أدب وفنون

ناشر سوري في براغ ,لا يوجد تأثير للربيع العربي ثقافيًا في أوروبا

بعد أن نُزِعَت عنه الجنسية السورية عام 1959 -لأسباب سياسية- حاز على درجة الدكتوراه في اللغات العربية والروسية والتشيكية، وقرر في العام 1990 افتتاح دار نشر عربية في العاصمة التشيكية براغ، لتكون الدار “السورية” الوحيدة هناك، أسماها (ابن رشد)، وجعلها متخصصة في نِتاج الشرق عمومًا، والعالم العربي على وجه الخصوص، وأصدر منذ تأسيسها حتى اليوم أكثر من 300 عنوان، وبعد 57 عامًا من الحرمان من زيارة سورية، يخشى ألا يستطيع زيارتها نهائيًا.

 

في لقاء معه، قال الناشر والأستاذ الجامعي، شريف بحبوح، لـ (جيرون): “لا يوجد تأثير للربيع العربي ثقافيًا في شرقي أوروبا، ولا حتى في غربها، سوى تأليف بعض النوادي والمنظمات التي فشلت عند لحظة تأسيسها، بسبب الخلافات بين مؤسسيها؛ فالربيع العربي الذي تسبب في موجات لجوء هائلة إلى أوروبا -هربًا من بطش الأنظمة التي دمّرت دولها- زاد حقد التشيك -تحديدًا- على العرب والمسلمين، ويمكننا القول: إن التمييز العنصري يزداد في أوساط المسؤولين في الدوائر والوزارات الحكومية، أكثر منه في الأوساط الشعبية”.

 

وانتقد عدم وجود أي مؤسسات أهلية أو شعبية أو حكومية عربية، تساهم بتحسين صورة العربي لدى الآخر الأوروبي، وقال: “إن المعلومات عن العالم العربي مشوّهة، ولا توجد مؤسسة عربية تقوم بأي نشاط ثقافي بين المجتمع التشيكي، أو في الدول المجاورة لها، وأغلبية من يُمثّل الثقافة العربية هنا، هي -للأسف- أقرب إلى الأمية، لا تفقه في تاريخ وثقافة بلدانها، وتحاول أن تملي على الآخرين آراءها السياسية، أما المراكز الثقافية العربية والسفارات، فمصابة بسبات عميق، لا أمل بالخروج منه”.

وعن قيامه بمهمة الدفاع عن العرب عامّة، قال: “أبدًا، لا أدافع عن العرب، لأن هذا الدفاع من واجب الحكومات والمؤسسات الرسمية، أما أنا فأدافع عن الثقافة العربية، وأعدّ موقفي مهمة شخصية، وقضية مستمرة؛ لأن المعلومات عن العالم العربي هنا، كانت -ولا تزال- على مستوى مشوّه”.

 

وفي شرح -بعجالة- عن دار نشره، قال “تعتمد الدار على نشاطي الشخصي، ولا أملك الإمكانات لتشغيل موظفين، وتشاركني زوجتي فحسب، وهي الرسامة التشيكية (ياروسلافا بتشكوفسكا) في إدارتها، وفي تشكيل أغلفة الكتب، على الرغم من أنها رسامة محترفة ومشهورة هنا، ولديها لوحات في المتاحف الدائمة للفن في نيويورك ولندن وكوبنهاجن وبراغ وغيرها، وبطبيعة الحال، لا يتدخل أحد في تحديد الكتب التي ننشرها، أو في برنامج إصداراتنا، ولا يحق للحكومة أن تتدخل في ما نفعل، إلا إذا اخترقنا القانون”.

وتابع: “تُصدر الدار حوالي 12 عنوانًا سنويًا، بمعدل كل شهر كتاب، وهذه هي إمكانياتنا القصوى، ومن إصداراتنا قواميس وكتب لتدريس اللغة وموسوعات، وترجمات أدبية وروائية وقصصية من اللغات الشرقية إلى اللغة لتشيكية، وأصدرنا كُتبًا مًترجمة عن العربية والهندية الكورية والهندية والفارسية، كما أصدرنا كتبًا حول القصة المغربية والجزائرية والمصرية والليبية واليمنية والسعودية والعراقية واللبنانية والسورية، بالعربية وباللغة التشيكية والإنكليزية وغيرها، فضلًا عن كتب لها علاقة بمجال البحث الاجتماعي، والعلاقات القائمة بين فئات المجتمع العربي، وقد حصدت كتبنا ثماني جوائز خلال معارض الكتب في براغ؛ أكثرها يتعلق بالعالم العربي واللغة العربية.

 

وعن الصعوبات والتسهيلات، قال: “إن إصدار كتب عن العالم العربي في أوروبا عملية سهلة، إن وُجد التمويل، لكن المشكلة تكمن في بيع الكتاب الذي يتحدث عن العالم العربي، إنه أمر في صعب جدًا في الوقت الراهن، وتوزيعه صعب جدًا أيضًا، وذلك في ظل التمييز العنصري القائم راهنًا، وطبعًا لا يعني هذا أن العملية سهلة استثماريًا، بل هي أصعب من العالم العربي، فالموزع لدينا يأخذ 45 بالمئة من ثمن الكتاب، وتضاف إليها 10 بالمئة ضريبة للدولة، و10 بالمئة ضريبة أخرى للمبيعات، لهذا نلجأ لبيع الكتب عبر الإنترنت، أو في مهرجانات ومعارض الكتب، وأهمها مهرجان (هلال في سماء براغ) الشهير في تشيكيا، واسم هذا المهرجان -بالمناسبة- مأخوذ من اسم ديوان شعري لي، صدر باللغتين: العربية والتشيكية، وكذلك مهرجان الثقافة العربية في مدينة بلزن وغيرها. كنّا نمتلك مكتبتين في براغ لبيع الكتب، لكن الأحوال التي يمر بها البلد، ورفض الناس للعرب، وتشددهم مع أي شيء عربي، تسبب باعتداء بعضهم على المكتبة؛ ما دفعنا إلى إغلاقهما”.

 

وتابع بحبوح الذي ألّف أكثر من 65 كتابًا: “عادة نطبع ألف نسخة من الكتاب، وبالمقارنة مع حجم طباعة الكتب في العالم العربي نجده رقمًا جيدًا، حيث لا تطبع أغلبية دور النشر العربية أكثر من هذا العدد، وقمنا بطباعة طبعات عديدة للكتب التي لاقت رواجًا، وفي الحقيقة، فإن الكتب التي تصدر عدة مرات، ويُعاد طبعها، هي التي تُموّل الدار”.

 

وأضاف “أصدرنا، بالتعاون مع المكتبة الوطنية واليونسكو، كتابين عن المخطوطات العربية في براغ، حيث يوجد نحو 200 مخطوط عربي خام، لم يدرسها أحد، بعضها يعود إلى القرن الحادي عشر، وهي مهمة جدًّا، وأرسلنا نسخًا إلى المؤسسات العربية المختصة، والسفارات العربية، لكن لم يُبدِ أي طرف اهتمامًا، على الرغم من أنها قادرة على تغيير نظرة الغرب إلى العرب، وتؤكد على أسبقيتهم في كثير من المجالات العلمية والفكرية والبحثية”.

 

وعن واقع النشر في تشيكيا، ومقارنته بالنشر في الدول العربية، أوضح بحبوح: “يبلغ عدد سكان التشيك عشرة ملايين ونصف، وعدد دور النشر فيها يزيد على ثمانية آلاف، وهناك مؤسسات للنشر تُصدر سنويًا أكثر من ثمانمئة عنوان، وبحسب إحصاءات عام 2015، يبلغ عدد العاملين في نشر الكتب 3500 شخص، والعاملون في بيعها 3400، وعدد الكتّاب 800 كاتب، والمترجمين 600، ومُصممي الأغلفة 650 فنانًا، وعدد العاملين في المطابع 800 عامل؛ وتُؤلف الكتب المُترجمة الصادرة 52 بالمئة عن الإنكليزية، و23 بالمئة عن الألمانية، و5.5 بالمئة عن الفرنسية، و1.5 بالمئة عن الإسبانية، و1.4 بالمئة عن الروسية، و15 بالمئة من بقية اللغات، بما فيها العربية، ويبلغ عدد كتب الأطفال المنشورة سنويًا 5129 عنوانًا، وللمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية 1192 كتابًا، وللجامعيين 1922”.

 

وأضاف: “يوجد 5360 مكتبة عامة لإعارة الكتب، وتصدر مجلة أسبوعية خاصة بالكتب الصادرة حديثًا، وبحسب القانون، فإن كل دار نشر مُلزمة أن تُخبر القراء بكل كتاب جديد، ويمكن دراسة فرع نشر وطباعة الكتب في ثلاث مدارس مختصة، ويمكن زيادة الاختصاص في ثلاث جامعات، ووفق إحصاءات عام 2015، فقد بلغ عدد الكتب الجديدة الصادرة في تشيكيا 16850 عنوانًا، أي يزيد قليلًا عن عدد عناوين الكتب الجديدة الصادرة في العالم العربي مجتمعًا، على الرغم من أنه يضم 350 مليون إنسان”.

وأوضح نقطة مهمة جدًا، لم يكن ليلتفت إليها العرب سابقًا، حين قال: “أصدرت دور النشر التشيكية، وتُصدر، كتبًا عن العالم العربي، من تأليف التشيك أو مترجمة عن الإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية، لكن أكثرها تتعلق بالفراعنة وأساطير العرب، وتُشوّه صورة العربي والمُسلم، وتسيء إلى سمعة الشعوب العربية”، وتابع: ” لهذا لا نستغرب أن تكون المعلومات عن العالم العربي والإسلامي، لدى كثير من الأوروبيين، متوقفة عند مستوى القرن السادس عشر.”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق