حاولت المرأة السورية في الأيام الأولى للثورة أن تكون الجناح المسالم لها، فقدّمت بنشاطها المدني أنموذجًا راقيًا عن نفسها ومجتمعها، ومع مرور الوقت وتراكم المسؤوليات عليها، باتت تخرج شيئًا فشيئًا من هذه الحالة، واستجرّتها هموم أكبر من نشاطها السلمي والفكري، وبدأت تدخل في معترك الحياة فخسرت صورتها الأصل.
في هذا السياق أكدّت غادة جمعة، العضو في فرقة (كورال حنين) المُحدثة في ولاية غازي عينتاب التركية، لـ (جيرون) أن “المرأة قادرة على الإبداع في كل الأحوال، وهناك مجالات تتميّز بها يفرضها (جندرها)، وينبغي التركيز عليها ودعمها، وبرهنت المرأة السورية على ذلك عندما نشطت في بداية الثورة في مجالات الموسيقى والفنون، ولكن بسبب الأحوال العصيبة التي تمر بها، انحسر نشاطها وتراجع، فهي اليوم في حالة من الانكماش على الذات، تسعى لكسب الرزق، والعالم والعربي والغربي أيضًا، ترسخت في ذهنه صورة المرأة السورية على أساس أنها ضعيفة دائمًا، وفقيرة، وأرملة، وبحاجة لمساعدات”.
تلعب وسائل الإعلام أيضًا دورًا مؤثرًا في تكريس هذه الصورة، فتركّز على العوز والفقر والحرمان الذي تعانيه السوريات، ولا تحاول أن تصبّ اهتمامها على الجوانب الإبداعية الأخرى التي برعت فيها المرأة، وأثبتت للعالم بأسره أنها قادرة على مواجهة الموت بالكلمة واللحن.
في سياق متصل قال مصعب. ح، وهو صحافي وكاتب سوري: “هناك سياسة إعلامية واضحة تُنفّذ أجندات دولية، هدفها إظهار الجانب المأسوي من واقع الشعب السوري، والتعتيم على الجوانب المضيئة، ليس بالنسبة للأمور التي تخص المرأة فحسب، وإنما في كل الحقول كذلك؛ فنرى في نشرات الأخبار تقارير كثيرة تتحدث عن الموت والقصف والدمار الذي يتعرض له السوريون، أما مشاريعهم البنّاءة وقصص نجاحهم وابداعاتهم؛ فإنها تمر مرور الكرام، والهدف تعويد العالم على هذه الصور، وزرعها في عقله الباطن على أساس أنها طبيعية، وبالتالي عدم استهجانه ظهورها أو حتى التفاعل معها”.
من جهة أخرى قالت “جمعة”: “المرأة السورية بحاجة إلى مساندة ودعم؛ لكي تطوّر إبداعها في كل المجالات، ولا سيما أن أغلبية السوريات كنّ قبل الثورة ربات منزل، لا يعملن، ولا يخرجن من البيت، وغير مسموح لهن بالتعبير عن رغباتهن، أو بالقيام بأي نشاط إبداعي وفكري؛ لذلك، فإن أي شيء صغير يصدر عنهن ناتج عن جهد كبير، ورغبة صارمة في التغيُّر.
إلى ذلك، تلعب المنظمات النسوية التي تُعنى بشؤون المرأة، في الداخل السوري وفي بلدان الجوار، دورًا سلبيًا في إبعاد المرأة عن النشاطات الإبداعية؛ فكل مشروعاتها عبارة عن تمكين في الأعمال، وتعليم مهن؛ لكي تستطيع المرأة أن تعتمد على نفسها، وتعيل أسرتها وأولادها في ظل غياب الزوج، أما المشروعات الأخرى المرتبطة بتحفيز الحالة الفكرية والإبداعية عند المرأة؛ فليس لها أي راعٍ، ومن خلال تواصلنا مع بعض القائمين عليها، تبيّن لنا أن السبب وراء ذلك، هو أن فرص وصول الدعم المالي لمثل هذه المشروعات أكبر بكثير، إضافة إلى افتقار هذه المنظمات لمخططين، يدركون أهمية المشروعات الفكرية والفنية بالنسبة للمرأة، ويقومون بإعداد برامج احترافية عنها لإقناع المموّلين.
في هذا المعنى أكدت “جمعة” أن “محور أعمال المنظمات لا يغيّر من واقع المرأة، فالدخل الجيّد يأتي من عمل جيّد”، وتابعت: “العالم يحتاج للأمل، ويستمع لقصص النجاح والاستمرار أكثر من اصغائه لقصص الموت، ويتأثّر بالقوة والجمال ويدعمهما”.