قضايا المجتمع

شكري القوتلي أول رئيس للجمهورية السورية بعد الاستقلال

يُعدّ شكري القوتلي، الذي تنازل عن حكم سورية لصالح دولة الوحدة 1958، واحدًا من أهم دعاة الوحدة الوطنية، ولُقِّب بـ “المواطن العربي الأول”، وهو أول رئيس للجمهورية السورية بعد الاستقلال، عُرف بالاستقامة، ونال احترام وتقدير كل السوريين.

عَمِل مع الكتلة الوطنية وفي الحزب الوطني، وبدأ نشاطه السياسي برفض قرارات الحكم العثماني في بداية القرن الماضي، ودعم الثورة ضد الانتداب الفرنسي، كما شارك في الثورة السورية الكبرى، وحُكِم عليه بالإعدام ثلاث مرات، لكنهُ نجا منه.

 

ولد القوتلي في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1891، وحصل على الشهادة الثانوية في دمشق، والتحق بالكلية الشاهينية (المدرسة الملكية) بالآستانة، وتخرّج منها باختصاص العلوم السياسية، وشارك في تأسيس المنتدى الأدبي الذي ضمّ مجموعة من الشباب العربي المتحمس، وانتسب إلى الجمعية العربية الفتاة، وأدى نشاطه -مع رفاقه- إلى اعتقاله أول مرة من العثمانيين، وأعيد اعتقاله مرة ثانية؛ ليُحكم عليه بالإعدام، لكن عندما قام الملك حسين الأول بالثورة العربية، أُطلق سراح القوتلي، ليقوم بعدها بإنشاء حزب الاستقلال، فكان أول حزب -في تلك الفترة- يحمل على عاتقه مسؤولية توعية الشعب، وتهيئته للنضال ضد المستعمر الفرنسي الذي احتل سورية بعد خروج العثمانين.

 

كثيرة هي المواقف التي تُبرهن على شخصية القوتلي الوطنية، منها اجتماعه مع تشرشل -وزير خارجية بريطانيا- منتصف أربعينيات القرن الماضي، حيث بقي القوتلي مصممًا على عدم الاعتراف بأي حق لفرنسا في سورية، وأعلن عن استعداده لقيادة الثورة بنفسه، إذا لم تنسحب فرنسا من سورية.

كان القوتلي، أحد مؤججي الثورة ضد الفرنسيين، فاعتُقل مرة ثالثة، وحُكم عليه بالإعدام من الفرنسيين؛ ليخرج منفيًا إلى القاهرة، ولعب دورًا بارزًا في تأسيس جامعة الدول العربية، وآمن بالوحدة العربية، وقال: “إن البلاد السورية تأبى أن يرتفع في سمائها لواء يعلو على لوائها، إلا لواء واحد، هو لواء الوحدة العربية”.

 

استلم القوتلي وزارتي المالية والدفاع في حكومة جميل مردم، وانتُخب في آب/ أغسطس 1943، رئيسًا للجمهورية بالإجماع، وانتقلت سورية إلى مرحلة جديدة من الحياة السياسية الوطنية، وكان الحراك السياسي -أيامه- مزدهرًا، وتمحور النشاط السياسي العربي حول مواضيع عديدة أهمها: دعم استقلال سورية التام، أي: جلاء الجيوش الأجنبية عن سورية، والعمل على قضية الوحدة العربية، ومناصرة القضية الفلسطينية.

بقي القوتلي رئيسًا لسورية؛ حتى انقلب على حكمه رئيس أركانه حسني الزعيم، وسجن القوتلي آنذاك في سجن المزة، ثم أُطلق سراحه؛ نتيجة الضغط الشعبي والعربي، ووُضع تحت الإقامة الجبرية، وبعد عودته من مصر، طُلب منه أن يُرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، لكنه اعتذر للشعب، إلا أن نواب البرلمان تمسكوا بترشيحه، وتم الاقتراع السري على منصب رئيس الجمهورية في مجلس النواب، وفاز القوتلي بثلثي الأصوات، وتحقق حلم الوحدة العربية الذي طالما راوده، فقامت الوحدة بين سورية ومصر، وتنازل عن منصبه لصالح جمال عبد الناصر، وأطلق مقولته الشهيرة: “أسلمك شعبًا ثلثاه زعماء، والباقي أنبياء، أعانك الله على قيادته”.

 

أنفق القوتلي ماله الذي ورثه على الحكم، فلم يكن يحصل على راتبه من الدولة، بل كان يقوم بتوزيعه على المحتاجين، في بادرة قل مثيلها، ومات ولم يكن يملك شيئًا. ومن مواقفه في مجال الحرص على المال العام، أنه رفض شراء سيارة رئاسية جديدة للقصر الجمهوري، وفضّل إصلاح السيارة الوحيدة القديمة، كي لا ينفق الكثير من ميزانية الدولة، وفي هذا السياق، قال الكاتب عبد الله فكري الخاني في كتابه (جهاد شكري القوتلي): إن القوتلي استلم حكمه بخزينة دولة فارغة، وكان العسكر دون لباس، فأطلق (أسبوع التسلّح) الذي تبرع فيه الناس بالأموال والذهب، وعمل على إصدار بطاقات خاصة، على شكل إعانات للفقراء لدخول المستشفيات والمدارس، واشترى طائرات لسورية، وجاء بخبراء ألمان ليحصّنوا الجبهة مع إسرائيل.

 

كان لـ “انقلاب” الانفصال الذي انقض على  تجربة الوحدة أثرًا كبيرًا على صحته، وأصيب بالقرحة، فذهب إلى بيروت، واستقر فيها للعلاج، وكان وقع هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967 أليمًا جدًا عليه، إلى أن توفي بعدها في 30 حزيران/ يونيو 1967، ونُقل جثمانه إلى دمشق؛ حيث دفن في مقبرة الباب الصغير في دمشق، لكنّ قيادة انقلاب الثامن من آذار/ مارس البعثية، رفضت إقامة جنازة رسمية له، وبشهادة ابنته التي قالت: “عندما حملنا نعشه لندفنه في دمشق، مَنَعت السلطات -آنذاك- سكان المحافظات السورية من الحضور إليها، كي لا يشاركوا في التشييع، فزحف سكان دمشق إلى الحدود، حيث أبقتنا السلطات نحو أربع ساعات إلى أن سمحت لنا بالدخول”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق