قضايا المجتمع

القضاء يعود للعمل جنوب دمشق وضعف الدعم أبرز العوائق

توقفَ دار القضاء جنوب العاصمة دمشق عن العمل منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2015، لأسباب عديدة تتعلق بضعف التمويل والدعم، إضافة إلى الأوضاع الموضوعية على الأرض والناشئة من طبيعة الصراع بين الفصائل التي تتقاسم السيطرة على أحياء وبلدات المنطقة، وعدم انصياعها أو قبولها لأحكام الدار، ولا سيما بعد اقتحام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مخيم اليرموك في نيسان/ أبريل 2014، فأصبح لكل فصيل محاكم خاصة وسجون ومعتقلون في كثير من الأحيان، دون أي تهمة، سوى الانتماء لهذا الفصيل أو ذاك، ما جعل القضاء ضعيفًا وعاجزًا عن فض النزاعات التي دفع المدنيون ثمنها الأكبر.
أسباب توقف القضاء عن العمل في جنوب العاصمة
ناشطون من جنوب العاصمة أكدوا أن أحد أبرز أسباب توقف القضاء عن العمل في مناطقهم، يعود إلى عدم احترام الفصائل لقراراته، والتصرف بشكل فردي؛ فأصبحت المنطقة تحت حكم قانونٍ أشبه بشريعة الغاب، يستقوي فيه القوي على الضعيف، دون أن يكون لدار القضاء أي قوة تنفيذية رادعة للفصائل، وتجبرها على احترام العدل وعدم التجاوز على المدنيين، الأمر الذي أكده الناشط الإعلامي، ضياء محمد لـ (جيرون)، بالقول: “توقف دار القضاء عن العمل سببه الرئيس عدم التزام الفصائل (ببيعتها) للدار، وتجاوز دوره في إصدار الأحكام والاعتقالات، فما يُعجب تلك الفصائل من أحكام وقرارات القضاء تقبله، وما يخالف أهواءها ومصالحها ترفضه، إلى أن صدر البيان عن دار القضاء والذي أعلن فيه تعليق العمل بشكل نهائي، منذ ما يقارب العام، بعد اقتحام أحد الفصائل العسكرية مقر الدار واعتقال خلية تتبع لداعش وإعدامها، دون إذن القضاء”.
بدوره أحد القضاة، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لـ (جيرون): ” أهم أسباب توقف القضاء عن العمل، يعود إلى ضعف التمويل، وعدم التزام بعض الفصائل بالقرارات الصادرة عن دار القضاء، وكان آخر هذه الأسباب، والتي أدت إلى إغلاق الدار وتوقفه عن العمل نهائيًا، اقتحام أحد الفصائل لسجن المحكمة، واقتياد مجموعة من الموقوفين وإعدامهم على خلفية تفجير (داعش)، لعبوة ناسفة بسيارة تابعة للفصيل؛ ما أدى إلى استشهاد عدد من المجاهدين”.
انعكاسات غياب القضاء
يتفق معظم ناشطي جنوب دمشق على أن إغلاق القضاء، وامتناعه عن العمل، كانت له انعكاسات سلبية عديدة على مناطقهم، وهو ما يؤكده القاضي بقوله: “إغلاق دار القضاء أدى إلى نتائج سلبية كثيرة على المنطقة، وعلى المستويات كافة، ولعل أبرز ملامحها ضياع الحقوق؛ لعدم وجود أي مرجعية قضائية يلجأ إليها المتضرر لتحصيل حقوقه، إضافةً إلى زيادة السرقات وانتشار آفات عديدة، كتعاطي واتجار المخدرات والحشيش وغيرها”، ولم يختلف محمد مع هذا الرأي كثيرًا، وقال: “هناك العديد من الآثار والانعكاسات التي أصابت جنوب دمشق، بعد إغلاق دار القضاء، أهمها عدم وجود كيان قضائي يفصل في الأمور والخلافات؛ ما أدى إلى سيادة شريعة الغاب في المنطقة، وبقاء كثير من الأمور المعلقة دون حلول؛ أصبح الجميع يستقوي بإحدى الجهات، لتحصيل حقوقه؛ وبالتالي، من ليس له جهة تحميه أو تدعمه يبقى دون حقوق”.
القوة التنفيذية أهم أسباب التفاؤل
مع بداية شهر آب/ أغسطس الماضي، تم التوافق -في مناطق جنوب العاصمة- على إعادة عمل القضاء في المنطقة تحت اسم (المحكمة العامة لجنوب دمشق)، بعد أن تعهدت أغلب الفصائل في المنطقة بعدم التدخل في شؤون المحكمة، واحترام ما يصدر عنها من قرارات، إلا أن العديد من ناشطي الجنوب الدمشقي، وعلى الرغم من ترحيبهم بعودة القضاء، أبدو شكوكًا في جدية الفصائل ورغبتها الحقيقية بمساعدة المحكمة واحترام استقلالية القضاء، ومن جهته قال القاضي: ” آثر المعنيون في المنطقة، من قادة الفصائل وعلماء وحقوقيون، أن تكون المحكمة مستقلة تمامًا عن كل التجاذبات الفصائلية، وكذلك سيكون للمحكمة قوة خاصة بها، مستقلة عن جميع الفصائل، تقوم بفض النزاعات، وتنفيذ القرارات الصادرة، وجميع كوادر المحكمة مستقلين؛ ما يضمن حيادية قراراتها، إضافةً إلى تعهد الفصائل بالالتزام بتنفيذ قرارات المحكمة ومؤازرتها في حال تعرضها لأي خطر”، أما محمد، فقال: “لن نكون متشائمين، ولا سيما أن بيان الإعلان عن تشكيل المحكمة تحدث بشكلٍ واضح عن أن جميع الفصائل تعهدت باحترام قرارات القضاء، بما يساعد في الأخذ على يد الظالم؛ حتى يُرد الحق لأهله، إضافةً إلى القرار بتشكيل قوة تنفيذية للمحكمة، لا علاقة لها بأي فصيل، إلا أنه وحتى اللحظة لم يتم تفعيل هذه القوة”.
مهام المحكمة الجديدة
أكد القاضي أن مهام المحكمة الجديدة -بشكل عام- الفصل في القضايا الخلافية بين المواطنين، في جنوب دمشق فحسب، دون التطرق إلى الأعمال الأخرى التي كانت تقوم بها دار القضاء، أو الهيئة الشرعية سابقًا، كالإفتاء أو المشاركة في القرارات السياسية للمنطقة، مضيفًا: “عمل المحكمة سيقتصر على الأمور القضائية وتحصيل الحقوق، وبهذا المعنى تنظر المحكمة في جميع القضايا التي تُعرض عليها، ابتداءً بتلك المدنية الصغيرة (خلافات مالية وسرقات)، مرورًا بقضايا الأحوال الشخصية، وانتهاءً بالقضايا الجنائية من قتل ومشاجرات، وغير ذلك من القضايا الجنائية الأخرى”، في حين ذهب محمد إلى أن أهم ما ينبغي للمحكمة القيام به هو إعادة النظر والتقييم في ما يخص قضية الهدنة، الحاكمة لمعظم تفاصيل الحياة في بلدات جنوب دمشق، وقال: “في رأيي الشخصي على المحكمة استلام ملف الهدنة بشكل كامل، بالتشاور مع العسكريين، وتنحية شيوخ الهدنة الحاليين الذين حولوها إلى مصالحة، وجعلوا الشرخ بين العسكريين والمدنيين أعمق مما كان عليه؛ إذ من الواضح الآن أن من يُعرف بشيوخ المصالحات لديهم مشروع خاص بهم، بعيد تمامًا عن مشروع الثورة، وذهبوا مرارًا وتكرارًا لمقابلة ضباط النظام في القصر الجمهوري، وذهبوا إلى مطار حميميم لمقابلة الروس، وخرجوا على شاشات التلفاز بمفردهم، دون أخذ الموافقة من الفصائل العاملة في المنطقة، ما يجعلهم في موضع شك ، ويجعلنا نرتاب من بقائهم مفاوضين عن منطقة ثورية، ومن ثم على المحكمة الفصل في الخلافات القائمة بين الفصائل العسكرية، والعمل على حلها”.
ضعف التمويل أبرز العوائق
لا تتوقف مشكلات القضاء، في أحياء وبلدات جنوب العاصمة دمشق، على الخلافات الفصائلية، بل تتعداها إلى تلك المتعلقة بالدعم والتمويل؛ إذ أدى هذا العامل إلى انصراف العديد من كوادر الدار السابقة عن العمل، وتركها في مواقف ضعيفة، ساهمت -مع عوامل أخرى- إلى توقفها عن العمل، وهو الأمر الذي لم يتغير مع تشكيل المحكمة الجديدة، ما يؤكده القاضي الذي قال: “تعاني المحكمة من ضعف في التمويل؛ نتيجة تخلي الجمعيات والمؤسسات والكيانات الثورية الأخرى، من ائتلاف أو حكومة موقتة عن دعم مشروع المحكمة، كما تعاني من نقص في الكوادر الحقوقية المؤهلة للعمل القضائي، وضغط في العمل؛ نتيجة توقف العمل القضائي لأشهر طويلة”، موضحًا “أن القوانين التي تعتمدها المحكمة في عملها، هي تلك التي ترتكز في مرجعيتها على الشريعة الإسلامية، وعلى القانون العربي الموحد، الذي أقرته جامعة الدول العربية، والمعمول به في الشمال السوري المحرر، وفي دار العدل في حوران، وأغلب المناطق السورية المحررة، مع مراعاة تحفظات هيئة الشام الإسلامية على بعض نقاطه”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق