظمة التحرير أصبح أمرًا عقيمًا؛ لأنها منظمة عقيمة، المنظمة هي شريك في الجريمة الحاصلة بحق مخيم اليرموك، وبقية المخيمات في سورية، المنظمة التي تعدّ نفسها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، تقلصت إلى حدود إدخال بعض المعونات كل ستة أشهر في أحسن الأحوال، كيف يمكن تفسير أن تُرسل المنظمة وزير الشؤون الاجتماعية والعمل؛ للتفاوض حول ملف بحجم مخيم اليرموك؟ هذا دليل لا يقبل الشك في أن قيادة المنظمة لا تعدّ القضية سياسية، وإنما مجرد حاجات إنسانية، هذا، إضافة إلى المعلومات التي لدينا عن مدى تورط وتنسيق الأخيرة مع داعش، عن طريق بعض المجموعات الفلسطينية المحسوبة على المنظمة؛ لتمرير مشاريع يبدو أن قيادتنا مرتاحةً لتنفيذها”.

 

وعن مستقبل المخيم والسيناريوهات المُحتملة، قال أبو همام: ” مستقبل المخيم مفتوح على كل الاحتمالات، ومعظمها سيئ للأسف، في جوهرها ترتكز على تدمير ما تبقى وتهجير من صمد، وقتل من مازال على قيد الحياة، أعتقد أن إنقاذ المخيم يحتاج إلى معجزة، أمام ما يُطرح من مشاريع سياسية باتت القيادة الفلسطينية جزءًا من أدواتها التنفيذية، إضافةً إلى تخلي فصائل المعارضة المسلحة في البلدات المجاورة عن مسؤولياتها تجاه المخيم، ولو توافرت وحدة قرار من الفصائل مجتمعة؛ لما استطاع التنظيم الصمود لأكثر من ساعة، نحن نعمل على تشكيل إطار يضم جميع أبناء المخيم بمختلف انتماءاتهم، ولا سيما من تبقى من الكتائب العسكرية والناشطين المدنيين والإعلاميين، كنواة لتجمع متماسك بإمكانه استعادة المخيم في حال تم التوافق على ذلك بإذن الله، أمر صعب بالتأكيد، ولكن لا بديل من المحاولة، وهذا ما نسعى إليه”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق