يُعدّ فلسطينيو سورية؛ الحاضنة الاجتماعية للثورة الفلسطينية المعاصرة، بكل أبعادها الفكرية والمادية والعسكرية، حتى أنه أُطلق على مخيم اليرموك اسم “عاصمة الشتات الفلسطيني”، ويبلغ عدد اللاجئين في سورية نحو 570 ألفًا، بحسب سجلات وكالة الأونروا، يعيشون ضمن 11 مخيمًا موزّعًا على الجغرافيا السورية، وعلى الرغم من الإمكانات البسيطة المتاحة، أصبح للمخيمات أهمية حيوية واقتصادية، توازي أهمية الأسواق العريقة في دمشق، ولا سيما مخيم اليرموك في مدينة دمشق الذي بات مقصدًا تجاريًا، ومع اندلاع الثورة، ولأن فلسطينيي سورية جزء من النسيج السوري، ووقع عليهم ما وقع على إخوانهم السوريين؛ فقد مارس النظام عليهم العنف الوحشي نفسه، فهاجروا شرقًا وغربًا، واستقر جزء كبير منهم في تركيا؛ لنصبح أمام حالة فلسطينية جديدة، ومسمى جديد (فلسطينيو تركيا)، وأغلبيتهم من لاجئي عام 1948.
استقر نحو ثمانية آلاف فلسطيني في تركيا، في أحدث إحصائية بهذا الخصوص، بعدما هُجِّروا إليها عقب أحداث سورية، وما ألقت به تلك الأحداث من ظلال على المخيمات الفلسطينية فيها، يُضاف إليهم عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين جعلوا تركيا محطة عبورهم إلى أوروبا.
يتوزع فلسطينيو تركيا -حاليًا- على العديد من المدن التركية، ويمكن حصرهم في ثلاث مناطق أساسية: الجنوب التركي (كلس، غازي عينتاب وضواحيهما) وتضم 450 عائلة، والقسم الثاني إقليم هاتاي ويضم مدنًا عدة، منها: أنطاكيا، الريحانية، إسكندرون، كرخان، وغيرها من المدن، وتضم 500 عائلة، إضافة إلى مرسين وأضنة في الساحل الجنوبي لتركيا، وفي شمال ووسط البلاد توجد قرابة 560 عائلة، يتوزعون على أنقرة وبورصة وغيرها من المدن، ومدينة اسطنبول التي تعدّ الأكثر كثافة في وجود العائلات الفلسطينية في تركيا، التي عانت آلام الهجرة المتكررة، من نكبة إلى أخرى، تعاقبت على الشعب الفلسطيني تعاقبَ الليل والنهار.
لم يحظ اللاجئ الفلسطيني القادم من سورية بدخول آمن ومريح، وإن حالف الحظ بعضهم، وهم قلة دخلوا عبر المطارات والمعابر الرسمية، لكن كثيرون لم يُحالفهم الحظ، وغالبيتهم العظمى عبرت الحدود بطرق غير شرعية، مُعرِّضة نفسها للوقوع بيد حرس الحدود، والضرب وإرجاعهم من حيث أتوا، وفي أحيان أخرى وضعوا أرواحهم على أكفهم، وتعرضوا لإطلاق نار من حرس الحدود (الجندرمة)، بسبب إصرارهم عل العبور من مناطق خطرة.
الأوضاع القانونية والمعيشية لفلسطينيي تركيا
تستضيف تركيا على أراضيها أعدادًا من الفلسطينيين من حملة جوازات السلطة الفلسطينية، وأغلبهم طلبة جامعيون ورجال أعمال، دخلوا بشكل نظامي إلى تركيا وحصلوا على إقامات، فنالوا بذلك كافة حقوقهم التي يكفلها لهم القانون التركي، وفي شباط/ فبراير 2014، وبجهد طيب من قبل مؤسسات فلسطينية، وبالتعاون مع السفارة الفلسطينية في أنقرة، وافقت الحكومة التركية على منح إقامات إنسانية للاجئين فلسطينيين، دخلوا بطرق غير نظامية، وبلغ عددهم 300 لاجئ.
أغلبية اللاجئين الفلسطينيين الذين دخلوا بطرق غير شرعية، وأعدادهم بالآلاف، عوملوا معاملة اللاجئين السوريين، بشملهم ضمن قانون الحماية الثانوية (الكيملك)، ومازال المنع قائمًا على دخول اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية عبر المعابر البرية، أسوة بإخوانهم السوريين، باستثناء حالات خاصة. وتجدر الإشارة -هنا- إلى أن ما تُقدّمه تركيا، لم يقدمه أي بلد آخر للاجئين، سواء أكانوا فلسطينيين أم سوريين، كخدمات الصحة والتعليم والحماية.
