جاء الإعلان عن تشكيل (تجمع أبناء فلسطين) جنوب دمشق، ليعيد طرح الكثير من الأسئلة المتعلقة بمصير مخيم اليرموك، والفلسطينيين بشكل عام في سورية، ولا سيما وأن الوجود الفلسطيني في هذا البلد باتت تتهدّده أخطار حقيقية، نتيجة إمعان النظام في قصف المخيمات وتدميرها، ومناوبته مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على تهجير سكانها، ما ترك احتمالات استمرار الوجود الفلسطيني في سورية هشةً جدًا؛ وبالتالي، يبقى نجاح أي تشكيل في الحفاظ على الهوية الفلسطينية، والمفهوم السياسي للمخيمات، مرهونًا -إلى حد بعيد- بالاتفاق، داخل القوى المشكلة للتجمع، على إبعاده عن أي تجاذبات وخلافات فصائلية، كان لها -بشكلٍ أو بآخر- دور في ما وصلت إليه الأمور داخل المخيم الأكبر، إضافةً إلى قدرتها على نسج علاقاتٍ ودودة مع محيط المخيم من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وقدرتها على خلق أملٍ ما لما تبقى من فلسطينيي سورية، بواقعية الطرح المتعلق باستعادة المخيمات، وإعادة إعمارها، ليس لإعادة تجديد المنفى، وإنما لإعادة البعد السياسي والوطني للحامل الاجتماعي لقضيتهم، على مدار أكثر من نصف قرن.
التجمع إرادة جمعية للمحافظة على الوجود الفلسطيني
أكد أبو هاني الشموط قائد التجمع لـ (جيرون) أن (تجمع أبناء فلسطين) “جاء استجابةً لرغبة عموم أبناء الشعب الفلسطيني في جنوبي دمشق، وتلبيةً للحاجة الماسة بالتكتل، وبلورة كتلة قياديّة فلسطينية، يقع على عاتقها تأطير وإدارة الجهود والطاقات، ومراعاةً لوضع دقيق وحساس، يمر به الوجود الفلسطيني في سورية عمومًا، و في الجنوب بشكل خاص، فمخيم اليرموك ليس بيد أبنائه، والجهة التي تحكمه حاليًا تنتهج كل الممارسات الكفيلة بتهجير من تبقى، وطمس الهوية الفلسطينية لهذا المخيم، من إفراغ المؤسسات من محتواها أو بُعدها الوطني باستخدام أدوات الترهيب، وكان آخر هذه الممارسات التلويح بإلغاء العملية التعليمية التي حافظت على استقلالها حتى الآن، وإلحاقها بتنظيم الدولة”.
وعن القوى المشكلة لهذا التجمع، قال الشموط: “يضم التجمع شتى أطياف الوجود الفلسطيني العسكري و المدني، ولا يصح بحال من الأحوال إلصاق الصفة العسكرية البحتة به، أو الصفة المدنية وحدها، فهو تجمع منبثق عن طيف يحوي كل المكونات الاجتماعية، وبهذا المعنى هو تجسيد لإرادة التكتل والوحدة بين مختلف مكوناته، وهذه الإرادة هي الضامن الوحيد لنجاح التجمع، ومن جهة أخرى يمكن عدّه رؤيةً جمعيّة تحاول البحث عن حلول للمشكلات التي لا يمكن حلها فرديًا، وهنا لابد من التأكيد أن التجمع لا يلغي دور أي كيان من الكيانات التي شكلته، إنما يضمن بوجوده وجودها، و يسعى لتحقيق المصلحة العامة، البعيدة عن المصالح الشخصية والفردية، ونؤكد بأن التجمع منفتح للتواصل مع جميع الأطراف، بما يضمن المصلحة الوطنية الفلسطينية في جنوبي دمشق”.
بدوره نضال أبو همام، أحد قياديي (كتائب أكناف بيت المقدس)، قال لـ (جيرون): “يهدف التجمع إلى توحيد الصف الفلسطيني بشقيه (المدني والعسكري)، بما يقود نحو تأسيس كيان يمثل الفلسطينيين في المنطقة، بحيث لا ينفرد أحد بقرار ومصير الوجود الفلسطيني جنوبي العاصمة، ونحن نؤكد بأن التجمع هيئة مستقلة عن كل الفصائل الفلسطينية التي تخلت عن مسؤوليتها في حماية الشعب الذي تمثله، ولم يكن هناك أي دور لمنظمة التحرير، أو الفصائل خارجها، بتأسيس التجمع الجديد، وفي اعتقادي هذا هو الضامن الوحيد في تحقيق الأهداف التي وُجد التجمع لأجلها، وبقدر ما يكون بعيدًا عن الفصائل وتجاذباتها وخلافاتها، بقدر ما يكون فاعلًا ومقبولًا من أبناء شعبنا”.
الحديث عن اتفاقات مرتبطة بالمخيم سابق لأوانه
يصعب التعامل مع أي تشكيل ضمن معطيات الواقع الراهن، بعيدًا عن الوقائع السياسية المحيطة بهذا التشكيل أو ذاك؛ بالتالي، فإن التجمع -المولود حديثًا- تتنازع وجوده العديد من المؤشرات السياسية، المرتبطة بطبيعته الفلسطينية، وكذلك المرتبطة بواقع المنطقة التي يعمل داخلها، فجنوبي دمشق اليوم يعاني صراعات متعددة بين مشاريع مختلفة، وتتقاسم فصائل متناحرة في ما بينها السيطرة على أحيائه وبلداته، ففي حين يسيطر تنظيم الدولة على أحياء (مخيم اليرموك والحجر الأسود والعسالي وأجزاء من التضامن)، تسيطر فصائل المعارضة المسلحة على بلدات (يلدا، ببيلا، بيت سحم)، وأجزاء من حي القدم، إضافةً إلى انحسار سيطرة (فتح الشام) النصرة سابقًا عن منطقة ساحة الريجة داخل مخيم اليرموك، وبناءً عليه يبدو أن التجمع جاء حصيلة مجموعة من التوازنات، تُشكل الوضع القائم في مناطق جنوب العاصمة، وما يمكن أن تصل إليه في ظل الحديث المتصاعد عن إعادة تفعيل اتفاق انسحاب تنظيم الدولة من المنطقة، باتجاه معاقله في الرقة، واتفاق مماثل في مراحله الأخيرة، يتعلق بانسحاب فتح الشام إلى إدلب، والحاجة إلى كيان فلسطيني يملأ الفراغ في حال تمت هذه الاتفاقات فعلًا، ويمضي بمشروع المصالحة مع النظام السوري، وهنا قال الشموط: “مما لا شك فيه أن المنطقة الجنوبية عمومًا والمناطق الخاضعة لنفوذ تنظيمي (فتح الشام، والدولة) خصوصًا تطفو على صفيحٍ ساخن، حيث أن المنطقة برمتها تعيش ضمن حالة توازن قلق، والاحتمالات المرتبطة بها مفتوحة، داخليًا وخارجيًا، ومن السابق لأوانه الحديث عن تحييد المخيم أو اتفاقات مصالحة مع النظام، فكيف يمكن الحديث عن اتفاق، أيًا كان شكله، والمخيم ليس بيد أبنائه، وهو محتل من قوى ظلامية، لا تلتزم بالاتفاقات التي من الممكن أن يبرمها التجمع، أو أي مكون من مكونات المخيم”. ولم يختلف أبو همام مع الشموط في هذا التوصيف، وقال: “إنشاء التجمع ليس له علاقة باحتمالات خروج (فتح الشام وداعش) من المنطقة؛ إذ أن كل ما يُشاع في وسائل الإعلام بهذا الشأن، لا يعدو كونه تكهنات؛ بالتالي، التجمع جاء للتصدي للأخطار المحدقة بالوجود الفلسطيني، أما مسألة إبرام الاتفاقات المتعلقة بمصير المخيم ومستقبله، فمن المبكر الخوض في هذا المجال؛ لأن التشكيل مازال حديثًا، ومسألة مستقبل اليرموك ماتزال ضبابية غير واضحة، تحتاج لكثير من العمل والاتصالات على أكثر من صعيد”.
لا علاقة للتوقيت بانقلاب (داعش)
الإعلان عن تشكيل (تجمع أبناء فلسطين)، جاء بعد أيام قليلة على تطورات ميدانية متسارعة، شهدها مخيم اليرموك، حيث أفاد ناشطون من داخل المخيم بأن (انقلابًا) داخل تنظيم الدولة أطاح بأمير التنظيم منذ تأسيسه، المدعو (أبو صياح فرامة)، وعين بدلًا عنه المدعو أبو هشام الخابوري أميرًا جديدًا للتنظيم، موضحة أن العناصر المناصرة الخابوري، أودعت فرامة مع عدد من مرافقيه والمقربين منه في السجن؛ ليتبع هذه التطورات استنفارًا أمنيًا داخل صفوف التنظيم، الأمر الذي عدّه كثيرون مقدمةً لتطورات كثيرة مقبلة إلى مناطق وأحياء جنوبي العاصمة، مرتبطة بشكل أو بآخر بما يحدث في الشمال السوري، وكذلك ما يمكن أن يفرضه دخول النظام مدينة داريا في الريف الغربي، على مجمل الخارطة العسكرية والسياسية في ما يتعلق بمحيط العاصمة دمشق، وهنا قال أبو همام: “لا علاقة لما يحدث داخل بنية تنظيم (داعش)، بتشكيل التجمع الجديد، وأي محاولة للربط هي محاولة منفصلة عن الواقع، ما حدث في التنظيم هو نتيجة خلافات داخل البنية القيادية، لها ارتباطات بالرأس الهرمي للقيادة في الرقة، حيث رشحت معلومات أن أحد إخوة الشرعيين الكبار في الرقة قُتل في جنوب دمشق، على يد المدعو (أبو مجاهد) نائب فرامة، ولكن هناك بعض الدلائل يمكن قراءتها من تعيين الأمير الجديد أبو هشام الخابوري، وهو أحد أبناء حي الحجر الأسود؛ ما يُحدث -ربما- بعض الانفراجات في المستقبل القريب، ويمكّن من إتمام تفاهمات تعثرت سابقًا، وتُريح المنطقة من وجود هذا السرطان، ولكن كل ذلك مازال احتمالات، وننتظر كيف سيتعامل الأمير الجديد مع المحاصرين في ساحة الريجة، ومن هناك يمكن رسم ملامح قاتمة، أو متفائلة نسبيًا بالمقبل”.