قضايا المجتمع

كيف أثّرت سنوات الثورة الخمس على حياة السوريين؟

خمس سنوات ونصف مرت على شنّ النظام السوري وحلفائه حربًا مدمرة على الشعب السوري الذي طالب بالحرية، وبإسقاط النظام الذي يرأسه بشار الأسد، هذه الحرب التي صمت عنها المجتمع الدولي على الرغم من المجازر اليومية التي يرتكبها بحقّ المدنيين، وعلى الرغم من تدخل الميليشيات الطائفية واحتلالها لسورية، لم تتوقف، بل ما زالت أحداثها تتصاعد، خاصة أن النظام يتفنن -كل يوم- بابتداع أساليب للموت والقهر.

 

خلال الحرب السورية، دفع أبناء المناطق التي سيطر عليها مقاتلو الجيش الحر والكتائب الإسلامية ثمنًا باهظًا، على حساب المناطق التي ما تزال تخضع لسيطرة قوات النظام؛ ما أدى لخلق شرخ كبير بين فئات المجتمع، حيث نجد في سورية في البقعة الجغرافية نفسها مجتمعًا أكبر مصائبه الغلاء الفاحش والتجنيد الإلزامي للشباب، وعلى بعد بضعة كيلو مترات من تلك البقعة، نجد مجتمعًا أكبر نعمة له النجاة من الموت بقصف البراميل المتفجرة.

 

لم يحدث صدام مباشر بين الفئتين من السوريين، ذلك أن كل من الطرفين يعلم أنه اليوم مجرد ورقة لا حول لها ولا قوة في يد السياسيين، لكن يمكن ملاحظة الفجوة بينهما على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الـ “فيسبوك”، فبين شاب فرح بنجاة ابنه من الموت، وانتشاله من تحت أنقاض مبنى تعرض للقصف، وشاب آخر فرح بنجاحه بالجامعة، فرق شاسع؛ حتى وإن قربت المسافات بينهما.

 

يعلق يوسف، وهو مقاتل في الجيش الحر في الغوطة الغربية بريف دمشق، على هذا الموضوع، بأن هذه الفجوة الاجتماعية بين السوريين “خلقها النظام السوري متعمّدًا؛ ليزرع الفتنة بيننا، ومتبعًا سياسية (فرّق تسد)”، ثم يشرح كيف ترك دراسته مجبرًا، بعد بداية الثورة السورية 2011، وكيف أنه لم يتمكن بعدها من متابعتها؛ لأنه مهدد بالاعتقال من قبل النظام.

ويضيف يوسف، “أشعر بالألم عندما أتابع أخبار زملائي الذين تخرجوا من الجامعة، ويتابعون حياتهم، سواء الموجود منهم في مناطق سيطرة النظام، أو من سافر إلى الخارج، وأتمنى لو تنته هذه الحرب، وينتهي النظام ومن يُسانده؛ لأتمكن -أنا وبقية رفاقي المحاصرين- من العودة إلى حياتنا الطبيعية”.

 

ويتابع قائلًا: “يعيش أهل الغوطة الغربية، وسائر المناطق المحاصرة في سورية، أحوالًا سيئة جدًّا، ويقتاتون على الفتات بسبب الحصار، ويحاولون -قدر المستطاع- إبعاد شبح الموت عنهم”، ويؤكد: “لقد خرجت أنا ورفاقي لأجل قضية شعب مظلوم، وندفع ثمن دفاعنا عنه، في الوقت الذي تخاذل فيه الجميع عن تقديم أدنى درجات المساعدة، وهو فك الحصار، وإيصال المساعدات لهم”.

 

في سياق آخر، تقول سلمى. ح، وهي طالبة جامعية، نزحت من دوما في الغوطة الشرقية إلى دمشق: “يعيش سكّان دمشق التي يتمركز فيها النظام حياة لا بأس بها، في حين أن دوما ومثيلاتها من المدن التي رفضت الخضوع للنظام، يغزوها كل أنواع الموت من قصف وقتل ودمار واقتتال بين الكتائب المسيطرة عليها”، وتؤكد على أن هذا “ما يريده النظام، أي أن يكره أبناء الشعب بعضهم بعضًا”.

 

وتؤكد سلمى أنها إلى الآن لم تعتد العيش في دمشق؛ بسبب توقيفها دومًا على حواجز الأمن والمخابرات، بعد أن يشاهدوا بطاقتها الشخصية المدون عليها أنها من مدينة دوما “المغضوب عليها”، بحسب تعبيرها، وتوضح بقولها: إن “غلاء المعيشة وفقدان الأمان وأصوات القصف على ريف دمشق، تمنعنا من الشعور بأدنى درجات الراحة والاستقرار”.

 

لكن محمد، ابن حي المزة الدمشقي، الذي يعيش فيه مع أهله، فيقول: إن سكان المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام “يعيشون حياة سيئة، لكن إذا ما قورنت بما يعيشه أهل المناطق المحاصرة، فهي ممتازة، فابن دمشق -اليوم- إنسان يعاني الأمرين، ويُجاهد كل يوم ليحصل على قوت يومه، فضلًا عن كابوس الاعتقال أو السحب إلى الخدمة العسكرية الذي يعيش معه دائمًا”.

 

ويضيف: “أنا لا أبرر تخاذل بعضنا منذ بداية الثورة، لأنني مؤمن لو أننا في ذلك الوقت خرجنا في كل المناطق بيد واحدة، لربما كنا تخلصنا من النظام وظلمه، لكن النظام وضع ثقله وقوته الأمنية والعسكرية في دمشق، وسيطر فيها على كل مفاصل المجتمع”.

 

السكان في مناطق سيطرة قوات النظام يشعرون بالوهن والعجز، إزاء ما يحدث في عموم سورية، فالأحوال المعيشية والأمنية تحاصرهم، والسكان الذين يحاصرهم النظام في مناطق الجيش الحر يريدون لكابوس الموت أن يتوقف، لكن إذا ما شاهدنا وسائل الإعلام الرسمية الناطقة باسم النظام، نجدها تغرد في واد مختلف تمامًا، محاولة تجميل الواقع الأسود، وستر عريّ النظام وأفعاله، كذلك الحال بالنسبة إلى مسلسلات الدراما التي لا تعكس شيئًا من الواقع الذي يعيشه السوريون، المليء بالمصائب والصعاب.

يستمر السوريون اليوم بالمكافحة؛ للتغلب على معاناتهم، ويستمرون في العيش وسط الجنون الذي يحيط بهم، متمسكين بأبسط أسباب الأمل والحياة؛ إذ لم يعد يعنيهم حزن العالم عليهم، أو تجاهلهم لما يعيشونه، فمرور ما يقارب ست سنوات على بدء معاناتهم كافية ليتأكدوا أنه “لا يؤلم الجرح إلا من به ألم”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق