ولدي الحبيب
من بُعد بعيد، وشوق ما عليه من مزيد، سلام سليم، أرق من النسيم، يغدو ويروح، من قلب مجروح، إلى حبيب الروح. بعد السلام عليكم، والسؤال عن شريف خاطركم، كيف أنتم وكيف أحوالكم، عساكم في تمام الصحة والعافية التي أرغبها لكم كما أرغبها لنفسي.
وإذا جاز حسن سؤالكم عنا، لله الحمد ساعة تاريخه؛ الجميع بألف خير يهدونكم السلام، أخوك ماجد استشهد قبل شهرين، والحمد لله؛ حملوه إلينا ملفوفًا بالعلم الوطني، “تبع النجمتين”، وحوله مجموعة من رفاقه الأشاوس، أقاموا له عرسًا وطنيًا؛ غنوا ودبكوا وزغردوا، وأطلقوا الرصاص على روحه الطاهرة.
وجاء المحافظ وأمين الفرع، وقدموا لنا التهنئة باستشهاده، وأشادوا ببطولته في مواجهة الإرهاب، ولم نتمكن من إخباركم؛ لضيق الوقت، وانشغالنا بالبحث عن بيت للإيجار، بعد أن أصابت إحدى القذائف الصاروخية بيتنا، وصار كومة من الأحجار، لكن الله لطف، لم يكن في البيت غير والدتك المسكينة، التي كانت تنوح على أخيك مجدي، بعد أن قُتل برصاص قناص، حينما ذهب ليقدم المادة الأخيرة في الجامعة، والتي يقف عليها تخرجه، وبعد موته بمدة، صدرت النتائج ونجح والحمد لله؛ وقد دفنا المرحومة والدتك بجانب ماجد ومجدي، فلا تحمل همها أبدًا. أخبرك بذلك؛ كي تطمئن عن أحوالنا. وها نحن الآن نبحث -مع أخوتك الصغار- عن بيت للإيجار، ونحمد الله أن أخوتك الباقين لم يكونوا في البيت ساعة إصابته، وإلا لكانوا في خبر كان.
من جهة الكرْم الغربي، فقد اضطررنا إلى بيعه بأرخص الأسعار؛ من أجل تأمين المبلغ الذي طلبه منا مَن خطفوا أخاك مجيد؛ وكم كان حظنا طيبًا حينما وقع أخوك بأيدي أناس طيبين، لم يطلبوا أكثر من ثمن الكرم، وقد وعدونا أن يفرجوا عن مجيد في أقرب وقت، وما زلنا ننتظر.
أما عن أحوالنا الشخصية، فالأمور تمام التمام من فضله تعالى؛ بالنسبة لـ “الأرضات” فقد باتت بورًا؛ إذ لم نستطع أن نزرع حبة قمح واحدة؛ لعدم توفر المازوت.
وكم كان حظنا سعيدًا، حينما قمنا ببيع البراد والتلفزيون والغسالة قبل أن يتهدم البيت؛ فقد اضطررنا إلى بيعها لأمرين: أولًا، لعدم الحاجة إلى هذه الأشياء؛ بسبب انقطاع التيار الكهربائي الدائم، وثانيًا، كي نؤمن المبلغ الذي طلبته منا البلدية، شرفية الطريق الذي يمر من جانب منزلنا الذي تهدم.
هذا ما لزم أن نخبرك به، مصحوبًا بتقبيل عارضيك الكريمين، مع إهداء سلامنا إلى روحك الطاهرة، وإلى جميع من يسأل عنا، من “الطافشين” في بلاد “الغرايب”، والذي ليس له سلام في الرسالة، يكون له من القلب مليون حمل سلام. من طرفنا أختك ما جدة وأختك ما جدولين وأخوك أمجد يهدونك السلام.
ملاحظة: لا تبخلوا علينا بالمراسلة؛ لأن المكاتبة ثلثا المشاهدة.