لا تشمل رعاية الأونروا أولئك اللاجئين الفلسطينيين؛ لأن أقاليم العمل التابعة لها لا تشمل تركيا (سورية، قطاع غزة، الضفة الغربية والقدس، الأردن، لبنان)؛ ولهذا، فإن الأوضاع القانونية غير النظامية لوضعهم أفضت -حكمًا- إلى أوضاع معيشية صعبة.
على الرغم من المحاولات الحثيثة لفلسطينيي تركيا؛ للتغلب على الصعوبات المعيشية، نتيجة أوضاعهم غير القانونية وغيرها من الأسباب، جعلت كثيرًا منهم يعيش ما يشبه المأساة، خاصة في المناطق الحدودية مع سورية، كإقليم هاتاي، كلس، غازي عنتاب، ومرسين، وأضنة.
أكثر ما يعانيه اللاجئ الفلسطيني في تركيا، ارتفاع أجور المنازل، وعدم توافر فرص العمل، وندرتها أحيانًا، وإن توفرت الفرصة، فإن واقع العمل يحوي الكثير من الاستغلال، وتدني الأجور، والحرمان من حقوق العمل كالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، وكذلك ساعات العمل الطويلة، وعلى الرغم من الجهود التي تقوم بها الحكومة التركية، من إصدار أذون عمل تكفل حقوق العاملين، إلا أن أغلب العاملين لم يحصلوا عليها؛ بسبب رفض الفكرة من قبل أرباب العمل تقليصًا للمصاريف.
يُعدّ انخفاض الدخل وتدني موارد الأسرة الفلسطينية في تركيا إشكالية حقيقية، تؤثر في كل مناحي الحياة، حيث يبلغ متوسط الدخل الشهري للعامل الفلسطيني 300 دولار، وهو أجر لا يتناسب أبدًا مع المستوى المعيشي في تركيا، وتُعدّ غالبية الأسر الفلسطينية من أصحاب الدخل المحدود، وتعتمد -في تغطية تكاليف الحياة اليومية- على المعونات العينية والمالية، المقدمة من المؤسسات الخيرية الفلسطينية والعربية والتركية.
الجهود المبذولة من فلسطينيي تركيا
حافظ الشعب الفلسطيني -خلال 68 سنة من الهجرة القسرية، على هويته، ورسخ في قلوب وعقول أبنائه حب قضيته والدفاع عنها، وزاد إيمانه بأنه صاحب قضية عادلة، وفي تركيا ،كما في غيرها من الدول، تم إنشاء العديد من المؤسسات الفلسطينية التي تُعنى بالشأن الفلسطيني تحديدًا، وفي سياق هذه المساهمات، سيُعقد مؤتمر جماهيري لفلسطينيي تركيا في الرابع من أيلول/ سبتمبر المقبل، في مدينة إسطنبول، يهدف إلى “جمع أبناء فلسطين في تركيا؛ للنهوض بواقع الفلسطينيين، ولخدمة تطلعاتهم، ولتلبية حاجاتهم القانونية والسياسية والإغاثية، وللتضامن مع قضايا الشعب الفلسطيني في الداخل، في ما يتعلق بانتفاضة القدس، وحصار غزة والأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني، وكذلك حق العودة للاجئين إلى مدنهم وقراهم”.
ويسعى المؤتمر وفقًا لمنظّميه إلى:
- محاولة حل مشكلة الفلسطينيين القادمين من سورية إلى تركيا، التي تتمثل حقيقية في تسوية أوضاعهم القانونية، ليُمنحوا كافة الحقوق المكفولة بالأنظمة والقوانين لحملة الإقامات من حق العمل وغيرها، بما يتناسب مع دور تركيا الحضاري على الصعيد السوري والإقليمي والعالمي، من مد يد العون وتقديم المساعدات للمتضررين والمظلومين في العالم كافة، والذي سيؤدي حكمًا إلى الحد من سلبيات هذا الواقع المهمش، اجتماعيًا واقتصاديًا، ويدفع عجلة التقدم إلى الأمام.
- العمل على دفع الجهات والمؤسسات؛ للقيام بواجبها قولًا وفعلًا، من خلال توحيد الجهد، وترتيب البيت الداخلي، وفتح علاقات جادة ومسؤولة مع الجانب التركي، لمراعاة الخصوصية الفلسطينية على صعيد الدخول والإقامة والعمل.
- تشجيع الجهات الفلسطينية على تحمّل مسؤولياتها، بما يضمن خدمة الشعب الفلسطيني أينما وُجد، وتذكيرهم بحقيقة المشكلة القائمة في ما يتعلق باللاجئ الفلسطيني في تركيا، لتقديم يد العون والمساعدة له.
- دعوة السفارة لفلسطينيي تركيا، لأنْ تتخذ كل ما يلزم، وبذل الجهد المطلوب لتحقيق الحدود الدنيا من حياة كريمة لفلسطينيي تركيا، بوصفها الجهة الرسمية المسؤولة -مباشرة- عن الفلسطيني أينما وُجد وحلّ.
تعليق واحد