تشهد مناطق ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي تطورات ميدانية متسارعة، في ظل التقدم الكبير الذي تحرزه فصائل الجيش الحر المشاركة في عمليات (درع الفرات)، المدعومة من الطيران والمدفعية التركية على جبهتي القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وضد “قوات سورية الديمقراطية”، وقد استطاعت قوات الجيش الحر تحرير أكثر من خمس عشرة قرية منذ الأحد الماضي، في ظل استمرار الحملة العسكرية، الهادفة إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من المناطق الحدودية المشتركة مع تركيا كمرحلة أولى، وطرد مقاتلي “قوات سورية الديمقراطية” الموجودة غرب نهر الفرات.
وتتجه الأنظار مجددًا إلى مدينة منبج، أكبر مدن الريف الحلبي، والخاضعة لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية”، نظرًا لما تعنيه السيطرة على هذه المدينة من أهمية استراتيجية، قد تُحدد مسار المعارك فيها، وعمق المنطقة الآمنة التي تنوي تركيا إقامتها على الحدود السورية – التركية، وفي الوقت نفسه، تُشكل بداية النهاية لحلم “وحدات حماية الشعب الكردية” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في السيطرة على الشريط الحدودي مع تركيا، وربط “كانتوني”: عين العرب وعفرين.
ميدانيًا، أفاد ناشطون بأن قوات الجيش الحر باتت على بعد أقل من 12 كم جنوب مدينة منبج، وبالتحديد على تخوم قرية (عون الدادات)، على الطريق الواصلة بين مدينتي جرابلس ومنبج، وهو ما يعني أن المعركة باتت قريبة جدًا من المدينة، ومع اقتراب المعارك منها بدأت حرب بيانات بين الطرفين، يدعي فيها كل منهما تمثيله لأبناء المدينة، حيث زعمت “قوات سورية الديمقراطية” و”مجلسي جرابلس ومنبج” العسكريين التابعين لها، دخول قوات تركية لمساندة الجيش الحر احتلالًا، بينما أصدرت الهيئة السياسية في مدينة منبج والفصائل المقاتلة المشاركة في السيطرة على جرابلس، بيانًا طالبوا فيه كل الفصائل التي انضوت تحت قيادة “قوات سورية الديمقراطية” إلى قطع كل الصلات مع المشاريع الانفصالية، واتّهموا القوات الكردية بأنها رديف لمشروع (داعش) الإرهابي.
وفي تصريح لـ (جيرون) قال حسن النيفي، رئيس الهيئة السياسية في منبج: “إن البيان جاء بالتنسيق مع الفصائل المشاركة في معركة تحرير جرابلس، ويهدف إلى توجيه نداء لكل من انخرط في قوات سورية الديمقراطية، ولنقول لهم: إننا قادمون، وأنتم تبقون أبناء البلد ونحن أهلكم، وإن كنتم تريدون الخير لبلدنا، تخلّوا عن ارتباطكم بـ (قوات سورية الديمقراطية)، وأعلنوا براءتكم من حزب الاتحاد الديمقراطي، وعندها لن تجدوا منا إلا كل خير، وستكونون مساهمين في صنع القرار، فلا نيّة لنا الانتقام أو القيام بممارسات ثأرية، كما أن الباب مفتوح لكم للانضمام إلى إخوانكم الثوار تحت لواء الثورة السورية”، وأضاف: “إن الهدف الثاني للبيان، طمأنة أهالي منبج عمومًا، والتأكيد على أننا لم نأتي لإشعال الفتنة أو الحرب، فنحن ندعو للتعايش بين كل المكونات، فلا تستمعوا إلى الأقاويل التي يحاول أن يروجها بعضهم بأن الجيش الحر قادم؛ لينتقم أو يسلك سلوكًا ثأريًا”.
أما بخصوص الموقف مما يسمى “المجلس العسكري لمدينة منبج” التابع لـ (الوحدات الكردية)، أوضح النيفي بأن الهيئة السياسية “لا يعنيها -من قريب أو من بعيد- ما يُصرّح به من يدعي بأنه المجلس العسكري لمدينة منبج، الذي يضم بعض العناصر ينتمون للمكون الكردي والعربي، ولا يمثلون الجيش الحر، ولا الطيف السكاني للمدينة، وإنما هم أناس استخدمهم حزب الاتحاد الديمقراطي للتصدير الإعلامي؛ ليقول للمجتمع الدولي انظروا لدينا مجلس عسكري من كل مكونات المدينة، وقد طالبناهم سابقًا بعدم الانخراط في هذا المشروع التقسيمي، وقلنا لهم بأنكم تتحملون مسؤولية أنفسكم، وحذرناهم من هذه المسألة، لكنهم لم يراعوا هذه التحذيرات”.
وحول طبيعة العلاقة بينهم وبين تركيا، قال النيفي: “إنها مبنيّة على المصالح المتبادلة، ونحن نؤمن بأن هناك مشروعين في المنطقة، الأول تدعمه تركيا، وهو مبني على عدم السماح بإقامة كيان كردي على الحدود التركية، وهو يتقاطع مع مصلحة الثوار بعدم تقسيم سورية، أما المشروع الثاني، فهو مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يسعى لتكريس الانفصال، من خلال احتلال الشريط الحدودي، وهو ما نحاول مقاومته”.
أما فيما يتعلق بمشروعية الهيئة السياسية، فقد أكد النيفي بأن الفصائل العسكرية الأساسية في منبج “خوّلت المجلس، وفوّضته بالحديث عنها، وعن مدينة منبج، وأن تعمل مع كل الجهات الإقليمية والدولية، من خلال تمثيل الفصائل العسكرية والمجلس المحلي أمام هذه الجهات”.
يُذكر أن مدينة منبج خاضعة -الآن- لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية”، بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقامت هذه القوات بفرض مجلس عسكري ومدني؛ لإدارة شؤون المدينة، والتي يشكل العرب نسبة تزيد على 90 بالمئة من مجمل مكوناتها، وهو ما شكّل عامل عدم استقرار، بسبب ارتباط القوات الكردية بحزب الاتحاد الديمقراطي ومشروع “الإدارة الذاتية” الذي يتبناه و”فيدراليته”، التي تقول عنها المعارضة السورية، وقوى المعارضة المُسلّحة بأنها مشروع تقسيمي لسورية، يهدف إلى إقامة “غربي كردستان” المزعومة، وتتهم الحزب بوجود علاقة وثيقة مع النظام السوري الذي يشن حربًا -منذ أكثر من خمس سنوات- ضد الشعب.