تحقيقات وتقارير سياسية

تركيا تفاجئ موسكو وتُربك واشنطن وتذهل لندن

يحاول بعض المحللين تصوير العملية العسكرية التركية في سورية، بأنها خطوة ضمن الأسيقة الأميركية والروسية، لإظهار تركيا كدولة عاجزة تتحرك بـ “الريموت كنترول” من هذا الطرف أو ذاك؛ وبالتالي، فهي غير قادرة على الدفاع عن مصالحها الحيوية في سورية، التي تأكلها نيران حرب الأسد الدامية، لكن وجهات نظر روسية وأميركية وبريطانية تختلف مع هذه الآراء، وترى أن حجم التدخل العسكري فاجأ موسكو، وأربك واشنطن، وأذهل لندن، وأن أنقرة أجبرت الجميع على الاعتراف بمصالحها في سورية، بل وباتت تتحدث عن حق تركيا في الدفاع عن هذه المصالح، وأنها نجحت باستخدام لهيب المعارك في سورية؛ للقيام بتسويات لخلافاتها مع موسكو وواشنطن.

من جهتها، وصفت صحيفة (كوميرسانات) الروسية، عملية “درع الفرات” التركية في سورية، بأنها “مفاجأة غير سارة” لموسكو، وأنها تهدد العلاقات بين البلدين. وعدّ العملية العسكرية لتركيا في سورية بمنزلة اختبار جديد لقدرة العلاقات على الصمود وعدم عودتها للتردي من جديد.

ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري روسي تأكيده بأن روسيا كانت تعرف بالتحرك العسكري قبل أن يقع، لكنها لم تتوقع أن يكون بهذا الحجم، وقال إن موسكو على قناعة بأن في الأمر هدفًا تركيًا خاصًا، خاصة أن قوة أصغر بكثير من التي تدخّلت، كانت قادرة على استرجاع مدينة جرابلس من تنظيم الدولة الإسلامية، كما ربطت الصحيفة بين زيارة نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى تركيا وإطلاق عملية “درع الفرات”.

وفي الولايات المتحدة، رأت صحيفة (واشنطن بوست) أنّ التدخّل العسكري التركي في سورية هو خلط لأوراق الولايات المتحدة، التي تدعم جماعات كردية، مشيرة إلى أنّ الأنظار حول المعارك على الأرض ستتوجه نحو مدينة منبج في ريف حلب، وأكّدت أنّ منبج تحولت إلى نقطة محورية للأطراف التي تُشارك في المعارك، وهي تعني (قوات سورية الديمقراطية)، وتنظيم الدولة الإسلامية، والجيش الحر، وبالطبع قوات النظام وروسيا من خلفها.

بعد يوم من عبور دبابات تركية تحت قيادة وحدات القوات الخاصة، المدعومة من الولايات المتحدة وبغطاء جوي تركي، ومساعدة المقاتلين السوريين للسيطرة على مدينة جرابلس، أي الجمعة الماضي، قال مقاتلون سوريون وتركمان، مدعومون من الولايات المتحدة وتركيا، إنّ الأكراد مازالوا يسيطرون على منبج، في وقت قصفت فيه تركيا أهدافًا على بعد 25 ميلًا من جرابلس، لاقتناع أنقرة بأنّ الأكراد “لم يفوا” بوعدهم الانسحاب من البلدة. ونفذت تركيا ضربات على الوحدات الكردية قرب منبج، في وقت تدعم والولايات المتحدة، مقاتلين سوريين حلفاء للأكراد قرب جرابلس.

ونقلت الصحيفة عن أحمد عثمان، قائد قوة التركمان في الجيش السوري الحر، المدعومة من الولايات المتحدة، قوله: “إنّنا ننتظر ما إذا كان الأكراد سيعودون أدراجهم إلى شرق نهر الفرات، وإلّا سنجبرهم على ذلك بالقوة”. في المقابل، يقول المتحدث باسم قوات سورية الديمقراطية، شيرفان درويش، للصحيفة: “سندافع عن أنفسنا”، مضيفًا أنّ “المقاتلين السوريين موجودون هنا لتنفيذ أجندة تركيا، لا أهداف الثورة السورية”، وتنقل عن القائد في الجيش السوري الحر، أبو إبراهيم، قوله: “إننا نحاول منع أي عدو من التقدّم. ونعني بالعدو داعش ووحدات الشعب الكردية”، مضيفًا أنّ “الجميع يعلم ما يقوم به داعش، لكن وحدات حماية الشعب الكردية تسعى إلى تقسيم سورية.. وهو أمر لن نقبل به”.

وتنقل الصحيفة عن مسؤول عسكري أميركي، أنّ مقاتلي قوات سورية الديمقراطية “قاتلوا طويلًا للسيطرة على منبج”، مقللًا من أهمية الحديث عن التوتر بين هؤلاء والمقاتلين العرب، موضحًا أن الولايات المتحدة “تعمل على نزع فتيل التوتر، عبر تذكير الجميع بأن المشكلة الوحيدة هنا هي داعش”.

وتلفت إلى أن دعم البنتاغون لـ (قوات سورية الديمقراطية)، المدعومة من (وحدات حماية الشعب) الكردية، كان خطوة مزعجة لتركيا. ومن هنا يرى مراقبون أنّ أحد أهداف عملية “درع الفرات” التي بدأتها تركيا، هو منع الأكراد من السيطرة على مساحات في سورية، تجنبًا لأي كيان كردي يقوده حزب العمال الكردستاني على حدودها.

إلى ذلك، تتساءل صحيفة الـ (دايلي تلغراف) البريطانية “هل هناك ما يدعو إلى الأمل فيما يتعلق بالحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”؟ وتجيب قائلة إن الأمر يحتمل نعم ولا.

وتقول في افتتاحية بعنوان (نصر مكلف) “إن الجيد في الأمر هو أن التحالف الإقليمي الذي كانت الحرب ضد التنظيم في حاجة إليه تم تشكيله، حيث تمكنت القوات التركية ومقاتلون سوريون من استعادة بلدة جرابلس التي كان تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر عليها، مدعومة بغطاء جوي أميركي وتركي”.

وتستدرك الصحيفة، أن كل تطور في الحرب الأهلية في سورية “يخلق تحديات جديدة، فتركيا تتقدم في جرابلس وهدفها الجزئي -على الأقل- إقامة منطقة نفوذ لها قبل وصول الأكراد إلى هناك، وطلبت الآن انسحاب الأكراد إلى شرق نهر الفرات خلال أسبوع”. وتضيف “إن سبب تخوف تركيا من الأكراد هو الحركة الانفصالية الكردية، حيث قتل آلاف الأتراك في أعمال عنف دامية”.

وتقول إن سورية “مكان يلتقي فيه أصحاب الخلافات التي لا يمكن تسويتها، وسط لهيب المعارك، فتركيا لا تطيق نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ونظام الأسد لا يطيق تركيا، ولكن على الرغم من الخلاف تقول تركيا: إن الأسد قد يكون له دور في مرحلة التحول السياسي في سورية”، وتتابع: “إن الكثير من الأطراف المتنازعة في سورية تقبلت -الآن- أن الرجل المسؤول بشكل أساسي عن الأحداث المروعة في سورية من المرجح أنه سيبقى في السلطة لوقت طويل”، وتختم: “من الجيد أن نرى أدلة على تقهقر تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولكن من غير المشجع أن نتخيل صعوبة رسم خريطة سورية ما بعد الحرب، والمواءمات الأخلاقية التي قد يتطلبها ذلك”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق