تحقيقات وتقارير سياسية

في معارك الحسكة المختلفون حلفاء والضحايا أكراد

شهدت محافظة الحسكة السورية خلال الأيام القليلة الماضية تطورات متسارعة، في ظل تواصل الاشتباكات العنيفة بين “وحدات حماية الشعب” الكردية، وقوات النظام المدعومة بقوات الدفاع الوطني الموالية لها، والتي شكَّل استخدام النظام السوري سلاح الطيران، في قصف مواقع الوحدات الكردية، تصعيدًا غير مسبوق في العلاقة، التي كانت إلى وقت قريب تتسم بالتحالف غير المعلن بين الجانبين، خاصة في ظل توحدهما على أساس عدائهما المشترك لتركيا.

 

منذ انطلاق الثورة، أعاد النظام السوري تفعيل علاقته مع حزب العمال الكردستاني، وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، من خلال تسليم معظم المناطق ذات الأغلبية الكردية، المحاذية لتركيا، لمقاتلي (وحدات حماية الشعب)، التي يتولى مقاتلو قنديل، التابعين لحزب العمال الكردستاني، المراكز القيادية فيها.

 

استمر التنسيق الأمني عاليًا بين الجانبين، فالنظام السوري أراد الرد -بشكل مُستفز- على الحكومة التركية التي وقفت موقفًا مؤيدًا للمعارضة، في حين كانت الحالة فرصة ثمينة بالنسبة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني؛ لالتقاط أنفاسهم، وتجميع قواهم، بعد الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الحزب، خلال حربه ضد القوات الحكومية التركية، وانحسار وجوده في معقله الأخير في جبال قنديل، على الحدود التركية العراقية.

 

يبدو أن العلاقة المصلحية بين الحليفين بدأت تهتز أخيرًا؛ حيث بدأ التصعيد بينهما بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس التركي إلى روسيا، والتي تلتها زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة، وكذلك بعد تصريح رئيس الوزراء التركي الذي تحدث عن دور للأسد في المرحلة الانتقالية؛ ما دفع كثير من المراقبين للحديث عن إمكانية تحسن العلاقة التركية مع النظام مقابل تدمير مشروع أكراد سورية في الإدارة الذاتية أو الفيدرالية أو الانفصال، خاصة أن النظام السوري له سوابق في التعامل مع الملف الكردي، وفق مبدأ المساومة والمتاجرة، للخروج من أزماته الداخلية والخارجية، كما حدث في نهاية القرن الماضي، عندما ضحى نظام الأسد بحليفه عبد الله أوجلان؛ لتهدئة الغضب التركي الذي وصل حد التهديد العسكري.

 

في عام 1998، رضخ حافظ أسد لتهديدات رئيس الوزراء التركية آنذاك، مسعود يلماز، بمهاجمة سورية إن لم يتخل نظامه عن دعم الانفصاليين الأكراد؛ فطرد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من سورية، وسهّل تسليمه -في مرحلة لاحقة- للمخابرات التركية، وتوقف عن استغلال ورقة حزب العمال الكردستاني الذي كان يخوض صراعًا داميًا ضد الدولة التركية، بعد أن كان الأسد قد احتضن معسكرات تدريب حزب العمال في البقاع اللبناني، إبان الوصاية السورية على لبنان، وأمّن إقامة آمنة لعبد الله أوجلان في دمشق، وبحماية مباشرة من المخابرات السورية، في حين كان النظام السوري يُمارس أنواعًا شتى من القمع تجاه المكون الكردي في سورية، من خلال منع قسم كبير من أكراد سورية من الحصول على الجنسية السورية، على مرأى ومسمع عبد الله أوجلان، وأعضاء حزبه الذين كانوا -حتى ذلك الوقت- يحظون برعاية تامة من قبل المخابرات السورية.

 

مع وصول حزب العدالة والتنمية، بزعامة رجب طيب أردوغان عام 2002، إلى السلطة في تركيا، لم يكتف النظام السوري بإقامة علاقات مميزة مع تركيا، بل قمع في 12 آذار/ مارس 2004 ما سُمي -في حينها- بالانتفاضة الكردية في سورية، والتي قتلت -خلالها- قوات الأمن عشرات الأكراد السوريين، واعتقلت المئات في أكبر عملية قمع للأكراد في تاريخ سورية، لكن هذه المجزرة وعلى الرغم من فداحتها، لم تمنع حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يأخذ توجيهاته بشكل مباشر من قيادة الحزب الأم (حزب العمال الكردستاني)، من الوقوف إلى جانب النظام السوري؛ لسبب يدركه أغلبية الأكراد السوريين، ويتعلق بسياسة حزب العمال الكردستاني، التي ترتكز -بالدرجة الأول- على تحقيق مكاسب للحزب في تركيا، على حساب مأساة أكراد سورية.

وفق هذا الفهم لطبيعة العلاقة المصلحية بين الجانبين، يبدو أن تطور المعارك محكوم بالتفاهمات والتوازنات الإقليمية والدولية، والتي يحكمها ميزان الربح والخسارة فحسب، حتى لو كان وقود هذه الحرب هم أكراد سورية، والذي طالما حاول الحليفان استغلال مأساته لتحقيق مكاسبهم الضيقة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق