“سمّم المال السياسي مفاصل كثيرة في الثورة، لكنه لم يستطع أن يكسر الإرادة السورية، ولا أن يخترقها، فكل السوريين يعرفون الحقيقة، ويعون تواطؤ المخابرات الإقليمية والدولية ومصالح أنظمتها، فدول هذه المخابرات تدّعي معاداتها للأسد، لكنها تدعمه وتسانده، مثلًا، عندما أطلق النظام سراح مجموعة من المتطرفين لتنقض عليهم جهات أخرى دعمًا وتمويلًا، فإني أرى أن كل هذه العملية مشبوهة وغرضها يعرفه كل سوري لازال متوازنًا.. وعلى الرغم من كل هذا التقهقر الذي نعيشه، فإن إرادتنا لم تهتز، وإيماننا بمبادئ الثورة باقٍ وزاد تجذرًا”..
هذا ما بدأ به الفنان فارس الحلو، كلامه في حوار خاص مع صحيفة (جيرون):
أكدّ الحلو أن الانقسامات بين فصائل الثوار ممنهجة، وأثّرت سلبًا في الثورة، وسببت تصدعًا في وجهة نظر الناس في كتلتهم ووجودهم، الذي كان بصيص أملٍ لجميع السوريين ثم محل اختلاف كبير، وقال:
“في الفترة المقبلة، لن نستطيع أن نطلق تسمية (شهداء) إلا على المدنيين الذين يقضون قصفًا أو اعتقالًا، والثوار، الذين يقضون على طريق القصر الجمهوري أما الباقي فهم ضحايا الجهل”.
وعن الآثار السلبية لتنصّل قادة الثورة من واجباتهم، في إعلاء صوت الحق، قال الحلو: “في الأيام اللاحقة للثورة، انخفض الصوت الواعي والمثقف المسؤول، وما من جهة تدعمه، سواء ماديًا أم معنويًا، وبات من الواضح أن هناك قوى تمنعه من أن يكون جهورًا، لأنه لا يلائم الإعلام العربي المسطّح، ولا المصالح الإقليمية على الإطلاق، ولا العقول المؤدلجة في الثورة، حتى الآن توجد قناة يتيمة هي كل الإعلام التلفزيوني البديل، لها أخطاء قاتلة، في محاكاتها لأفكار الثورة بوطنية بعيدًا عن أي رؤى شخصية”.
وأكد الحلو، أن الثورة أطلقتها مجموعة “أقليات” من كل فئة، فما من شريحة سورية إلا وخرجت منها أطراف ثورية، متمنيًا أن يندثر هذا المفهوم (الأقليات والأكثريات) لصالح المواطنة، هدف اندلاع الثورة أصلًا، وأردف “لكن للأسف هناك تجمعات محدودة من الأكثرية ذات سلوك ديني، تتصرّف كالأقليات، قوقعة، فردية، توجس من الآخر، وحماية الأقليات حقًا مرهونة بسقوط النظام الجائر الذي يدّعي حمايتها وهو أكبر من استغلها”.
وحول الفن واقصائه عن الثورة، أشار الحلو إلى أنها “إرادة من يريدون طمس الثورة السورية لمحوها من الذاكرة، لذلك تغيب الأعمال الفنية والفكرية عنها، وأنا أتفهم هروب الإعلام العربي من ذكر الثورة السورية النبيلة في إعلامه، لكني لا أتفهم أحدًا من ميسوري الحال الذين يتحدثون باسم الثورة ويتهرب من إنتاج أعمال فنية، وكأن الثورة ليست بحاجة للتعبير عن أفكارها ورؤاها وآلامها وانتصاراتها، وبرأيي أن هؤلاء ثاروا على النظام ليحتلوا مكان (رامي مخلوف)، وفهمهم للثورة لا يتعدى حقهم في أنهم الأولى في الكعكة التي يأكلها مخلوف”.
وأضاف “الإعلام العربي، موقفه مُخجل؛ فهو لا يُقدّم الصورة الشفافة للثورة، والمحطات العربية كلها لا تقبل بعرض عمل ثوري على شاشاتها، بما فيها القنوات التي تدّعي أنظمتها دعم الثورة كالقنوات السعودية والقطرية”.
وعن الفنانين ودروهم القيادي، وأولئك الذين تنصّلوا منه بطريقة مُشينة، لفت الحلو إلى أن “هناك العديد من الفنانين الساقطين والانتهازيين، استطاعوا أن يخدعوا جمهورهم، لكن اندلاع الثورة وضعهم في امتحان أخلاقي شديد الصعوبة، فانكشفوا. لقد احتوى النظام الفنانين ومنحهم امتيازات مرتبطة به ليُسهّل عليه توجيههم وإدارتهم. فانحرفوا عن رسالة الفن الأخلاقية والإنسانية”.
وحول قضية المعتقلين والمظاهرة الكبيرة التي نظمها في باريس (المعتقلون أولًا)، قال “لأن قضية المعتقلين ليست إخبارية، وهي غير نافعة للوسائل الإعلامية، وليس لها حيّز في القنوات التلفزيونية، وكأن هناك تواطؤًا عامًا على ذكرها ومتابعتها، لهذه الأسباب يتوجب علينا كسوريين ناجين من الاعتقال ابتداع الأفكار، لجعلها قضية راهنة وحاضرة على الدوام، لا تنتهي إلا عندما تتحقق العدالة، هدف الثورة الأول والأخير”.
كما أكد على ضرورة الانتباه إلى إيصال الصورة الصحيحة عن المعتقلين إلى المجتمع الغربي، وقال “يجب التمييز بين مراكز الحجز السريّة، وبين السجون المدنية التي تخرج منها فيديوهات الاستعصاء، فهي توحي بأن مراكز الاحتجاز السرية يوجد فيها هاتف نقّال، وإمكانية للتصوير وإرسال الرسائل، وأن المعتقلين والنظام قادرين على إجراء مفاوضات، وهذه صورة مُلتبسة مقصودة، غرضها التعمية عن وضع المعتقلين الخطير في الأقبية”، وأشار إلى ضرورة “إنشاء برامج فنية وثقافية وفكرية، وتنظيم ندوات دائمة، تُقدَّم فيها شهادات المعتقلين لتعريف الناس بالقضية أكثر”، وأضاف “نحن قطعًا لم نعد نثق بالحكومات السياسية وبالأنظمة السياسية الدولية؛ لأننا اكتشفنا أن نظام الأسد جزء من المنظومة الدولية التي لا تقبل بسقوط جزء منها دون صفقات وضيعة، وثقتنا بمنظومات المجتمع المدني فقط. وعلينا التعلّم من أصدقائنا الفلسطينيين الذين يمتلكون خبرات التعامل مع المجتمعات المدنية الأوروبية”.
وشدد الحلو على ضرورة قتل أي شعور بالملل، أو العجز، أو الاستسلام، إزاء أي قضية تخصّ الثورة، وقال “السوريون مبدعون وقادرون على خلق الحلول لمآزقهم، وقضية الاعتقال قضية جامعة لكل السوريين حتى المتنابذين في الأفكار والأيديولوجيات، ويتوجب علينا استثمارها والانطلاق منها، بعد تجلي الانقسامات السورية”.
في هذا السياق، لفت الحلو إلى أن السوريين الموجودين في أوروبا “حاولوا، من خلال حملة (المعتقلون أولًا)، إيصال رسالة إلى المجتمع الغربي، مفادها أن (السبب الأول للجوء هو الخوف من الاعتقال)”، وأردف “هناك موالون يموتون أيضًا تحت التعذيب، يوجد 8000 معتقل في منطقة الجبل والساحل، وهناك معتقلات خارجة عن سيطرة النظام، ولا يستطيع الدخول إليها أو التحكم بها، فهي تابعة لميليشيات حزب الله وإيران”.
وأشار كذلك إلى أن المرأة كانت حاضرة في بداية الثورة، وكان حضورها برأيه “مؤثّرًا، وأعطى الحراك الثوري توازنًا ووزنًا”، وتابع “إن طمس دور المرأة في الإعلام، كان جزءًا أساسيًا من خطة تحطيم الثورة، وحرفها عن هدفها، وعلى المرأة أن تنتفض وتفرض نفسها من جديد، فلا أحد منا يستطيع فرض وجودها، ولكننا نستطيع مساعدتها وهذا حق وواجب علينا”.
ونوّه الفنان السوري إلى أن “العارفين الجيدين من المجتمعات الغربية بقضيتنا، وخاصة الأصدقاء، يروننا كسوريين مقهورين ومحتقنين وقابلين للانفجار، ويجب الحرص منا!!!”، وقال “علينا أن نكبر على جراحنا، ونحاول أن نُظهر صورًا أخرى من شخصيتنا للعالم، الصورة القابلة للحياة والتفاعل والاندماج مع العصر ومع المجتمعات الأخرى، نريد أن نخرج من المعتقل، ونساهم في صنع العصر، لا نقبل أن نكون أذنابًا أو مستهلكين، نحن من صنّاع الحضارة، هكذا كنّا، وسنبقى”.