تجري هذه الأيام انتخابات الدورة السادسة لـ “اتحاد الصحافيين السوريين” التابع للنظام، ولا بد -كمقدمة- من ذكر المادة الثالثة من النظام الداخلي لهذا الاتحاد، والتي ورد فيها أنه “يؤمن بأهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، ويلتزم بالعمل على تحقيقها، وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته”.
ويحق لرئيس الوزراء السوري أن يحلّ كل قيادة هذه النقابة ومجالسها متى أراد، دون أن يكون لأحد القدرة على منع مثل هذا القرار؛ حتى لو كان مُجحفًا، وتشير إحدى مواد قانون الاتحاد المنشور على موقعه، أنه “يجوز بقرار من مجلس الوزراء، حل المؤتمر العام أو مجلس الاتحاد أو مكتبه، في حالة انحراف أي منها عن مهامها وأهدافها، ويكون القرار غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة أو الطعن”، وأنه في حال تمّ حلَ مجلس الاتحاد أو المكتب، “يتولى رئيس مجلس الوزراء دعوة المؤتمر العام خلال خمسة عشر يومًا من صدور قرار الحل، لانتخاب مجلس ومكتب جديدين، وفقًا لأحكام هذا القانون”.
الصندوق الأسود
حول دورات الاتحاد السابقة، الرابعة والخامسة، نشر الصحافي المتقاعد صبري عيسى، الذي يعيش حتى تاريخه في دمشق، ويعدَ من أكثر الصحفيين المواظبين على توجيه سهام نقده لعمل الاتحاد، عدة مقالات في أكثر من موقع إلكتروني، عرض فيها أدق التفاصيل التنظيمية والمالية للاتحاد، وتعد مواده فضح لهذا الصندوق الأسود، ومما ذكره “هناك مسألة تتعلق بآلية انتخاب رئيس الاتحاد، الذي يبدأ مسيرته بانتخابه عضوًا في المؤتمر، ثم عضوًا في المجلس، وأخيرًا عضوًا في المكتب التنفيذي، ويحتاج اختياره لموافقة قيادة الحزب التي تتدخل في كل مراحل الانتخابات، عن طريق (الاستئناس الحزبي)، في اختيار أعضاء المؤتمر والمجلس والتنفيذي ورئيس الاتحاد”، ودعا -غير مرة- إلى تغيير هذا الأسلوب، وقال: “أرى ضرورة تغيير آلية الانتخابات، باعتماد انتخاب رئيس الاتحاد مباشرة من القاعدة الانتخابية، التي تضم جميع الصحافيين العاملين، ويكون انتخابًا مباشرًا، لا تتدخل فيه أي جهات وصائية، ويقوم بعدها الرئيس المنتخب بالإشراف الفعلي على مراحل الانتخاب اللاحقة للمجلس والتنفيذي، كما يجب تعديل سنوات الدورة من خمس سنوات إلى أربع، وفي كل عامين، يقوم المؤتمر العام بالتجديد لرئيس الاتحاد والمكتب التنفيذي أو يحجب الثقة”.
عندما اختُطف الصحافي عبد المقداد، عضو المكتب التنفيذي، وأمين مكتب الشؤون الاجتماعية وصندوق التقاعد في الاتحاد، من بيته في عدرا، وبقي في سجن هذا الفصيل المسلح المختطِف حتى مقتله، في أيار/ مايو 2015، اكتفى اتحاد الصحافيين ببيان يتيم عندما اختطف، وبمجلس عزاء في إحدى صالات دمشق حين تأكد خبر وفاته، ولم يقم الاتحاد بأي مساع لإطلاق سراحه وإنقاذه، والمقداد معارض سياسي، اعتُقل تعسفًا لسنوات طويلة، أيام حكم حافظ الأسد؛ بسبب رأيه السياسي.
الاتحاد يُسلّم الصحافيين للمخابرات
الإعلامي ماجد مرشد، المقيم في ألمانيا، والذي عمل لسنوات طويلة في أكثر من صحيفة حكومية سورية، قال لـ (جيرون): “هذا الاتحاد منذ تأسيسه وحتى الآن، لم يكن مستقلًا، فهو مرتبط بأمن النظام، وبوق إعلامي للسلطات، وأداة تنفيذ لما ترسمه له، ولم يدافع عن صحافي اعتقلته السلطة الأمنية، ولم يُسعف صحافيًا تعرض للتعذيب في أقبية النظام بسبب رأيه المناهض للسلطة الديكتاتورية، وأذكر حادثة تعرض لها زميل لنا كتب ضد محافظ فاسد، وطاردته الأجهزة الأمنية لاعتقاله، فالتجأ إلى اتحاد الصحافيين، الذي قام بتسليمه إلى الأمن؛ ليواجه مصيره الأسود، وهذا كله قبل الثورة، أما بعدها فحدث ولا حرج”.
وحول رأيه في عمل وآليات الاتحاد، قال الصحافي محمد مصطفى عيد، الذي عمل محررًا رئيسًا لسنوات في صحيفة الثورة ثم تشرين، ويعمل حاليًا في دولة الإمارات العربية، لـ (جيرون): “في جردة حساب ومراجعة طويلة لمسيرة عمل اتحاد الصحافيين السوريين، نصل إلى نتيجة أن دوره لا يختلف إطلاقًا عن دور باقي الاتحادات الأخرى النقابية، من حرفيين وكُتّاب وممثلين، تلك الاتحادات التي تقوقعت ضمن حفلات النشاط الاجتماعي المقتصر على الوفاة والزواج والمناسبات، بينما غاب دورها الرئيس، ولم تقم بأي شيء ملموس؛ لتوفير أبسط حقوق منتسبيها”، وتابع “لم نسمع يومًا عن إعادة صحافي إلى عمله، من جراء تعرضه للفصل التعسفي من رئيس التحرير، دون أسباب موضوعية، بل على العكس، نجد أن قيادات اتحاد الصحافيين، على علاقة غزل مع إدارات مفاصل التحرير على حساب الصحافي، ويُجمع غالبية الصحافيين على وصف هذا الاتحاد بـ (جابي الأموال)، واقتصار دوره على الاشتراكات، وتأمين نفقات دفن الموتى، بعيدًا عن دوره المفترض في الدفاع عن الصحافيين، الذين يواجهون متاعب مع رؤساء تحرير المؤسسات الإعلامية”.
الاتحاد جرافة أمام النظام
ورأى الصحافي راشد عيسى، المقيم في فرنسا، أن النظام الشمولي السوري لا يمكن أن يُنتج اتحادًا إلا على شاكلته، وقال لـ (جيرون): “لم نسمع عن حادثة واحدة في تاريخ اتحاد الصحافيين في سورية، أنجدَ فيها صحافيًا من الاعتقال، أو رفع عنه مظلمة. وبالعكس، بدا أن دوره على الدوام أن يُجهّز الأكاذيب اللازمة للنظام التي تسوّغ اعتقال ومحاكمة صحافي، هذا دور واضح، لن يطمح أحد إلى أن يلعب اتحاد صحافيين في بلد، أمضى في عهدة الاستبداد أكثر من أربعين عامًا دور حامي الحريات” وأضاف: “كان بديهيًا أن تصل يد النظام الشمولي إلى كل تفصيل في حياة البشر، من ملابسهم وأذواقهم ومناهجهم الدراسية، فما بالك باتحاد الصحافيين! لقد كانت لهذا الأخير مهمة لا تقلّ شأنًا عن أحد فروع الأمن، فإن كان البلد من غير صحف ولا صحافيين طوال العقود السالفة، فلا شك أن لاتحاد الصحافيين دورًا استثنائيًا في تفريغ البلد من أقلامه”.
وتابع “كان بديهيًا إذًا، أن نرى الاتحاد مجموعة من صحافيين، معظمهم حملة مسدسات، حقيقة لا مجازًا، ربما كانت هذه هي ميزة أن تكون عضوًا فيه، سهولة الحصول على ترخيص لمسدس من الجهات المختصة، تصوروا إذًا! أي صحافي هذا الذي أقصى طموحه أن يتغنى بحمل مسدس لا بحمل قلم!
وأضاف: “حسرة بالقلب تظل حين يتابع المرء مصائر الثورات العربية، لو نظرنا إلى مصر أو تونس مثلًا، لقد كان غالبًا للمؤسسات دور فيها، القضاء، الجيش، وربما الصحافة، أو مختلف النقابات ومن بينها نقابات الصحافيين، إلا سورية، فالقضاء والصحافة ومختلف الاتحادات، كلها جميعًا سواء بسواء، لم تكن سوى جرافات أمام النظام، ولهذا وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه”.
يكفي وضع كلمة اتحاد الصحافيين السوريين على محركات البحث، للتعرف على موقع الاتحاد في الإنترنت، وبجولة عاجلة يمكن ملاحظة أن كلمة رئيس الاتحاد الحالي، التي وجهها للصحافيين في أحد أعيادهم، قد نالت 18 مشاهدة، كما أن موقع الاتحاد هذا يحوي كل مقابلات رئيس الاتحاد (إلياس مراد) مع عدة قنوات تلفزيونية، خلاصتها “صمود الجيش العربي السوري في وجه الإرهاب”، أما ما تبقى فهو عبارة عن تدوين لقانون الاتحاد ونظامه الداخلي، وعدد المشاهدات البائس يكفي؛ كي يعطي فكرة عن أهمية الموقع أولاً والاتحاد ثانيًا.
ولابد في النهاية، من الاعتراف، بأنه كان في تاريخ الاتحاد، أكثر من اسم لصحافيين محترمين، مرّوا عليه وحاولوا فعل شيء ما، لكن لم يستطيعوا فعل شيء في بنية، ابتلعها النظام كاملة.