لجأت المجموعات العسكرية في سورية، على مدى السنوات الخمس الماضية، إلى استخدام الأطفال لغايات عدة، من بينها تجنيد الأطفال، حيث يتم تجنيدهم باستخدام الدين أو الوطن أو القومية أو الطائفة، بطريقة توهم الأطفال بأنهم على الطريق الصحيح.
وردَ في مبادئ باريس المتعلقة بالأطفال المرتبطين بالقوات أو الجماعات المسلحة، ما يلي: “يرتبط مئات الآلاف من الأطفال بالقوات والجماعات المسلحة في الصراعات حول العالم. ويُستخدم الفتيان والفتيات لغايات متنوعة، إذ يضطلعون بمهمات تمتد من الدعم، كالطهي وحمل الأغراض مثلًا، إلى المشاركة النشطة في القتال، أو زرع الألغام أو التجسس، وغالبًا ما تستخدم البنات لأغراض جنسية، وإن تجنيد الأطفال واستخدامهم خرق لحقوقهم، يلحق بهم أضرارًا مادية وعاطفية وعقلية وروحية، ويضر بنموهم”.
من المتورطون
يأتي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مقدمة التنظيمات المُستخدمة للأطفال في حروبها؛ حيث شكّل كتائب تحت اسم “أشبال الخليفة”، وأقام معسكرات لتجنيد وتدريب الأطفال على كيفية القتال، وأعطاهم دروسًا في الدين الإسلامي، كما لا يزال حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي يملك جناحين مسلحين، تحت اسم “وحدات حماية الشعب” و”قوات سورية الديمقراطية”، يلجأ إلى استخدام الأطفال في قتالهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وكتائب المعارضة السورية المسلحة، وكانت آخر الاتهامات الموجهّة لهذا الحزب، قد أتت من عائلة طفلة من مدينة رأس العين، بريف مدينة الحسكة، شمال شرقي سورية.
في هذا السياق، أوضح أتيش والي، ابن عم الفتاة المخطوفة، أنه في مساء الجمعة 26 آب/ أغسطس الماضي، وفي تمام الساعة العاشرة مساءً، تم اختطاف الفتاة القاصر، هندرين والي شيخ محمد، والبالغة من العمر 16 عامًا، من قبل عناصر تابعة لـ “الإدارة الذاتية” في رأس العين.
وأكّد والي وجود عدد من شهود العيان، وقال: “شاهدوها -بأم أعينهم- أمام مقر (الأسايش)، التابعة للإدارة الذاتية، وبعد أن بحثنا في جميع المراكز العسكرية التابعة للإدارة الذاتية، وتحدثنا مع مسؤولين عسكريين في رأس العين، لم نستطع الوصول إليها أو معرفة الجهة التي أُخذت إليها، وبعد فقدان الأمل، لجأنا إلى الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان المعنية، وناشدنا بشدة المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية؛ للضغط على الإدارة الذاتية؛ لكشف مصير الفتاة، علمًا أنها ابنة محمود والي (الشهيد) في الثورة السورية، والذي قُتل عام 2012، واتُّهم حينها حزب الاتحاد الديمقراطي بقتله.
وفي الموضوع نفسه، قُتل طفل آخر، ويُدعى شيار فارس حمو، وهو بعمر 14 عامًا، من مدينة عين العرب، نتيجة انفجار لغم به في مدينة منبج، بعد أن كان مرافقًا دائمًا لـ “وحدات حماية الشعب” الكردية، في جميع معاركها، في عين العرب ومنبج وتل أبيض، على حد قول أحد أقاربه.
إلى ذلك، لم تتوان فصائل المعارضة المسلّحة عن تجنيد الأطفال في صفوفها، وقد ظهر الثلاثاء 30 آب/ أغسطس طفلًا يحمل أدوات قتالية، في صور نشرتها حركة أحرار الشام، على مواقع التواصل الاجتماعي، في مدينة جرابلس شمال سورية في عملية “درع الفرات”.
أما الجيش السوري، فقد قام بتجنيد الأطفال من الطائفة العلوية، بهدف مساندته لإبقاء سيطرته على سورية، وقد نُشرت صور عديدة، تؤكد تورط النظام في تجنيد الأطفال في صفوفه.
دور المجتمع المدني
حاولت شخصيات وجمعيات المجتمع المدني توعية الناس بخطر هذه الظاهرة، والتي اجتاحت المجتمع السوري بعد عسكرة الثورة السورية، من خلال عقد الندوات والتظاهرات السلمية، في محاولة للحد منها.
وقال علي عيسو، مدير المركز التعليمي لحقوق الإنسان في فوبرتال بألمانيا: “إن جميع الأطراف في سورية، تقوم بتجنيد القاصرين، والنسب متفاوتة، حيث الاستغلال الأكبر للقاصرين ينتهجه (داعش)، ومن ثم الميليشيات التي تقاتل دفاعًا عن الأسد، وكذلك الكتائب المتطرفة، وبات من الصعب السيطرة عليها، أو الحد منها، في المناطق التي مازالت تحت سيطرة (داعش)، أو الكتائب المتطرفة، نظرًا لعدم قدرة منظمات المجتمع المدني على العمل بحرّية في هذه المناطق؛ لذلك، تنحصر أعمال المنظمات الحقوقية والإنسانية والمعنية بحماية الأطفال في المدن والبلدات التي تديرها مؤسسات مدنية، كما الحال في المناطق الكردية بشمال سورية، ونعمل في المركز التعليمي لحقوق الإنسان، على توعية المجتمع السوري بمكوناته كافة، العرقية والدينية، لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، من خلال العديد من الأنشطة والفاعليات التي من شأنها أن تزيد من نسبة الوعي المجتمعي في حالات الحرب، التي تُعاني منها سورية منذ أعوام مضت، إلا أن عملنا كباقي المنظمات ليس كافيًا، ما لم نر تعاونًا جادًا وحقيقيًا من قبل السلطات العسكرية والسياسية والمدنية في المدن (المحررة)، وعليه؛ نحثّ جميع القوى المتصارعة، على الالتزام بالقوانين الدولية الخاصة بالأطفال وعدم زجهم في الحرب؛ لضمان حقوقهم في متابعة التعليم والصحة، وتوفير الأمن لهم، وإبعادهم عن أماكن النزاعات.
الكل يتهرب وينفي
كثير من الشخصيات السياسية في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وقواتها العسكرية المتمثل بـ “وحدات حماية الشعب” و”قوات سورية الديمقراطية”، تهرّبت من نقاش قضية تجنيد الأطفال في صفوفها، والتي تعاني منها المدن الكردية على الشريط الحدودي شمالي سورية.
في حين نفى عواس علي، وزير العدل السابق في ما يسمى “حكومة الإدارة الذاتية”، في منطقة عين العرب (كوباني) الادعاءات التي تتحدث عن وجود أطفال في صفوف “وحدات حماية الشعب” أو “قوات سورية الديمقراطية”، وقال: “هذا الأمر مُخالف للمواثيق والقوانين الدولية، ونحن مُلتزمون بجميع العهود والمواثيق الدولية، وبحسب ميثاق العقد الاجتماعي، وكذلك مشروع نظام الفيدرالية في سورية، وكوننا مُلتزمين بالمواثيق الدولية التي تُحرّم استغلال الأطفال، وزجهم في الحروب والصراعات الدولية والشعبية”، وتابع: “بحسب اطلاعي، لا يوجد أطفال في صفوف القوى العسكرية على مستوى (قوات الحماية الشعبية) أو (قوات سورية الديمقراطية)، وقد يوجد بعض القاصرين، لكن يعملون في مجال الإدارة، أو تقديم خدمات إنسانية، وأكثرهم عمره تجاوز الخامسة عشر، وبحسب علمي واطلاعي، لا يوجد بين صفوف المقاتلين أي قاصر”.
ويؤكد ناشطون وحقوقيون، على عدم صحة هذا النفي، خاصة أن المنظمات الحقوقية، المحلية والدولية، قد وثّقت مئات الحالات التي تم من خلالها تجنيد الأطفال في مناطق “الإدارة الذاتية”، التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي، مع بعض الأحزاب الأخرى.