سورية الآن

كيري واليمن والحلول المؤجلة

قد تبدو الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، إلى السعودية، يوم الأربعاء في 24 آب/ أغسطس الجاري، على أنها خطوة نحو إيجاد حل لما يجري على الساحة اليمنية، وخاصة أن كيري حمل في حقيبته الديبلوماسية خطة، تتضمن عودة المفاوضات بناء على التوازي في المسارين الأمني والسياسي، وذلك من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية، مع سحب الأسلحة الثقيلة وتراجع الميليشيات على الأرض من المدن، إضافة إلى بعض التفاصيل الأخرى، لكن التحذيرات التي أطلقها كيري نحو طهران بضرورة عدم إرسال صواريخ للحوثيين، من الواضح أنه يود الإشارة فيها إلى الصواريخ التي يطلقها الحوثيون، مستهدفين بعض مناطق السعودية، هذه التحذيرات يمكن رؤيتها من زاوية أن الجميع تعوّد على خطاب أميركي متردد ومتبدّل، وهو ما ميّز فترة حكم أوباما، وخاصة إذا تمت مراجعة التصريحات المتعلقة بملفّات المنطقة كافة، من سورية إلى اليمن، مرورًا بالعراق وغيرها؛ ولذلك من المرجّح أن نتائج الزيارة لن تكون كما بدت أمام الكاميرات على أنها إيجابية.

كيري الذي قاد الديبلوماسية الأميركية في وقت حرج بالنسبة للمنطقة؛ حيث تنزف الشعوب دمًا، بدا دائمًا أنه غير مستعجل على أي حل لأي قضيّة مهما صغُرت، فإذا نظرنا إلى تصريحه في المؤتمر الصحافي، كما ورد في وكالات الأنباء، وقوله: إن “إراقة الدماء في اليمن طالت ويجب إنهاء الحرب”، هذا الكلام ليس سوى إقرار على أن الإرادة لم تكن جاهزة للقيام بدور فاعل في الحل، ثم إشارته إلى أن واشنطن ملتزمة بأمن السعودية، مع تأكيده على أن “المقاربة الجديدة تعطي الحوثيين فرصة؛ للوثوق بالهيكلية الحكومية المقبلة في اليمن”، هذا كلّه يقود إلى أن المبادرة الأميركية تُحاول القفز عما جرى تداوله في الكويت خلال جولات المفاوضات السابقة، أي أن الإدارة الأميركية تُريد مزيدًا من الوقت؛ لتثبيت أمر واقع، وليس السعي لاستعجال الحل كما ورد، وهذه الرسائل الديبلوماسية يُنظر لها في السياسة على أنها موجّهة لإيران، وليست لدول الخليج العربي، على الرغم من أن الزيارة تمت إلى العربية السعودية، أي أن إيران التي تُكافأ أميركيًا بالرسائل الإيجابية، على ما تقوم به في الملف السوري، من خلال عدم فتح ملفات ميليشياتها الموجودة على الأرض السورية، هو تمامًا  ما تريد تطبيقه الديبلوماسية الأميركية على اليمن، وإن بدا بشكله الظاهر تعبيرًا عن الالتزام بأمن السعودية وبقية دول الخليج.

أشار كيري أيضًا إلى أن الحوثيين أقليّة في اليمن، والصواريخ التي يتلقونها هي من دولة خارجيّة، ما يمكن أن يُفهم من هذا الموضوع، هو أن الحوثيين وميليشيا صالح يريدون فرض شروطهم بقوة السلاح، وعلينا دراسة كيفية مراعاتهم بحل وسط، وهذه الشروط بالمحصلة تقود لصاحب الصواريخ التي يهدد بها السعودية واليمن نفسه، أي الرضوخ لشروط التمدد الإيراني على حساب القضايا العربية، وهذا ما تحاول تمريره الولايات المتحدة عن طريق غض النظر عما تفعله أذرعها في كل من اليمن وسورية، وهذا سيقود إلى تثبيت أمر واقع من خلال الجدل السياسي الحاصل حوله، وهو بوضوح يندرج تحت عنوان معاكس لما يجري في سورية، لكن المحصّلة واحدة، أي حماية الأقليات في سورية؛ لتمرير جرائم النظام أو تسييسها، ويُعدّ التصريح بأن على الحوثيين أن يدركوا أنهم أقلية في اليمن، مجرد غمز على أنه يجب حمايتهم، أي يجب أن يكون لهمم رأي يشبه (الفيتو) بتشكيل حكومة يمنيّة، تأخذ مصالحهم في الحسبان، أي مصالح إيران.

من الواضح للمتابع أن الديبلوماسية الأميركية ما زالت تدور في الدائرة نفسها التي تمكّنها من تثبيت مصالح إيران على الأرض على حساب مصالح دول المنطقة، ومن المرجّح أن كلام كيري عن إمكانية أن يُسلّم الحوثيون سلاحهم لطرف ثالث محايد، القصد منه إلى حكومة الوحدة الوطنية التي يريد تشكيلها بحسب الخطة التي اقتُرحت، وتلك الحكومة إن حصلت ستذكّر بحكومات لبنان التي يضع شروطها حزب الله، أي حكومة عاجزة ومكبّلة، ونتائجها شلّت لبنان داخليًا وخارجيًا، وهو ما يبدو أن المبادرة الأميركية تريده من حكومة اليمن المقبلة أي أنها ستكون مكبّلة بإرضاء الحوثيين ومن خلفهم علي عبد الله صالح، كأدوات إيرانية في اليمن.

سيناريو الحل اليمني الذي يسعى كيري ليُشرك الآخرين فيه، من خلال لقائه مع بعض المسؤولين الخليجيين، إضافة إلى المسؤولين السعوديين، يقود إلى استفسار من نوع آخر، يتعلق بمدى استطاعة الولايات المتحدّة تقديم ضمانات تنفيذية لمبادرتها، وفرض أي شكل من أشكال الحل في ظل قرب انتهاء ولاية أوباما، وهنا -حقيقة- قد يكون مربط الفرس في كل العملية السياسية، إذ تبدو زيارة كيري وكأنها حفلة وداعية لدبلوماسية، أثبتت عأنها لم تقدّم في الساحة الدولية غير الابتسامات  أمام الكاميرات، إذ إنها لم تساهم حتى اللحظة بدفع أي قضيّة سياسية أو إنسانية تتعلق بالمنطقة إلى بر الأمان، ولو حتى بادرة صغيرة تتضمن حسن نية.

هذا الأمر ينطبق أيضًا على ما قيل بأن كيري سيُطلع المسؤولين السعوديين والخليجيين عليه خلال زيارته، وهو نتائج مباحثاته مع الروس بشأن سورية، لكن جوابه بالنسبة للمراقبين هو ما نلمسه من صياغة المفردات التي تتقنها تلك الديبلوماسية، وانتقلت منها إلى بقية السياسيين، أي أنه لا يوجد سوى الحل السياسي التفاوضي، هذه العبارة التي نسمعها في اليمن وسورية، يمكن شرحها بأن هناك من يدير الأزمة لغاية أن يصل الجميع إلى تلك القناعة وهم منهكين عاجزين، ويحتاجون إلى رعاية ومرجعية دائمة، وهذه المرجعية بات واضحًا أنها غير متوافرّة الآن في الإدارة الحالية للبيت الأبيض، وهي ستبدأ بفتح جسورها مع تسلّم الإدارة الجديدة، أي أن الحلول في اليمن وسورية، هي ما بعد نهاية فترة أوباما المتبقيّة، فصندوق كيري لا يحوي مبادرات بقدر ما يحوي ابتسامات الوداع لديبلوماسية، أثقلت المنطقة بأكوام من الخطوط الحمر مترافقة بالأمنيات.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق