تحقيقات وتقارير سياسية

حرب بيانات واغتيالات وقصف في ريف حلب الشمالي الشرقي

تشهد مناطق الريف الشمالي الشرقي أحداثًا متسارعة، بعد سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” على مدينة منبج، وطرد “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) منها، والذي تزامن مع سيطرة فصائل الجيش الحر على بلدة الراعي التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم، وهو ما أعطى انطباعًا واضحًا عن أن “التنظيم” قد ينهار عسكريًا في أي لحظة، ويفقد القدرة على مقاومة تمدد “قوات سورية الديمقراطية”، وفصائل الجيش الحر في المناطق التي مازال يسيطر عليها في الريف الشمالي الشرقي من محافظة حلب، خاصة إذا ما حوصر في هذه المنطقة، إن استطاعت “قوات سورية الديمقراطية” قطع طريق إمداده باتجاه أهم معاقله في محافظة الرقة.

 

هذه التطورات الأخيرة دفعت تركيا إلى التحرك سريعًا لوقف تمدد “قوات سورية الديمقراطية” التي تشكل القوات الكردية عمودها الفقري، والتي ترى تركيا أنها تشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي في حال سيطرتها على هذه المناطق الاستراتيجية، خاصة في ظل الدعم الكبير والتغطية الجوية التي تتلقاها من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، عكس فصائل الجيش الحر التي لا تملك هذا الدعم، حيث بدأت تركيا بتقديم الدعم اللوجستي لفصائل الجيش الحر، وتسهيل تنقلها داخل الأراضي التركية، وخاصة بالقرب من مدينة جرابلس التي تعدّ بوابة ريف حلب الشمالي الشرقي، كما جددت المدفعية التركية تمهيدها المدفعي لقوات الجيش الحر، والذي لم يستهدف فقط تجمعات تنظيم داعش، بل استهدفت يوم أمس أكثر من 20 موقعًا لـ “قوات سورية الديمقراطية”، التي حاولت التقدم باتجاه جرابلس، وتزامن هذا التصعيد العسكري مع دعوة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إلى تطهير منطقة الحدود مع سورية من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتأكيده بأن أنقرة ستواصل دعم العمليات في المعركة ضد المتشددين.

 

من جانبه أكد المجلس المحلي لمدينة جرابلس دعمه لفصائل الجيش الحر، وناشد في بيان ألقاه رئيس المجلس، الجيش السوري الحر بجميع فصائله، وخاصة المجلس العسكري من أبناء جرابلس، على العمل من أجل تحرير المنطقة، وتخليص أبنائها من تنظيم (داعش)، كما أكد البيان على التزام المجلس بقيم ومبادئ الثورة كافة، وبحقوق الشعب السوري في نيل حريته وكرامته، ووحدة الأراضي السورية.

 

رد “قوات سورية الديمقراطية” لم يتأخر كثيرًا، فقد أعلنت وقوفها إلى جانب المجلس العسكري في منبج وجرابلس (وهما مجلسان شكلهما الأكراد حديثًا، وليسا المجلسين اللذين شكلتهما الثورة منذ البداية)، ضد ما أسمتها “المساعي التركية الهادفة؛ لفرض نفوذها على مدينة ‏جرابلس، عبر دعم تشكيلات عسكرية، لا تختلف هويتها عن (داعش)”، كما دعت التحالف الدولي للالتزام بتعهداته، وتوفير الحماية الدولية للمنطقة من جراء التحديات الخطِرة التي تنسجها القوى الإقليمية لعرقلة مسار الحرب على الإرهاب، وضرب المشروعات المحلية التي تقودها “القوى الديمقراطية”.

جاء هذا الرد من قبل “قوات سورية الديمقراطية”، بعد بيان المجلس العسكري لمدينة جرابلس وريفها، والتابع لـ “قوات سورية الديمقراطية”، والذي حذر فيه السلطات التركية من مغبة ما أسماها الممارسات العدائية ضد الأراضي السورية ومكوناتها، وخاصة في منطقة جرابلس، وأكد البيان بأن المجلس العسكري لن يقف مكتوف الأيدي إزاء مثل هذه التصرفات العدوانية، على حد وصف البيان.

لم تمض أربع ساعات على البيان الذي ألقاه قائد المجلس العسكري لجرابلس، عبد الستار الجادر، حتى أُعلن عن اغتياله في ناحية الشيوخ الخاضعة لسيطرة القوات الكردية بطلقة قناص، واتهمت فورًا “قوات سورية الديمقراطية” تركيا بالوقوف وراء اغتيال الجادر، مؤكدةً اعتقال شخصين، اتهمتهم بالوقوف وراء الاغتيال، لكن ناشطين في مدينة جرابلس نفوا أي صلة لتركيا بحادث الاغتيال، وأكدوا أن الموضوع لا يعدو عن كونه خلافًا شخصيًّا بين “الجادر” وأحد الأشخاص يدعى “عبد جاسم” من عائلة “الجوبانات” من مدينة جرابلس، خاصة أن الجادر لديه كثير من المشكلات مع أبناء المدينة، وأنه متهم بجريمتي قتل، قبل وإبان الثورة السورية.

 

يُذكر أن المنطقة الخاضعة لسيطرة داعش في ريف حلب الشمالي الشرقي، ذات أغلبية عربية، وبدرجة أقل من المكون التركماني، وهناك وجود قليل جدًا للمكون الكردي، وخاصة في المدن الرئيسة كمنبج وجرابلس والباب، لكن دعوات “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي” لضم هذه المنطقة إلى ما يطلقون عليها “الإدارة الذاتية” أو “الفدرالية”، وبغطاء مما يسمى بـ “قوات سورية الديمقراطية”، ولّد إشكالية كبيرة لباقي مكونات المنطقة؛ ما يجعل المنطقة عرضة للصراعات القومية، وعدم الاستقرار، حتى لو خرج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من المنطقة، خاصة في ظل التناقضات الدولية والإقليمية للدول الفاعلة في سورية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق