ترجمات

غضب تركيا من الغرب: ازدواجيّة الانقلاب

إنّ الأتراك مقتنعون أنّ لأوروبّا والولايات المتّحدة دورًا ما في الانقلاب.

 

20160820_eup004

كلّهم جزء من المؤامرة، أ.ف.ب.

 

شكّلت تبعات محاولة الانقلاب في تركيّا، في 15 تمّوز/ يوليو، أرضًا خصبة لنمو نظريّات المؤامرة، فقد قامت الصحف المؤيّدة للحكومة بالادّعاء أنّ عملاء من وكالة الاستخبارات الأميركيّة “CIA” قد أداروا الانقلاب من جزيرة في بحر مرمرة، وأنّ جنرالًا متقاعدًا أميركيًّا قد منح مليارات الدولارات لجنودٍ أتراك فاسدين، كما قامت الولايات المتّحدة بتوجيه قوّات تركيّة لقتل الرئيس التركي “رجب طيب إردوغان”، وذلك إضافةً إلى وصف صحيفة يوميّة تركيّةٍ، ذات طابع إسلامي، لألمانيا بالدولة المعادية، ورسم مستشارتها “أنجيلا ميركل” بلباس نازي.

كان صعود الشعور المعادي للغرب واسع الانتشار؛ فقد وجد استطلاع للرأي العام أنّ 84 في المئة من الأتراك يؤمنون أنّ مدبّري الانقلاب قد حصلوا على مساعدةٍ من الخارج، كما يشكّ أكثر من 70 في المئة في دورٍ ما، لعبته أميركا فيه.

كما اتّهم السيد إردوغان ووزراء حكومته الغرب بازدواجيّة المعايير، وحذّروا من تراجع خطيرٍ في العلاقات؛ إلّا في حالة تسليم الولايات المتّحدة لـ”فتح الله غولن”، رجل الدّين الإسلامي، المقيم في بنسلفانيا، والذي تلومه تركيّا بإدارة الانقلاب. وفي هذا الصدد، اشتكى مسؤولٌ أميركيّ كبير من أنّ استخدام السيّد “غولن” معيارًا وحيدًا للعلاقات الثنائيّة، يضع العلاقة التركيّة-الأميركيّة في خطر، لكن لا يبدو أنّ السيد إردوغان يعير اهتمامًا لذلك.

يجب على الحكومات الغربيّة أن تلوم نفسها، بعض الشيء، باستثناء الولايات المتّحدة وألمانيا، واللتان كانتا بطيئتين في إدانة محاولة الانقلاب، الأمر الذي غذّى الشكوك في أنهما كانتا تنتظران ما ستؤول إليه الأمور. وردًّا على عمليّات التطهير والإعفاء من الخدمة، التي تمّت في المؤسسات الحكوميّة التركيّة بعد محاولة الانقلاب، حثّ المستشار النمساوي الاتّحاد الأوروبّي على تعليق المحادثات المتعلّقة بعضويّة تركيّا فيه، كما منعت محكمة ألمانيا العليا السيّد إردوغان من مخاطبة تجمّعٍ حاشد، في مدينة كولن الألمانيّة، عبر الفيديو.

إلى تاريخنا هذا، لم يقم أيّ رئيس دولة عضو في الاتّحاد الأوروبّي بالسفر إلى تركيّا لإبداء تعاطفه مع الضحايا. كما تمّ النظر إلى الزيارة التي قام بها نائب الرئيس الأميركيّ “جو بايدن” إلى تركيّا، في 24 آب/ أغسطس، بوصفها قليلة جدًّا ومتأخرة جدًّا، حيث قال “أونال سيفيكوز”، السفير التركي الأسبق في بريطانيا: “كان على الولايات المتّحدة أن تُظهر دعمًا سياسيًّا أقوى، وبوقتٍ أبكر.”

أمّا بالنسبة إلى السياسيّين الأتراك، بمن فيهم أولئك المعارضين لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فهم يتّهمون الغرب بكونه أكثر حدّة وحسمًا، في انتقاده لجواب الحكومة التركيّة على الانقلاب من انتقاده للخراب الذي صاحب تلك المحاولة الانقلابيّة، يعترف بعض الدبلوماسيّين الغربيّين بفشلهم في التعامل بصرامة مع تصاعد العنف، والذي خلّف 270 قتيلًا، ومع الدعم لعمليّات التسريح الواسعة النطاق، حيث قال أحدهم: “لم يكن هناك فهمٌ في أوروبّا بأنّ الأمور قد تكون أسوأ بكثير في حال نجح الانقلاب. أمّ بالنسبة إلى الأتراك، فقد كان ذلك بمثابة اختبار للولاء، وقد فشلت أوروبا ذلك الاختبار.”

لكنّ أوروبّا معها حقّ، في خشيتها في أن يكون قمع مؤيّدي المشتبه به “غولن” قد خرج عن السيطرة، فقد تمّ اعتقال وطرد وتعليق عمل لما يزيد على ثمانين ألف شخص، من بينهم جنود وقضاة ومعلّمين ورجال شرطة ورجال أعمال، وحتّى بعض مسؤولي كرة القدم. كما تمّ اعتقال ما يقارب من المئة صحافي، وتمّ إغلاق ما يزيد على المئة محطّة إعلاميّة، وأُطلق سراح مجرمين عاديّين لإفراغ زنزاناتهم لمعتقلين سياسيّين، ويبدو أنّ الكثير من أولئك الذين تعرّضوا لعمليّات التطهير، لا يملكون إلّا صلاتٍ غير قويّة أو مؤكّدة بأتباع “غولن”. لكن وقعت تلك المخاوف عن القمع على آذانٍ صمّاء، كما كتب “سنان أولغن”، وهو دبلوماسيّ تركيّ أسبق: “لقد تضاءلت قدرة الغرب، تدريجيًّا، على كسب النفوذ في تركيّا، في وقت من الممكن أن يعدّ فيه ذلك النفوذ أكثر أهميّة من أيّ وقتٍ مضى.”

وصل الاستياء الشعبي من الغرب، ومن أتباع “غولن”، مستويات فشل السيد إردوغان في الوصول إليها في السنوات الأخيرة؛ ما أدّى أيضًا إلى اصطفاف الأغلبيّة الكبرى من الأتراك إلى جانبه؛ فمنذ حزيران/يونيو الماضي، قفزت نسبة تأييد الرئيس من 47 في المئة إلى رقم قياسيّ وهو 68 في المئة، كما اجتذب تجمّع شعبيّ دعا إليه وخاطبه السيّد إردوغان، في وقتٍ مبكّر من هذا الشهر، أكثر من مليون شخص، كما حضره قادة اثنين من أكبر أحزاب المعارضة الثلاثة في البلاد، بينما تمّ استبعاد الحزب الكردي عن ذلك الحشد.

وفقًا لرؤية السيّد إردوغان، فإنّ روسيا هي القوّة الخارجيّة الوحيدة، التي قامت بدعم حكومته بشكلٍ كافٍ، وقبل لقائه فلاديمير بوتين في مدينة سان بطرسبورغ في 9 آب/ أغسطس، شكر القائد التركيّ نظيره الروسي لعدم إضاعته الوقت في عرض دعمه، على نقيض القادة الأوروبيّين، حيث أشار السيّد إردوغان، وبكلّ وضوح، إلى ذلك قائلًا: “لم ينتقدني بوتين على عدد الناس الذين تمّ تسريحهم، سواءً من الجيش أم من القطّاع المدني.”

إنّ استحسانًا كذلك، إضافةً إلى إظهار السيّد إردوغان لأسفه على إسقاط طائرةٍ حربيّة روسيّة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كانا بمنزلة الموسيقا الحسنة في أذن السيّد بوتين. لكن، على الرغم من القدر الكبير، الذي يرغب فيه السيّد بوتين في استغلال الشرخ القائم بين تركيّا والغرب، فإنّ لغزله مع السيّد إردوغان حدودًا؛ حيث أنّه من الممكن للسيّد بوتين عرض الدّعم لتركيا في مواجهة أتباع “غولن” في آسيا الوسطى (حيث تدير تلك الحركة شبكة مدارس)، كما يقول “سونر كاغابتاي” من معهد واشنطن، لكنّ سيبقى البلدان منقسمين حول الأزمة العاصفة في سورية، حيث لا يزال البلدان يدعمان أطرافًا متصارعة ومتضادّة في الحرب الأهليّة الدّائرة هناك.

يقول دبلوماسيّ غربيّ: ليس على الناتو أن يخاف الآن من أنّ تبتعد تركيّا عن الحلف، لكن السيّد بوتين سيستمرّ في المحاولة لإدارة تركيّا ضدّ الولايات المتّحدة الاتّحاد الأوروبيّ، مؤكّدًا: “هو باستطاعته أن يلعب تلك اللعبة أفضل من أيّ شخصٍ آخر.”

منذ عقدٍ من الزمن، بدأت حكومة تركيّا، والتي كانت موالية لأوروبّا، بالابتعاد عن الغرب، لكن ذلك الابتعاد أخذ بالتسارع بعد ردة الفعل المتردّدة لأمريكا وأوروبّا على الانقلاب.

 

عنوان المادة الأصلي بالإنكليزية Turkish anger at the West: Duplicity coup
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزيةThe Economist مجلة الإيكونوميست
مصدر المادة أو مكان نشرها الأصليThe Economist
مكان النشر الثاني
تاريخ النشر20\ 8\ 2016
رابط المادةhttp://www.economist.com

/news/europe/21705286-turks-are-convinced-europe-and-america-had-something-do-attempted

اسم المترجم أنس عيسى

 

 

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق