سورية الآن

تأثير التقارب التركي – الإيراني على الملف السوري

جاءت تصريحات وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، والتي قال فيها: إنه ذهب إلى طهران، بحثًا عن “الجانب الإيجابي” للدور الإيراني في الملف السوري، بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة، في سياق تفاهماتٍ، قيل إنها باتت وثيقة بين روسيا وتركيا وإيران، بالتنسيق مع الأميركيين بشأن التوصل إلى اتفاق حول مضمون مرحلة انتقالية، تنهي الصراع الدائر في سورية، وعزز ذلك التوجه، تصريح آخر لرئيس الوزراء التركي، الاثنين 22 آب/ أغسطس الحالي، أكد فيها أن بلاده تسعى إلى فتح صفحة جديدة مع سورية، مُطالبًا دول الإقليم والولايات المتحدة باتخاذ الخطوة نفسها، وعدم إضاعة المزيد من الوقت، على حد تعبيره.

ربما من المبكر الحديث عن تفاهمات إيرانية – تركية، وتركية – روسية بهذا الشأن، وإن كانت بعض الدلائل تشير إلى ذلك، إذ ترى العديد من وجهات النظر أن كل ما يمكن الحديث عنه الآن هو توافق بين البلدان الثلاثة، عقب لقاء الرئيس التركي بنظيره الروسي في بطرسبرغ، مطلع الشهر الحالي، وأبرز معالمه عدم السماح بإقامة كيان كردي شمالي سورية، وهي مسألة استراتيجية بالنسبة لطهران وأنقرة، عدا ذلك، لا يبدو حتى اللحظة أي مؤشر إلى زوال التباين في المواقف بين دول الإقليم.

المتابع للنشاط الدبلوماسي، ولما يجري على الأرض، يُدرك -ببساطة- أن أحد أهم العوائق التي تحول دون التوصل إلى توافق إقليمي حول حلٍ ممكن للشأن السوري، هو مصير رأس النظام السوري، ففي حين تُصرّ إيران على عدّه جزءًا من الحل، وتشدد على أنه لا يمكن الدخول في مرحلة انتقالية دون وجوده، ويؤيدها في ذلك موسكو، يعدّ العديد من دول الإقليم أن أساس الحل يكمن في رحيل الأسد، وعلى الرغم من أن تركيا أبدت نوعًا من المرونة في هذا الجانب، إلا أن مقربين من الخارجية في أنقرة رأوا أن الأولى لا زالت ترى أن أي حل للقضية السورية يجب أن يبدأ برحيل الأسد، وأن التصريحات الأخيرة للخارجية التركية تأتي في سياق البحث عن تقريب وجهات النظر بين الدول الفاعلة في سورية، يساهم -بشكلٍ أو بآخر- في التوافق على مبادئ مشتركة لحلٍ مرحلي، يُجمد -على الأقل- حالة الاقتتال الدائر في البلاد.

لا تتوقف إشكالات التوصل إلى حل للقضية السورية على الخلافات الإقليمية، بشأن شكل ومضمون ذاك الحل، بل تتعلق أيضًا بـ “كسل” الإدارة الأميركية، وعدم جديتها في المضي قدمًا في هذا الموضوع، وهو ما تدعمه تصريحات السفير الأميركي السابق في دمشق، روبرت فورد، الذي قال: “إن إدارة أوباما تبذل القليل من الجهد، إن لم يكن لا شيء، لتحقيق الإجماع المطلوب لحل القضية السورية، وذلك يعود إلى أن الأولى تُركز جهدها على حرب داعش، وتتناسى أن تلك المعضلة ستبقى دون حل، في حال عدم التوصل إلى حل للمشكلة الأكبر، وهي الحرب الأهلية في سورية”.

وبالتالي، تبقى أي محاولة لإيجاد حل للصراع الدائر في سورية مجرد احتمالاتٍ مفتوحة، أكثر منها إرادة دولية ضاغطة، جاءت عبر توافق القوى الأساسية ذات العلاقة، ولا سيما وأن الأميركيين والروس ما زالوا يتبادلون الأدوار في ملء الفراغ داخل ساحات الصراع المتشظي، والممتد من العراق شرقًا، وحتى ليبيا غربًا، مرورًا باليمن.

اللافت، بعد التصريحات التركية، تصعيد النظام السوري عملياته العسكرية ضد مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، خاصةً في مدينة الحسكة، ما يشي بأن أجنحة عميقة داخل النظام، ومن موقع بنية الأخير الخدمية، أرادت استثمار التقارب التركي – الإيراني؛ لتعيد إنتاج نفسها كجزء من المنظومة الإقليمية، ضمن مسارات حلولٍ مُزمعة، ترتكز على التوافق بين بعض أركان النظام والمعارضة، على أسس عديدة، أبرزها وحدة الأراضي السورية.

على الرغم من كل المعطيات السابقة، وما يمكن أن ينتج عنها من صراعات أو حلول على أرض الميدان في سورية، تذهب معظم وجهات النظر إلى أن أي حل في سورية لا يمكن أن يكون قابلًا للحياة، دون رعاية واشنطن، الغائبة حتى الآن، والمستمرة في ممارسة دور إدارة الأزمات، دون الدخول في تسويات كبرى؛ لإيجاد حلول جذرية، وذلك لأسباب متعددة، تتعلق بالرؤية الأميركية نفسها لطبيعة الحل الممكن، إضافةً إلى رغبتها في إعادة توزيع الأدوار الإقليمية في المنطقة، بناء على التغيرات العميقة التي حدثت في الشرق الأوسط.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق