كثير من المفكرين والمحللين ابتلاهم الله بـ (نظرية المؤامرة)؛ تلك النظرية (الخبيثة) التي لا نعرف -نحن العرب- من اخترعها وجعلنا نطبّل ونزمر بها ولها! الغرب ينفي وجودها، نفيًا قاطعًا، ويعدّها صناعة محلية شعبية، ووصفة سحرية للرعاع والعاجزين والضعفاء، الذين يعلقون فشلهم على مشاجب الآخرين؛ حتى أنها أصبحت سبة ووصمة عار على جبين هؤلاء المفكرين.
لا شك في أننا عاجزون ومتخلفون عن الركب، وأن عجزنا ذاتي وموضوعي. كانت لنا حضارتنا وتراثنا، ولعبنا دورًا بارزًا في تاريخ البشرية، وكنا شركاء في صنع الحضارة الإنسانية وتطورها، مثلنا مثل بقية شعوب الأرض، لكننا اليوم مقصّرون، حتى في فهم هذا التاريخ، وإعادة إنتاجه بشكل صائب. كل هذا صحيح، نعم، لكن، ألم يكن للغرب الاستعماري أي دور في تخلفنا؟ ألا يهيمن على قرارنا السياسي ومصيرنا الحضاري منذ عقود طويلة؟ ألم تلعب معاهدة تقسيم وتقاسم البلدان العربية، دورًا كبيرًا في تأسيس الاستبداد والممالك الوراثية، في بلداننا، بعد الثورة العربية الكبرى 1916؟ ألم تسدل تلك الثورة الستار، على حركة النهضة العربية التي بدأت في القرن التاسع عشر.؟ ألم يكن الغرب الاستعماري، سببًا في تقسيم بلادنا إلى ممالك وإمارات ودويلات، استعمرها واحتار كيف يسمي ذلك: انتدابًا أم وصاية أم استشارة…، والهدف الحقيقي: إضعافها ونهب خيراتها؟ أم أن معاهدة سايكس بيكو وسان ريمون وغيرهما، كانت محض افتراءات لا أساس لها؛ وأن هذه الحدود صنعها المفكرون المتأسلمون والقومجيون العرب؟؟
وقبل هذا الثورة العربية الكبرى بقرن –تقريبًا- وبعد بروز “المسألة الشرقية” ألم تكن أوروبا سببًا في إجهاض المشروع النهضوي لمحمد علي، والأمير بشير الشهابي، في مصر وسوريا وفلسطين؟ وبعد ذلك بقرن، ألم يكن الغرب الاستعماري وراء تلك الأنظمة التي “فبركها” خصيصًا، من أجلنا -قبل وبعد رحيله- وما زال يدعمها إلى يومنا هذا؟
ألم يكن “بلفور” هو من منح “وعد بلفور” لليهود؟ ألم يكن الغرب الاستعماري وراء مأساة الشعب الفلسطيني، عندما اقتلع شعبًا كاملًا من أرضه وتاريخه، وزرع مكانه كيانًا، لا ندري حتى اليوم، ماذا نسميه: صهيوني أم عنصري أم ديني أم استعمار استيطاني، أم كل هذه التسميات مجتمعة؟ هل كان مستحيلًا -ومنذ البداية- تعايش اليهود مع المسلمين والمسيحيين العرب، في دولة ديموقراطية واحدة.؟
وبعد ذلك، ألم يكن هذا الغرب وراء كل الانقلابات التي حدثت بعد استقلال الدول العربية، وفي مقدمتها سورية؟ ألم تأت جميع الأنظمة المستبدة إلى السلطة، على ظهر دبابة فرنسية أو إنكليزية أو أميركية أو حتى إسرائيلية؟ ألا يبحثون اليوم، ومنذ خمس سنوات ونصف، عن بديل للنظام في سورية؟ وعمّا يبحثون!؟
وفي دول العالم، ألم تكن المخابرات الأميركية CIA، وراء تركيب أعتى الدكتاتوريات في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.؟ ألم تقضِ الإدارة الأمريكية -أيام الحرب الباردة- على كثير من الحكومات الديموقراطية المنتخبة، وتستبدلها بأنظمة دكتاتورية عسكرية، كما حصل في تشيلي مثلًا!؟ وحق –الفيتو- في مجلس الأمن، ألا يُعدّ دليلًا صارخًا على هيمنة الدول العظمى واستبدادها السياسي والعسكري!؟
هل دافعت، دول “الديموقراطيات” يومًا، عن الحرية وحقوق الإنسان خارج بلدانها؟ ألم تشن وترتكب أبشع الجرائم، ضد الإنسانية، في حروبها السرية الشهيرة، وسياساتها الخارجية المنحازة؟ أم أن حرب فيتنام وكوريا وأفغانستان والعراق، والمجازر المسكوت عنها في أفريقيا الجنوبية وأفريقيا الوسطى، وكل دول ضفاف البحيرات الكبرى، وغيرها من الدول، التي أدت إلى إبادة أعداد مرعبة من الضحايا، تجاوزت عدد قتلى كل الحروب، منذ الحرب العالمية الثانية!؟
وإذا كان كل ذلك افتراء وهروبًا إلى نظرية المؤامرة، فماذا نقول عن قصفت هوريشيما وناكزاكي بالقنبلة الذرية؟ هل كانت بدعة اخترعها اليابانيون أيضًا!؟
لا ننكر الدور التبشيري الذي لعبه الاستعمار، والذي كان هو المستفيد الأول والأخير منه. لكن نظرية المؤامرة -التي اخترعها الغرب- ليست مجرد نظرية ولم تأت من الفراغ، بل هي واقع حي ومرير، عاشته الشعوب العربية وغيرها من الشعوب المضطَهدة من قبل الغرب. وهو واقع تاريخي ومعاصر -لا يمكن إنكاره- مدعّم بالحقائق والوثائق الكثيرة، التي تثبت صحته والذي ما زلنا نعيشه -حتى اليوم- في العراق وسورية وغيرها من الدول العربية…
لقد رأيناكم ماذا فعلتم للعراق وأية (ديموقراطية) فرضتم على شعبها! والآن -ومنذ خمس سنوات ونصف من القتل والتدمير والتشريد والتجويع- نراكم كيف تقفون مكتوفي الأيدي والأرجل؛ معاقين عاجزين تتفرجون وتكاد عيونكم تطفح بالدمع، وأنتم تتحسرون على محرقة الشعب السوري.
بلى، أيها السادة، إنكم تتآمرون علينا؛ ليس على حكامنا (المعادين للإمبريالية والصهيونية و”الاستكبار العالمي”) بل علينا نحن الشعوب التي تُطالب بالتحرر من الاستبدادين: الداخلي والخارجي، وبكل أنواعه وتدرجاته.