قضايا المجتمع

اللاجئون السوريون في تركيا حال “مقبول” وأمل العودة لا يموت

يختلف المشهد في حال نظرنا إلى حال اللاجئين السوريين في المخيمات التركية، وذلك بالمقارنة مع حال السوريين في مخيمات الأردن ولبنان، من جانب الخدمات المقدمة لهم والتسهيلات الاجتماعية، فضلًا عن سياسة الأبواب المفتوحة في المخيمات، وبرامج الدعم النفسي للاجئين هناك.

 

وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن عدد اللاجئين السوريين في تركيا قارب مليونين و800 ألف لاجئ مُسجلٍ رسميًّا، في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين داخل المخيمات التركية نحو 275 ألف لاجئ.

 

يتوزع اللاجئون السوريون في مخيمات تركية أغلبها قريب من الحدود السورية، ويبلغ عددها نحو 26 مخيمًا، ومخيم كلس أكبرها؛ حيث يقطن فيه أكثر من 40 ألف لاجئ سوري، ويوجد في ولاية أنطاكيا حوالى خمسة مخيمات، وفي النيزب مخيمان، وفي الإصلاحية مخيمان، وأورفا ثلاثة مخيمات، والبقية متوزعة في مناطق أخرى مثل كهرمان مرعش وملاطيا وغيرها.

 

يؤكد عمار العبدو، المشرف النفسي الاجتماعي في مخيم كهرمان مرعش، لـ (جيرون) أن حال اللاجئين السوريين في المخيمات التركية “جيدة بالعموم، والشعب التركي، كما الحكومة، يُقدّمون لنا كل الدعم اللازم من أجل تحسين أوضاع اللاجئين في المخيمات، كما أنهم يبذلون كل جهدهم للعمل معنا من أجل تقليص أثر الصدمات النفسية التي عانى منها السوريين في بلادهم؛ نتيجة القصف والقتل الذي انتهجه النظام السوري”.

 

مساعدات مادية مقبولة وخدمات متاحة

تكثر حاجات اللاجئين السوريين في المخيمات، بدءًا تأمين مكان للسكن، إلى الأمور الخدمية كالماء والكهرباء، وصولًا إلى متطلبات خاصة، تحتاج إلى نقود لشرائها، وتُقدّم الأمم المتحدة جزءًا من المتطلبات، وتُقدّم مؤسسة الكوارث التركية (آفاد) جزءًا آخر، في حين تتولى منظمة (الهلال الأحمر) -هي الأخرى- تقديم مساعدات مالية وعينية للقاطنين في المخيمات.

 

يقول العبدو: إن “كل مواطن سوري داخل المخيمات، يستلم من الأمم المتحدة 65 ليرة تركية شهريًا، بالإضافة إلى 25 ليرة تركية من الهلال الأحمر، ليبلغ مردوده الشهري نحو 90 ليرة”.

 

وأوضح أن المساعدات الشهرية “سترتفع بدءًا بمطلع عام 2017 المقبل، حيث سيأخذ كل لاجئ شهريًا نحو 100 ليرة تركية”، موضحًا أن هذا المبلغ قد لا يكفي العائلة المكونة من شخصين أو ثلاثة، في حين أن العائلات التي فيها ما فوق ذلك من الأفراد، سيكون المبلغ الذي يأتيها كافيًا لتلبية مستلزماتها الضرورية.

 

إلا أن مثنى الحجي، اختصاصي الأطفال، والذي يعمل في أحد المخيمات، رأى أن المبلغ الذي يصل المواطن السوري في المخيمات غير كاف، وحذّر من أن هذا المبلغ المتواضع، دفع كثير من أرباب العائلات إلى العمل خارج المخيم؛ من أجل تلبية متطلبات عائلاتهم.

وقال الحجي لـ (جيرون): “كل الأمور الخدمية متاحة لجميع اللاجئين، من كهرباء وماء -على الرغم من معاناة بعض المخيمات من نقص الماء- إلى المراكز الصحية وأثاث الخيم ومستلزمات التنظيف، ومدير المخيم يلعب دورًا جوهريًا في هذا الموضوع، من حيث اهتمامه بالمخيم، ومن الممكن أن ترى مخيمات سيئة وأخرى جيدة”.

 

مؤيد، أب لأربعة أطفال ومقيم في مخيم كلس، قال: إن المساعدات المالية تساعد على شراء أهم المستلزمات الخاصة له ولعائلته، أما الأمور الأخرى التي لا تُعدّ أساسية، فهي خارج الحسبان، وأوضح “إذا تحدثنا عن (الكارافانات) التي نسكنها، نجد أنها مجهزة بالأثاث والكهرباء والماء، كما أن مستلزمات التنظيف تصلنا كل شهر، وأوضاعنا جيدة مقارنة بما نسمعه عن المخيمات في البلاد الأخرى”.

 

وفيما يخص العائلات التي فقدت معيلها في سورية نتيجة القصف والاحتراب، يقول العبدو “هناك منظمات متخصصة لمساعدات هؤلاء، حيث تقوم المنظمات بإرسال مبلغ يتراوح ما بين الـ 50 والـ 100 دولار أميركي لكل طفل يتيم”، موضحًا أن هذا المبلغ، إضافة إلى المساعدات العينية التي تقدمها مؤسسة (آفاد) والأمم المتحدة، يكون كافيًا للعائلات كي تتدبر أمورهما.

 

العمل والتعلّم الخَيار بيد السوري

فتحت الحكومة التركية أبواب المخيمات لكل السوريين الراغبين بدخول سوق العمل، فأعطتهم حرية الخيار في البقاء داخل المخيم، والاعتماد على المساعدات التي تصلهم بداية كل شهر، كما منحتهم فرصة الخروج من المخيمات والعمل في المؤسسات والمعامل التركية، مع الحفاظ على حصتهم الشهرية من المساعدات؛ بذلك، تغير مفهوم المخيم لدى السوري الذي كان يظنه سجنًا موصد الأبواب، لا خروج منه إلا إلى بلاده.

 

وحول هذا الأمر، أوضح العبدو “هناك نظامان في مخيمات تركيا، فبعض المخيمات تفتح أبوابها من الخامسة صباحًا حتى العاشرة مساءً من كل يوم، ويحق لأي مقيم في تلك المخيمات الخروج منها خلال هذه الفترة والعودة إليها، كما أن له حق العمل إن شاء. أما النظام الثاني، فهو شبيه بنظام الإجازات، حيث يحق لأي سوري أن يأخذ إذن خروج شهري مدته 15 يومًا، يمكنه خلال هذه المدة أن يعمل أو يزور أحد أقاربه خارج المخيم”.

 

وأشار العبدو إلى أنه -وبحكم عمله في مخيم كهرمان مرعش- يوجد نحو 5 آلاف سوري يخرجون يوميًا من المخيم للذهاب إلى العمل، ويعودون إليه متى شاؤوا، خلال المدة المتاحة للخروج والدخول، وأكد أن المخيمات التي فيها نظام خروج ودخول يومي، تسمح لقاطنيها بالنوم خارج المخيم ليلتين أو ثلاث، ثم العودة إليه دون أن يتعرض للمسؤولية أو المحاسبة.

 

سامر، أب لطفلين ومقيم في مخيم مرعش، أكد أنه يخرج يوميًا من المخيم صباحًا إلى المكان الذي يعمل فيه، ويعود مساءً دون أن يتعرض له أحد، وأضاف: “أشعر كأني أمارس حياتي الطبيعية، لدي مكان أسكنه، ولدي عمل، هذا يُنسينا بعض مآسينا، أن نعيش في المخيم دون عمل نذهب إليه، سيؤدي إلى أن تكون الحياة مملة، ولن نستطيع أن نخرج من معاناتنا، بل ستزيد همومنا، أنت بلا عمل ولا وطن، تلك حالة من الصعب جدّاً أن نتحملها”.

تتوافر في المخيمات مراكز للتعليم، تستقبل الطلاب بدءًا من الصف الأول الابتدائي وانتهاءً بالصف الثالث الثانوي، وهي بالمجان، ولا يحتاج الأهل إلى أن يحملوا فوق عبء لجوئهم هاجس الخوف على أطفالهم من الجهل والضياع. وقال العبدو: “الأطفال ما بين 6 و18 سنة في المخيمات، يصل عددهم إلى 90 ألفًا، 70 بالمئة منهم في المدارس”.

 

وأوضح “مدارس المخيمات تحت إشراف وزارة التعليم التركية، ومديرو هذه المدارس هم من الأتراك، والمدرسون سوريون، أما المنهاج الذي يتم تدريسه فهو المنهاج السوري الذي قامت الحكومة السورية الموقتة بتعديله، في المدارس كل مستلزمات الطلاب موجودة”.

 

ويُنبّه إلى وجود مشكلة بخصوص التعليم خارج المخيمات، ولا سيما أن كثيرًا من الأطفال نزلوا إلى الشوارع؛ ليعملوا من أجل إعالة أسرهم، وقال: “أعتقد أن حالة التعليم في مخيمات اللجوء أفضل من خارج المخيمات، هنا كل شيء مؤمن لهم، أما هناك فالموضوع مختلف”.

 

مرافق طبية ومراكز تأهيل نفسي

تحتوي مخيمات اللجوء التركية على مستوصفات ومراكز إسعاف تعمل على مدار الساعة، والمستوصف الطبي في المخيمات هو عبارة عن (كرفان) كبير فيها عيادات داخلية، أطفال، نسائية، أسنان، قلبية، وغرفة إسعاف، مفتوحة للاجئين السوريين بالمجان، كما أن المرضى لا يحتاجون لدفع ثمن الأودية التي يتناولونها، فالمستوصف يحتوي على صيدلية صغيرة فيها أكثر الأدوية استخدامًا، أما في حال كان الدواء غير متاح في الصيدلية، فيقوم السوري بطلبه من القائمين هناك وخلال فترة لا تتجاوز 48 ساعة يتم تأمينه له من خارج المخيم.

 

إضافة إلى المستوصفات، أتاحت الحكومة التركية للسوريين فتح مراكز تأهيل نفسي داخل المخيمات، وبالفعل، قام اختصاصيون نفسيون واجتماعيون بفتح مراكز داخل معظم المخيمات، يقومون فيها باستقبال السوريين من الأطفال والنساء يوميًّا، ويقدمون الدعم النفسي لهم، ويديرون فيها برامج تنمية قدرات ومهارات، كل ذلك في سبيل تخفيف المعاناة المركبة داخل نفوس السوريين؛ نتيجة ما اختبروه خلال سنوات من الموت والدمار.

 

العبدو يُدير واحدًا من المراكز المتخصصة في هذا الشأن، داخل مخيم مرعش، وقال: إن هذا المجال “واسع ومؤمن ومفتوح، ونحن في مركزنا نستقبل نحو 70 طفلًا يوميًا، نُقدّم لهم الأنشطة وتنمية المهارات والقدرات، كما نعمل على تفريغ الصدمة الموجودة لدى الأطفال من خلال ما شاهدوه في سورية من قصف ودمار وموت وفقدان”.

 

وأكد على أن بعض المراكز “تعمل على برامج تُقدَّم للنساء، فتقوم بتدريبهن على التفريغ النفسي، الصلابة النفسية، طرق التعامل مع الأطفال والمراهقين، آليات التعامل مع الأزمات النفسية لدى الشباب”، موضحًا أن كل ذلك يتم “بدعم وتعاون كبيرين من الشعب والحكومة التركية، ونحن نجتمع مع المتخصصين في هذا المجال من الأتراك، ومع مسؤولين أيضًا؛ لبحث أفضل الطرق للتخفيف عن السوريين صدماتهم وما عانوه في الداخل السوري”.

وعلى الرغم من كل ما ذُكِر في التقرير، إلا أن عددًا ممن تحدثنا معهم، أكدوا أن الراحة هي في الوطن فحسب، و”مهما كان حال الملجأ الذي نعيش فيه، يبقَ اسمه ملجأً أو مخيمًا، وهذا يعني أن إقامتنا فيه موقتة، وليست طويلة الأمد”، أو هكذا يأملون.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق