اقتصاد

الاقتصاد الروسي في المدى المتوسط في تقرير لمعهد (راند) الأميركي

أصدر معهد راند الأميركي منتصف 2016، تقريرًا حول التوقعات متوسطة الأجل للاقتصاد الروسي، والآثار الاقتصادية والمالية المحتملة للوضع الاقتصادي والسياسات الخارجية الحالية لروسيا”Russia’s Medium-Term Economic Prospects”.

 

يعرض التقرير ما حققته روسيا من معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة 1999 – 2008، وكان هذا يعتمد على ارتفاع أسعار النفط بالدرجة الرئيسة؛ حيث ارتفعت قيمة صادرات روسيا من النفط والغاز من 28 مليار دولار أميركي عام 1998، إلى 310 مليار في العام 2008، وقد شكل قطاع النفط والغاز بين 17 و25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، “GDP” الروسي بين 2001 و2011، وساهم بنحو 46 في المئة من الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي بين 1999 و2008، ويمثل الجزء الأكبر من صادرات روسيا. أي أن قطاع “الهايدروكاربون” هو القطاع الأكثر دينامية، والأكثر مساهمة في ناتج الاقتصاد الروسي، وبذلك تشبه روسيا بلدان العالم الثالث باعتمادها على صادرات مواد أولية وخام بالدرجة الرئيسة؛ ومن هنا، فهي تتأثر كثيرًا بأسعار النفط والغاز في السوق العالمي، ويمكن معاقبتها عبر التحكم بهذه الأسعار.

 

بعد أزمة 2008 لم يستطع الاقتصاد الروسي استعادة قوة الدفع التي حظي بها بين 1999 و2008، فقد هبط ناتج روسيا عام 2009 بمعدل 7.9 في المئة، بينما حققت عامي 2010 و2011 نحو 1.7 في المئة فقط، كمعدل نمو في ناتجها.

 

وعلى الرغم من تحسن هذا المعدل بين عامي 2012 و2014، فقد عاد النمو إلى التراجع مع الانخفاض الحاد لأسعار النفط منذ منتصف 2014. وبينما كان معدل نمو مجموع عوامل الإنتاجية بين 2000 و2008 أكثر من 5 في المئة سنويًا، فقد تراجع منذ 2009.

 

وقد هبط وسطي نموه بين 2010 و2014 إلى أقل من 1 في المئة (0.7%). ويشير ضعف الإنتاجية إلى عاملين رئيسين في الاقتصاد: الأول ضعف مستوى التقدم التكنولوجي، والثاني ضعف تنظيم وإدارة الاقتصاد الوطني ومؤسساته.

 

في عام 2015 سقط الاقتصاد الروسي في الركود، ووفقًا للبنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية، فإن الناتج المحلي الإجمالي الروسي، وبعد أن تراجع بمعدل 4.2 في المئة خلال عام 2015.  ويتوقع صندوق النقد الدولي انتعاشًا متواضعًا في عام 2016، متبوعًا بتوقع تحقيق معدل نمو 1.5 في المئة سنويًا على مدى السنوات القليلة المقبلة، أي أقل بكثير من نسبة 6.9 في المئة التي تحققت -وسطيًا- في سنوات الازدهار؛ إذ إن كافة عوامل نمو تلك الفترة قد غابت منذ 2012.

 

لعبت ست عوامل دورًا في ركود الاقتصاد الروسي:

1 – تدهور شروط التجارة والاستهلاك المرتبطة بسعر الصرف الحقيقي (REER).

2 – زيادة تحكم الدولة بالاقتصاد.

3 – الفساد.

4 – بيئة الأعمال التجارية غير الصديقة للاستثمار.

5 – الزيادة في تكلفة رأس المال؛ بسبب العقوبات وغيرها من العوامل.

6 – تقلص أعداد القوى العاملة.

 

انخفض التبادل التجاري لروسيا بنسبة 30 في المئة، وانخفض الاستهلاك العام بنسبة 3.6 في المئة، وانخفض الاستهلاك الحكومي بنسبة 5.2 في المائة، وانخفضت الاستثمارات الثابتة على المدى الطويل بنسبة 8.7 في المئة، وقدر تقرير “راند” أن انخفاضًا في أسعار النفط بنسبة 50 في المئة، سيؤدي إلى تراجع بنسبة 11 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، وتبع الهبوط الحاد في شروط التجارة تدهور في أسعار صرف الروبل الروسي منذ منتصف عام 2014، وقد انخفض سعر الصرف الحقيقي للروبل بنسبة 28 في المئة، بدءًا من منتصف عام 2015.

 

على الرغم من تحسن موقع روسيا في تقرير ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، من الموقع 120 عام 2012 إلى الموقع 51 عام 2015، وذلك نتيجة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الروسية؛ لتحسن مناخ الأعمال، فقد ارتفعت معدلات الفائدة على القروض، وتراجعت الاستثمارات، بينما ارتفعت معدلات هروب الرساميل من روسيا، وتحولت روسيا إلى مصدر صاف للرساميل.

 

مازالت روسيا تعاني من معدلات مرتفعة من الفساد، فمنذ ارتفاع معدلاته في تسعينيات القرن الماضي عبر عمليات “الخصخصة” وبيع (نهب) مؤسسات الدولة، لم تستطع السلطة الروسية خفض معدلات الفساد في روسيا؛ وبالتالي، فهو أحد العوامل الطاردة للاستثمارات، وبقيت روسيا تحتل موقعًا متدنيًا في تقرير الشفافية العالمي، فقد احتلت الموقع 121 بين 163 دولة في تقرير الشفافية لعام 2006، وبقي معدلها عند المرتبة 119 بين 168 دولة في تقرير 2015، وهي الدولة الأوروبية الأكثر فسادًا بعد أكرانيا.

 

أبرز التقرير المشكلة الهيكلية التي تعاني منها روسيا في العقود المقبلة وهي استمرار تقلص أعداد من هم في سن العمل، بين أعمار 20 و65 سنة، وستتراجع هذه الفئة العمرية بين عامي 2012 و2025 بمعدل 12 في المئة، وسيعني هذا انخفاضًا في معدل نمو الناتج بمقدار 7 في المئة، مقارنة بما لو بقيت قوة العمل الروسية ثابتة.

 

يناقش التقرير ستة عوامل تحتاجها روسيا لرفع معدلات نموها الاقتصادي، والتي يمكن أن تصل بمجملها، في حال تحققها، إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.4 في المئة:

1 – أسعار أعلى للنفط والغاز الطبيعي في السوق العالمية؛ ما يؤدي إلى تحسن في تبادل روسيا التجاري، إلى جانب انتعاش سعر الصرف الحقيقي (REER).

2 – تسارع في معدل النمو الفعلي؛ نتيجة انتهاء سياسة بوتين في إعادة التأميم، وإلى تجديد الجهد الحثيث لخصخصة المؤسسات المملوكة من الدولة، أو التي تسيطر عليها الدولة.

3 – زيادة في الناتج نتيجة لتقليص الفساد،

4 – زيادة في معدل النمو الاقتصادي؛ نتيجة زيادة الاستثمارات الناجمة عن رفع الحصار.

5 – تسارع في معدل النمو الاقتصادي نتيجة؛ تحسن مناخ الأعمال.

6 – اعتدال في انخفاض قوة العمل بسبب ارتفاع أعلى من المتوقع في صافي الهجرة.

يردّ التقرير أسباب تراجع النمو الاقتصادي في روسيا إلى السياسة الخارجية الروسية، والى تدخل الدولة الكبيرة في الاقتصاد؛ فمنذ 2003 لجأت حكومة بوتين إلى إعادة تأميم عدد من الشركات الروسية الكبرى، في قطاعات النقل والبنوك و”الهايدروكاربون” والمرافق، وصناعة المكنات والهندسة والاتصالات، بحيث بات القطاع العام الاقتصادي والإداري يساهم بنحو 50 في المئة من الناتج المحلي، عام 2012، وهي إحدى أدوات بوتين لتمكين سيطرته المستمرة على السلطة.

 

يتوقع تقرير راند أنه بدون تغييرات رئيسية في السياسات، فإن الاقتصاد الروسي سوف ينمو ببطء في الأجل المتوسط، حتى لو انتعشت أسعار السوق العالمية بحدة مع نهاية العقد. ويختتم التقرير بأنه من غير المرجح أن تقوم الحكومة الروسية بجميع، أو في الواقع، بأي من هذه التغييرات في السياسات، أي إن التقرير لا يتوقع انتعاش الاقتصاد الروسي في الأمد المنظور، ويحمل المسؤولية للنهج الحالي لحكومة روسيا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق