ترجمات

أوائل المستجيبين في سورية: “العمل الأكثر خطرًا في العالم”

في يوم الأربعاء، صورة من الأرشيف بتاريخ 16 أيلول/ سبتمبر 2015، رفاق يحملون إلياس محمود الطويل، عضو من منظمة الدفاع المدني السورية، أو ذوي القبعات البيضاء، في أثناء تشييع جنازته في دوما، في ضواحي دمشق. توفي إلياس إبّان إنقاذ ضحايا القصف في المدينة. وأطلقت جماعة سورية متطوعة في عمليات البحث والإنقاذ حملةً لتكسِب أوائل مستجيبيها جائزة نوبل للسلام لعام 2016. تعمل منظمة الدفاع المدني، والتي تعرف كذلك بذوي القبعات البيضاء، في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، والممزقة بفعل الحرب، حيث يتعرضون يوميًّا للقصف من قوات النظام والطائرات الحربية الروسية. ويقول الملحق العالمي للجماعة إنّ مهمتهم هي “العمل الأكثر خطرًا في العالم“.

 

بيروت – استغرق الأمر 30 دقيقة، ليتمكن محمد فضل الله والفريق المؤلف من سبعة رجال إنقاذ، من الوصول إلى الزوجين، متوسّطي العمر، والعالقَين تحت أنقاض بناء شقتهما الذي انهار في مدينة حلب السورية. كانوا قد أُعلموا أن قذيفة صاروخية استهدفت المبنى، وكان عليهم انتظار الحطام حتى يسقط، والغبار حتى ينجلي، كي يباشروا عملية الإنقاذ.

قال فضل الله عن عملية الإنقاذ التي تمت في وقت سابق من هذا الصيف: “صحنا في المكان:’نحن من رجال الدفاع المدني+، هل من أحد يسمعنا هنا؟’ [….] كانوا في الطابق الأول، بوجود أربعة طوابق فوقهم، لكنهم كانوا محميّين تحت سقف الشقة الذي انهار على سفح منحرف”.

كان عملًا اعتياديًا لقوات الدفاع المدني السورية المؤلفة من ثلاثة آلاف شخص، يقومون بعمليات البحث والإنقاذ في ظل مناخ لا يرحم من الحرب الدائرة في مناطق البلاد الممزقة التي تقع تحت سيطرة قوات المعارضة، وحيث رشح داعموهم مستجيبيهم الأوائل لجائزة نوبل للسلام لعام 2016.

وكان المنقذون الذين قاموا بعمليات الإنقاذ في تلك المناطق، وكان من بين من قاموا بانتشاله عمران دقنيش، الطفل ذي الخمسة أعوام، مع عائلته، من تحت حطام الشقة في البناء المنهار ليلة الأربعاء. إذ باتت صورة الطفل الصغير عمران، وهو جالس وحيدًا في سيارة الإسعاف، حائرًا ومغطًى بالوحل والدم، الأيقونة المؤلمة التي لاحقت روحها كل من شاهدها، لتصف مأساة الحرب في حلب.

ويقول الملحق العالمي بالمجموعة، والذي يضم عشرات من منظمات المجتمع المدني السورية في المناطق المعارضة وكذلك في المنظمات الدولية: “إن رجال الإنقاذ في الدفاع المدني – الذين يعرفون بذوي القبعات البيضاء بسبب الخوذات التي يرتدونها– يقومون بـ”العمل الأكثر خطرًا في العالم.”

ويقول فضل الله “الناس يموتون، ونحن نجري باتجاه الموت”. وكان فريق فضل الله قد تمكن من إنقاذ الزوجين العالقَين تحت الأنقاض في شهر حزيران/يونيو وانتشال أربع جثث من تحت تلك الأنقاض بمن فيهم أولئك الذين تحولت جثثهم إلى أشلاء بفعل الانفجار. وقد فقد الفريق اثنين من أعضائه إبّان عملية الإنقاذ تلك.

ويتم استهداف رجال الإنقاذ بشكل منهجي من قوات النظام، وقد أطلق أولئك على التكتيك المستخدم اسم الضربات ذات “الاستهداف المزدوج”.

فبعد عملية قصف ما، تحيط طائرات النظام الحربية بالهدف وتضربه مرة ثانية، أو تقوم بحصار المكان وقصفه بالمدفعية الثقيلة بشكل مكثف.

وكانت الظروف التي فَقد فيها فضل الله زميلًا له في الفريق الأسبوع الفائت مشابهة لتلك. وكان خالد عمران حرة قد استرعى انتباه وسائل الإعلام العالمية، في وقت سابق، بسبب إنقاذه رضيعًا في عمر 10 أيام عالقًا تحت الأنقاض عام 2014، واستغرقت عملية إنقاذه 16 ساعة.

وكان خالد قَيْدَ عمله مجددًا الأسبوع الفائت، حين طلب برفقة فضل الله وخمسة آخرين من رجال الإنقاذ ذوي القبعات البيض للحضور إلى مكان انفجار. وكان الرجال يعملون على انتشال ناجٍ من الانفجار حين وقعوا تحت ضربة ثانية.

قال فضل الله: “لا بد أنهم رأونا ونحن في طريقنا إلى المجيء، ثم بدؤوا في القصف من دبابة وقاذفات صواريخ، وقوى جوية، مستهدفين فريقنا”.

واختبأ الفريق في بناء لم يزودهم بالغطاء الكافي لحمايتهم من القصف، وقتل خالد حرة من جرائه، وأصيب خمسة آخرون من رجال الفريق، وبينهم فضل الله، بجراح، بسبب شظايا القصف، وعلقوا لمدة ساعتين، ولم يتمكنوا من إنقاذ الرجل الذي جاؤوا لإنقاذه.

وكان اليوم التالي لتلك الحادثة مليئًا بالنسبة إلى فضل الله، حيث عاد إلى واجبات عمله المؤلفة من 24 ساعة اعتيادية في اليوم بعد ذلك، على الرغم من بقاء جراحه كما هي من دون علاج.

وقد فقد ذوو القبعات البيض 134 من المنقذين إبّان قيامهم بعملهم، بحسب ما قاله المخرج رائد صالح، بينما أنقذوا 60 ألف روح على حد قول المجموعة. ولم يكن في الإمكان القيام بعملية إحصائية مستقلة من شأنها تأكيد تلك الأرقام.

ويتهم موالو النظام تلك المجموعة بقيامها بمساعدة “الإرهابيين”، وهو تعبير يستخدمه النظام على نطاق واسع لوصف جميع معارضيه المسلحين.

ولا يمكن تفادي جماعات مثل تلك في حرب سورية، حيث تلطّخت أيادي جميع الأطراف بجرائم الحرب عمليًا، بعد خمس سنوات من الاقتتال. وفي كثير من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة، حيث يعمل ذوو القبعات البيضاء، يعيش السكان تحت الحكم القضائي لفصائل معارضة مسلحة، بمن فيهم جبهة “فتح الشام” المتهمة بارتباطها بالقاعدة، والمنتشرة في شمال غربي محافظة إدلب. لكن المدنيين يعيشون هنالك أيضًا، ويقدر عددهم بنحو مليون ونصف بحسب إحصاءات ما قبل الحرب.

خرج ذوو القبعات البيضاء من بين شبكات مكونة من أوائل المستجيبين المتطوعين الذين قاموا بإنقاذ ضحايا قصف النظام وحصاره في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

ومنذ عام 2013، انتشرت المجموعة لتعمل في 119 مركزًا على مساحة البلاد، وحصلت على دعم مادي منظماتي تلقته من “ميديه ريسكيو”، وهي منظمة غير حكومية تتمركز في تركيا وكبرت مع انتشار ذوي القبعات البيضاء لتنظم أعمال التدريب وتزويد أوائل المستجيبين بالمعدات.

وعلى الرغم من الوضعية الجامدة للحرب في سورية، فإن الملحق العالمي للمجموعة يقول إنه حان الوقت لتنال المجموعة ما تستحقه من الاهتمام.

يقول ويندي تشامبرلين، رئيس معهد الشرق الأوسط الكائن في واشنطن: “يجب تكريم مجموعة الأبطال هذه، الذين عملوا دون الإعلان عن أسمائهم لمعظم الوقت، هم يمثلون القيم الحقيقية لجائزة نوبل للسلام”. وكان تشامبرلين قد رشح المجموعة للفوز بجائزة نوبل، والتي ستعلن عن نتائجها في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

ويقول صالح: إنهم إذا نالوا جائزة نوبل للسلام فسيكون ذلك “رافعًا للروح المعنوية”، ولكن تظهر في حديثه أولويات أكبر. ويضيف صالح: “سواء نلنا الجائزة أم لم ننلها، فإننا ندعو إلى وقف قتل المدنيين عبر الهجمات العشوائية في كل مكان في سورية.”

امتدح سياسيون حول العالم شجاعة المجموعة، لكن على الرغم من ذلك مُنع صالح من دخول الولايات المتحدة للحصول على جائزة إنسانية في نيسان/أبريل، وكانت تلك الحادثة قد جعلت داعمي الجماعة يُلقون اللوم على وسائل الإعلام الاجتماعية؛ لإطلاقها حملة تربط المجموعة بجماعة القاعدة.

وبعد تلك الحادثة، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الحكومة الأميركية تقدم، عبر USAID، مساعدات تقدر بمبلغ 23 مليون دولار أميركي لذوي القبعات البيضاء.

 

قبل الحرب، كان فضل الله عامل بناء، ولكن الآن، أصبح كلّ سوري قادر من الناحية الجسدية منقذًا. ويأتي ذوو القبعات البيضاء من مختلف أنواع المهن؛ فمنم نجارون، وطلاب جامعات، ومحامون، وأطباء.

يقول فضل الله: “حمانا الله [….] إن أفضل منظمة موجودة على الأرض هي منظمة الدفاع المدني”.

 

عنوان المادة الأصلي بالإنكليزيةSyria’s first responders: ‘Most dangerous job in the world’
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزيةفيليب عيسى  Philip Issa
مصدر المادة أو مكان نشرها الأصليThe Washington Post
مكان النشر الثانيMiddle East Institute
تاريخ النشرأغسطس/آب  2016
رابط المادة
اسم المترجممروان زكريا

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق