ترجمات

كيف تكذب أميركا أوباما عن التهديد الجهادي

يستمرّ باراك أوباما في تزييفه لحقيقة ما يحدث في الشرق الأوسط، وذلك بالفجور نفسه الذي برّر فيه سلفه عام 2003، غزوه الكارثيّ للعراق؛ حيث يقوم الرئيس الأميركيّ بتسميم عقول العالم بأجمعه حول الحالة الفعلّية للتهديد الجهادي؛ وذلك لتعليل سياسته، التي تتّسم على الرّغم من ذلك بفشلها. فقد كشفت لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب الأميركيّ، مؤخّرًا، عن تضليل ممنهج جرى طوال السنتين الأخيرتين.

أمّا الحملات الانتخابيّة لسباق الرئاسة الانتخابيّة؛ فتعدّ فقيرة فيما يتعلّق بهذا الموضوع، فما بين مبالغات دونالد تنرامب، من جهة، والذي يتّهم أوباما بالمساهمة في تأسيس داعش، وتهرّب الرئيس الحالي من تحمّل مسؤوليّته، من جهةٍ أخرى، والذي يعدّ نفسه واثقًا من حظوظ هيلاري كلينتون في القضاء على داعش.

لذلك، فإنّه ليس من الضار أن نشير إلى أكاذيب إدارة أوباما حول وضع التهديد الجهادي.

 

الكذب حول الخسائر

أكّد الجنرال الأميركيّ “سان ماك فارلاند”، والذي يدير عمليّات التحالف الغربي ضد داعش، مؤخّرًا، أنّ 45.000 مقاتل جهاديّ قد لقوا حتفهم منذ بدء ضربات التحالف الذكور في آب/أغسطس 2014، من بينهم 25.000 قُتلوا منذ أيلول/سبتمبر 2015. لكن ما يثير الدهشة، هو وجود مقاتلين لداعش في سورية والعراق حتّى الآن، على الرّغم من زعم الولايات المتّحدة أنّها قتلت منهم، مع حلفائها، رقمًا أعلى من أكبر التخمينات السابقة لعددهم الإجمالي.

لنتذكّر جميعًا الصيرورة التي أدّت بالإدارة الأميركيّة إلى نفث كذبةٍ كبيرةٍ كتلك التي ظهرت في حزيران/يونيو 2015، حين أعلن الشخص الثاني من على سلّم الأهميّة في السلك الدبلوماسي الأميركيّ “أنطوني بلينكن”، في باريس، أنّه، وفي غضون تسعة أشهر، قد تمّ قتل عشرة آلاف مقاتل على الأقل من داعش، والمسمّاة بالدولة الإسلاميّة، على يد التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة.  أدّى ذلك التأكيد إلى إصابة الخبراء العسكريّين بالدوار، والذين كانوا وقتها يقدّرون عدد القتلى من الجهاديّين بألف قتيل، أو بألف وخمسمائة قتيل على الأكثر. لا بأس في ذلك؛ لأنّ رقم العشرين ألف جهاديّ الذين تمّ قتلهم والمقدّم من واشنطن منذ نهاية صيف 2015، يعني أنّ العدد قد تضاعف في غضون شهرين فقط منذ تاريخ الحصيلة التي قدّمها “بلينكن”!

يظهر الطابع المبالغ فيه لتلك “المعلومات” بشكلٍ أوضح في التباين الشديد في الرقم المُعطى من جانب “ماك فارلاند” عن عدد المقاتلين الحاليّين لداعش في سورية والعراق: بين 15 و30 ألف مقاتل، نقدّر ضبابيّة القائد الأعلى لقوّات التحالف، لكنّ البنتاغون حسب أكثر من 14.000 ضربة للتحالف، ثُلثاها في العراق، هذا ما يقودنا للاستنتاج غير المنطقي أنّ متوسّط عدد القتلى من الجهاديّين في كلّ ضربة جويّة هو ثلاثة جهاديّين. تقول منظمة “الحروب الجويّة” غير الحكوميّة، أنّه قد تمّ قتل 1580 شخصًا مدنيًّا، على الأقل، خلال تلك الضربات.

 

الكذب حول الأولويّات

بدأ أوباما باستخدام قوّاته المسلّحة في العراق في آب/أغسطس 2014، قبل أن يوسّع عمليّاته لتشمل سورية في الشهر الذي تلاه. يتألّف التحالف، نفسه، من: فرنسا وبريطانيا واستراليا وهولندا وكندا، إضافةً إلى بلجيكا والدانمارك، والتي تشارك في العراق فقط، والأردن وتركيا والمملكة العربيّة السعوديّة والبحرين والإمارات العربيّة المتّحدة، والتي تُعدّ مشاركتها، المقتصرة على سورية فحسب، رمزيّة أكثر منها فعليّة.

توظّف الولايات المتّحدة جهدها الأساسي في مكافحة داعش في العراق، ويترأس البعثة العسكريّة الأميركيّة، والمكوّنة من 3830 عسكريًّا، الجنرال “غراي فولسكي”، والذي يكمل مهمّته الخامسة في البلاد. أدّى ذلك التركيز على المسرح العراقيّ إلى نتائج كارثيّة على الصراع ضد داعش في سورية، كنت قد أشرت سابقًا إلى كيفيّة حرمان وحدة عسكريّة سوريّة -على الرغم من تشكيلها وتدريبها من جانب الولايات المتّحدة- من دعمٍ جوّي حاسم في بدايات هذا الصيف، وكان ذلك بسبب تحويل الطائرات كلّها في اتجاه الفلّوجة في العراق.

في إمكاننا، من زاويةٍ أخرى، أن نضع إشارة استفهام عن مدى فعاليّة تلك الاستراتيجيّة “العراق أوّلًا”، وفيما يلي مخطّطًا نشره البنتاغون، ويشير إلى تدمير التحالف لأكثر من خمسمائة دبّابة وعربة مدرّعة لداعش، حتّى تاريخ 31 أيّار/مايو 2016، لكن موالي البغدادي كانوا قد سيطروا على أكثر من 2300 عربة مدرّعة منوّعة، في مدينة الموصل، في حزيران/يونيو 2014، وذلك استنادًا إلى رئيس الوزراء العراقيّ نفسه.  هذا يعني أنّه لم يتم إضعاف ترسانة أسلحة الجهاديّين، إلّا بشكل قليلٍ نسبيًّا، خلال المعارك التي تمّ خوضها.

 

1

 

أخيرًا؛ إن إيلاء العراق الأولويّة على حساب سورية يعني أنّنا لا نفقه شيئًا في ديناميكيّات التجنيد العالمي لداعش، والذي تلعب فيه سورية الدور المحرّك الأساسي، وليس العراق. لذلك؛ حتّى لو قال العالم كلّه بتحرّكه ضدّ داعش، فإنّ “الصعود الجهادي” سيستمرّ قادمًا من القارّات الخمس في اتّجاه سورية؛ كان من الواجب على التحالف إيلاء الأولويّة إلى استهداف الممرّ الذي يسلكه الجهاديّون للمرور من تركيّا إلى الرقّة، لكن، وعلى العكس من ذلك؛ فقد ترك التحالف الثوار المحلّيين، عربًا وسنّةً، من دون دعمٍ خارجيّ، في مواجهة هجمة لداعش لتأمين وتعزيز ذلك الممرّ الاستراتيجيّ (والذي يظهر باللون الأحمر الغامق على خريطة البنتاغون في الأسفل).

 

2

 

الكذب حول التحالفات

إنّ تلك الأكاذيب حول الأولويّات تتطابق مع أكاذيب حول التحالفات؛ فقد اختارت القوّات الخاصّة الأميركيّة، ومنذ وقت طويل، التعاون في سورية مع الفرع المحلّي لحزب العمّال الكردستاني PKK، والذي يخوض، مع ذلك، حربًا مفتوحة مع القوّات التركية منذ ما يقارب العام. شكّلت الوحدات الكرديّة النواة الأساسيّة ورأس التسلسل الهرمي المشغّل لقوّات سورية الديمقراطيّة، والتي ضمّت إليها ميليشيّات عربيّة مُلحقة.

إن سيطرة قوّات سورية الديمقراطيّة على منبج موخّرًا يعدّ نجاحًا، لا جدال فيه، ضدّ داعش. ولكنّ السكّان، عربًا وسنّة، وعلى الرّغم من ارتياحهم، يخشون من استهداف مدينتهم ممّن يسمّونهم “الأكراد”، والذين يتّهمونهم بالقيام بتزويد الطائرات الأميركيّة بإحداثيّات (جي. بي. إس) مغلوطة؛ الأمر الذي يشرح المستوى المرعب للخسائر البشريّة في صفوف المدنيّين. نذكّر هنا بأنّ انتصار الأكراد في تل أبيض، والتي تمّ انتزاعها من داعش في بداية صيف عام 2015، رافقته عمليّات “تطهير عرقي” حقيقيّة ضد السكان غير الأكراد.

في النهاية، تستمرّ واشنطن في تنسيق ضرباتها في سورية مع موسكو، وقد تمّ إعلامها، دون شك، مسبقًا بالضربات التي قد وجّهتها روسيا مؤخّرًا انطلاقًا من الأراضي الإيرانيّة. إنّ اتفاقًا أكثر رسميّةً بين موسكو وواشنطن لا يزال مطروحًا على الطاولة، وفي هذا الصدد، يحذّر عامل في المجال الإنسانيّ، وهو ناشطٌ ميدانيّ في حلب، من الطابع “الشيطانيّ” للضربات المحتملة المشتركة لكلّ من الولايات المتّحدة وروسيا ضدّ شمالي سوريا. نشير إلى أنّ واشنطن قد أعطت، مؤخّرًا، ضمانات لموسكو وذلك عن طريق إجبارها القوى المعارضة للأسد على تعليق هجومها على الشيخ مسكين في محافظة درعا.

سيرث الساكن الجديد للبيت الأبيض وضعًا كارثيًّا في مواجهة داعش، وسيكون لزامًا عليه، أو عليها، قبل التمكّن من وضع سياسة ضد الجهاديّين، تليق بهذا الاسم، والبدء بتنفيذها، الكشف عمّا هو صحيح، وما هو خطأ من تراكم أكاذيب دولةٍ، بمباركةٍ من أوباما. ستكون تلك المهمّة قاسية.

 

 

عنوان المادة الأصلي بالإنكليزية Comment l’Amérique d’Obama ment sur la menace jihadiste
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزيةJean-Pierre Filiu

جان بيير فيليو

مصدر المادة أو مكان نشرها الأصليمدونة جريدة اللوموند

Le monde blog

تاريخ النشر 19 آب/ أغسطس 2016
رابط المادة
اسم المترجمأنس عيسى

Author

مقالات ذات صلة

إغلاق