تعدّ حركة أحرار الشام أحد أكبر الفصائل العسكرية السورية المعارضة، وواحدةً من القوى المسيطرة على مساحاتٍ واسعةٍ من سورية، والتي تحاول التأسيس نظريًا وعمليًا لمشروعٍ مجتمعيٍّ متكاملٍ، شكلت عسكرة الثورة السورية سياقًا حاملًا لهذا المشروع، وتُعرِّف الحركة نفسها في موقعها الرسمي بأنها “حركةٌ إسلامية إصلاحية تجديدية شاملة، وأحد الفصائل المنضوية والمندمجة ضمن الجبهة الإسلامية، وهي تكوينٌ عسكري، سياسي، اجتماعي، إسلامي شامل، يهدف إلى إسقاط النظام الأسدي في سورية إسقاطًا كاملًا، وبناء دولة إسلامية، تكون السيادة فيها لشرع الله وحده مرجعًا وحاكمًا وموجهًا وناظمًا لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة”.
نشأة الحركة
نشأت حركة أحرار الشام الإسلامية من اندماج أربعة فصائل هي: جماعة الطليعة الإسلامية، حركة الفجر الإسلامية، كتائب الإيمان المقاتلة، إضافة إلى كتائب أحرار الشام، وفق ما أكده حسان عبود الملقب بـ “أبو عبد الله الحموي”، مؤسس الحركة في لقاء سابق مع قناة الجزيرة القطرية، وأضاف الحموي خلال المقابلة: “إن (كتائبَ أحرار الشام)، وهو الاسم الذي اتخذته الحركة عند انطلاقتها، سبقت في نشأتها الجيش الحر، حيث تمَّ تشكيلها في شهر مايو/ أيار عام 2011، ولكنها استمرّت بإعداد خلاياها سرًا حتى لحظة الإعلان عن تشكيل الكتائب نهاية عام 2011”.
نشأت كتائبُ أحرار الشام من اجتماع ما يقارب الثلاثين كتيبة، وازداد عددها ليقارب التسعين كتيبة إثر انضمام عدد من الكتائب والألوية؛ أشهرها لواء الإيمان الذي ينشط في ريفي حماة وإدلب.
تركّز نشاط الحركة في الشمال الغربي لسورية، حيث نشأت في قرى ومدن ريف إدلب، كسراقب ومعرة النعمان وأريحا وجبل الزاوية وتفتناز وجرجناز وجسر الشغور وبنش وسرمدة وغيرها، وسرعان ما توسّعت باتجاه ريف حلب وريف حماة ودير الزور وريف حمص وريف اللاذقية والرقة ودرعا ودمشق وريفها.
أحرار الشام والانتقال السياسي
يقول الباحث أحمد أبو زيد في دراسةٍ صادرةٍ عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بعنوان (أحرار الشام بعد عام طويل): “كان الانتقال السياسي أحد أهداف انتقال كتائب أحرار الشام إلى حركة أحرار الشام الإسلامية، كما كان الانتقال من (مشروع أمة)، وهو الشعار الذي وضع في ميثاق الجبهة الإسلامية، إلى (ثورة شعب)، وهو الشعار الذي أصبح يوضع في إعلام الحركة وبياناتها منذ إعلان الاندماج مع صقور الشام في 22 آذار/ مارس 2015، تعبيرًا عن هذه النقلة الخطابية والواقعية في مشروع الحركة السياسية”.
في حين كان لمقالات مسؤول العلاقات الخارجية في المكتب السياسي للحركة، لبيب النحاس، صدىً واسعًا في الفضاء الجهادي، وأثارت موجات واسعة وعنيفة من ردود الأفعال، لحساب سورية الحركة ومحلية مشروعها، واستعدادها لإقامة علاقات سياسية بما يخدم مصالح الثورة، حيث كان مخاطبة الغرب بدون لغة عدائية أشبه بصدمة لدى الوسط الجهادي، ففي المقال الأول (النتائج القاتلة للتصنيف الخاطئ للثوار في سورية) والذي نُشر في صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 10 تموز/ يوليو 2015، يقول النحاس: “الجماعة التي أنتمي إليها هي مثال جيد، فالاسم يعني (رجال سورية الأحرار) نعدّ أنفسنا جماعةً إسلاميةً سنّية ضمن تيار الأغلبية، يقود هذه الجماعة سوريون يقاتلون من أجل تحقيق العدالة للشعب السوري، ومع ذلك تم اتهامنا كذبًا بوجود علاقة تنظيمية مع (القاعدة) وتبني فكرها”.
أما في المقال الثاني (أنا سوري أقاتل داعش يوميًا… هزيمة داعش ستحتاج من الغرب أكثر من القنابل)، والذي نُشِر في التليغراف البريطانية في 21 تموز/ يوليو، يقول: “نعتقد أن (داعش) لا تُمثّل تهديدًا أمنيًا وعسكريًا فحسب، بل هي ظاهرة اجتماعية فكرية يجب أن يتم مواجهتها على مختلف المستويات، وهذا يتطلب بديلًا سنيًا في سورية، يحل محل النظام و(داعش) في الوقت نفسه. إن حركة أحرار الشام –كفصيل إسلامي سنّي من الأغلبية– له حضور قوي وفعّال في المشهد الثوري، يقوم على هذا البديل، ولكن هذا البديل بالتأكيد لن يكون وفق المعايير الغربية الليبرالية”.
امتازت بعض قيادات أحرار الشام بالقابلية للتطوّر ونقد الذات، وهذا ما جعل الخطّ العامّ لمسار الحركة تطوّريًا، من منظور الثورة السورية، يبتعد أكثر عن السلفية الجهادية، حتى عن النسخة المحلية منها، ليتجه إلى فهمٍ إسلاميٍّ أكثر اعتدالًا، وهو ما عبر عنه مثلًا اعتذار أبو يزن الشاميّ عن سلفيته مخاطبًا أهل الشام “نعتذر لكم لأننا أدخلناكم في معارك (دونكيشوتية)، أنتم في غنى عنها، وأعتذر عن تمايزي عنكم وانغلاقي الفكري، بحجة أنني من السلفية الجهادية”، ويقول: “أنا كنت سلفيًا جهاديًا، وحُبست على هذه التهمة، واليوم أستغفر الله وأتوب إليه”.
هذا التحول في توجهات الحركة، خاصة في ظل الدور الكبير الذي باتت تلعبه على المستوى العسكري والسياسي والخدمي، يُرجّح وجود دور كبير يُحضَّر للحركة في المستقبل، فهناك دول إقليمية بدأت تفكر بشكلٍ جديٍ لدفع الثورة السورية باتجاه إحداث تغييرٍ إسلاميٍّ في سورية، ربما يكون لحركة أحرار الشام الدور الرئيس والمحوري فيه.