تحقيقات وتقارير سياسية

تجدّد المعارك في مدينة الحسكة ورائحة البارود تطغى على الهدنة

للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع في سوريا؛ يدخل الطيران الحربي التابع للنظام السوري غمار المعارك المتجددة في مدينة الحسكة، إلى جانب (قوات الدفاع الوطني) والمقنعين الموالين لها، والمنتشرين في أجزاء محدودة من المدينة الواقعة في أقصى شمال شرق سوريا.

استهدف الطيران الحربي مواقع عسكرية تابعة لـ (الوحدات الكردية)، و(قوات سورية الديمقراطية)، وطال القصف أحياء مدنية أيضاً، ما دفع آلاف السكان والأهالي للنزوح الى المدن والبلدات المجاورة.

وبدأت الاشتباكات ليلة الثلاثاء الماضي، بين (قوات الدفاع الوطني) والمقنعين و(كتائب البعث) الموالية للنظام السوري من جهة، وعناصر (الأسايش) -الشرطة المحلية للإدارة الكردية- و(وحدات الحماية) والقوات الجوهرية المساندة لها من جهة ثانية، على خلفية اعتقال الجهة الأولى عناصر تابعة للثانية.

سقوط قتلى وجرحى

قالت قوات (الأسايش) في بيان نشر الخميس، إن “قوات النظام، وفي تصعيد غير مسبوق من قبل مرتزقته بالحسكة، قامت بعمليات اعتقال تعسفية وترهيب بحق المدنيين والأهالي الآمنين في المدينة”، وأضاف “هاجموا المراكز الأمنية والعسكرية التابعة لقواتنا وقوات حماية المجتمع واستهداف الأحياء الآهلة بالمدنيين”، ونقل بعض الأهالي الذين نزحوا الى بلدة الدرباسية المحاذية للحدود التركية، مشاهداتهم للطائرات الحربية وهي تقصف مواقع عدة في المدينة، بعد تجدد معارك عنيفة بين الجانبين قبل يومين.

وأكدت (الأسايش) أن “التصعيد الأخير جاء على خلفية عدم تمكّن النظام ومرتزقته من إيقاف تقدم قواتنا نحّو المناطق الخاضعة لسيطرته، ليزج بجميع تشكيلاته العسكرية في معركة خاسرة أمام قواتنا”، منوهًا “حتى بلغ الأمر بزج سلاح الجو لأول مرة منذ قرابة خمسة أعوام من الحرب، وجاء ذلك بعد فشله في الوصول إلى مآربه في بسط سيطرته على مدينة الحسكة”.

وذكر شهود عيان سقوط عشرات من القذائف على أحياء مأهولة بالسكان، ونقلت مصادر طبية أن أكثر من عشرة مدنيين سقطوا جراء المعارك، سبعة منهم توفوا في المشفى الوطني بالحسكة بينهم ثلاثة أطفال وامرأة، كما أُسعف مئات الجرحى إلى باقي المشافي حالة بعضهم حرجة.

وأعلنت المشافي والنقاط الطبية في مدن وبلدات القامشلي وعامودا والدرباسية وراس العين استنفارها الكامل، وتوجهت إلى الأهالي بالنداء للتبرع بالدم لإسعاف الجرحى والمصابين من أبناء الحسكة.

تصعيد ووعيد

من جانبها توعدت (الوحدات الكردية)، النظام السوري بردٍ قاسٍ بعدما قصف الأخير مواقع تابعة للوحدات وأحياء سكنية خاضعة لسيطرتها. وقال ريدور خليل المتحدث الرسمي لـ (الوحدات الكردية) لصحيفة (جيرون) إن قواته “لن تسكت على هذه الاعتداءات الوحشية السافرة التي تطال شعبنا، وسنقف بحزم لحمايته، وكل يد تلطخت بدماء شعبنا سيتم محاسبتها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة”، ولفت خليل إلى أنها ليست أول اشتباكات عنيفة تدور بين الطرفين، وقال “لكن النظام لم يُقدِم على استخدام الطيران الحربي سابقًا. لكن استخدمها اليوم وهي المرة الأولى”.

ويعزو خليل قيام النظام بحملته الأخيرة بعد المكاسب التي حققتها (قوات سورية الديمقراطية)، و(الوحدات الكردية) في ريف حلب الشرقي، واستعادة مدينة منبج من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأضاف “من أجل إفراغ حملة تحرير منبج وإفشالها، لذلك يقوم النظام البعثي بهذه الجريمة لأنهم يرون في هزيمة (داعش) هزيمة لهم أيضًا”، وأتهم خليل النظام بأنه “لايزال يأمل في بقاء (داعش) لتنفيذ ما تبقى من مخططاته الدنيئة”، متوعداً “تعتبر هذه الخطوة من قبل النظام بمثابة الاقدام على الانتحار” على حد تعبيره.

وتتركز الاشتباكات في حي مرشو -وسط المدينة- وحي النشوة الغربية في جنوبها، وشارع تل حجر ومنطقة مشيرفة، ولم يتسنى لـ (جيرون) الاتصال بمصدر حكومي للتعليق على الأحداث الدائرة في محافظة الحسكة.

من جانبه، نشر طلال سلو، الناطق الرسمي لـ (قوات سورية الديمقراطية)، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، منشوراً قال فيه “طيران النظام استهدف عدة أماكن بمدينة الحسكة بقصفها بالصواريخ ومن ضمنها مبنى القيادة العامة لقواتنا”، مشيراً إلى أن الأضرار “اقتصرت على الماديات. والرفاق كلهم بصحة جيدة. أرواحنا ليست أغلى من أرواح أهلنا المدنيين. لن أعلق بشيء مبدئيًا. القيادة العامة ستقرر الرد وكيفية الرد”.

هدنة هشة

إلا ان شخصيات ووجهاء من العشائر سارعت إلى تشكيل لجنة مصالحة وتدخّلت لوقف الاقتتال وإعلان هدنة، وبعد مفاوضات ماراثونية، وافق الجانبان على وقف إطلاق النار، وفي تمام الساعة الـرابعة من فجر الخميس دخلت الهدنة حيز التنفيذ، لكن قوات موالية للنظام قامت بقصف عناصر (الأسايش) الكردية بعد ساعة وربع من سريان الاتفاق؛ ما أدى لاندلاع الاشتباكات لتفجر أسوأ موجة قتال وعنف بين الطرفين.

وعلق ريدور خليل على موضوع عقد الهدنة قائلًا “ما يُروّجه النظام من أنه أعلن عن هدنة في الحسكة هي مجرد كذبة كبيرة لإلهاء الرأي العام المحلي والعام، فمازالت مدفعيته الثقيلة تقصف الاحياء بشكل عشوائي على كافة شوارع وازقة المدينة، إضافةً إلى أن عناصره يستخدمون كل ما يملكون من أسلحة ثقيلة ومتوسطة”.

بيد أنّ مصدر مُقرّب من لجنة المصالحة، والذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، أكد لـ (جيرون) أن المعارك تجددت على إثر الخلاف حول السيطرة على حاجز دوار الباسل، ويقع بالمدخل الشرقي لحي النشوة الغربية، وقال “بعد تدخل الوحدات الكردية ومنع سقوط المدينة بيد تنظيم (داعش) صيف العام الماضي، اتفقت قوات النظام والقوات الكردية أن تكون تبعية الحاجز للأكراد، لكن هذا الاتفاق لم يرق لبعض موالي النظام وقاموا بالاعتداء على (الأسايش) لاسترجاع الحاجز، وعلى إثر الحادثة اندلعت المواجهات”.

وكشف المصدر أن “الأوضاع تتدهور سريعًا سيما وأن النظام أدخل الطيران الحربي للمرة الأولى، الأمر الذي يعقد من إيجاد حل او نوع من التسوية بين الطرفين”.

منقسمة السيطرة

منذ صيف العام 2012 تتقاسم (الوحدات الكردية)، وقوات النظام السوري السيطرة على محافظة الحسكة وريفها، وتتداخل مناطق السيطرة ببعضها في عدّة نقاط، إذ تسيطر (الإدارة الكردية) على ثلثي المدينة وريفها الغربي والشرقي والشمالي، وعززت قبضتها على تلك المناطق بعد سيطرتها على جبل عبد العزيز (35 كلم غرب المدينة)، وبلدة الشدادي (جنوباً).

أما النظام السوري، فيسيطر على مربع أمني يضم مبنى المحافظة والأفرع الأمنية والقصر العدلي ومركز المدينة، كما تمتدّ سيطرته على أحياء النشوة الغربية والشرقية والفيلات، وحي الغويران وجزء من حي العزيزية.

يذكر أخيرًا أن سوريا تشهد نزاعًا داميًا منذ خمسة سنوات ونيف. بدأ في شهر آذار/ مارس من العام 2011 بحركة احتجاجات سلمية مناهضة لنظام الحكم وطالبت بإسقاطه، تطورت لاحقًا بسبب عنف النظام وحلّه العسكري إلى حرب متعددة الأطراف، أودت بحياة ما يقرب من نصف مليون شخص، وتسببت بدمار هائل في البنى التحتية، وشردت أكثر من نصف سكان سورية داخل البلاد وخارجها.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق