يتعرض الأمن الغذائي السوري لضغوط شديدة، تنقله من مرحلة “الحرج” التي كانت تصفه بها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة العالمية الـ (فاو)، بين عامي 2013 و 2014، إلى مرحلة “الانعدام” في آخر تقاريرها الصادر نهاية تموز/ يوليو 2016.
خروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عن الدورة الإنتاجية، وتراجع مستويات إنتاج القمح (العمود الفقري للأمن الغذائي)، قوّضا أركان هذا الأمن، وجعلاه قاب قوسين أو أدنى من التلاشي، وهو ما يؤكده التقرير الأممي الجديد.
تقرير منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، الصادر في نهاية تموز/ يوليو الماضي، بعنوان “النزاعات الطويلة تسبب ارتفاعات مفزعة في مستويات الجوع الشديد”، ويتضمن تأكيدات على “انعدام خطِر في الأمن الغذائي”، حلّت فيه سورية ثانيًا بعد اليمن في قائمة 17 دولة تشهد نزاعات.
يوضح التقرير أن نحو 8.7 ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، يمثلون نحو 37بالمئة من عدد السكان، و”هم بحاجة ملحة إلى الغذاء، وتعزيز سبل عيشهم عبر مساعدات في مجال الزراعة خصوصًا”.
تقلص مساحات الأراضي المزروعة بالقمح في سورية، قلّص غلال القمح، ما زاد من وتيرة استيراد النظام للقمح؛ تلبية للطلب في المناطق التي يسيطر عليها، وهو ما كشفه أحمد القادري وزير الزراعة في حكومة النظام في تصريحات لصحف محلية، بأن نظام الأسد اضطر إلى استيراد 367 ألف طن من القمح الطري، اللازم للخبز، في الربع الأول من العام الجاري، وفي شهر تموز/ يوليو الماضي طرحت وزارة الاقتصاد السورية مناقصة لشراء 200 ألف طن أيضًا.
من جهته، أكّد حسان محمد، مدير مؤسسة الحبوب في الحكومة السورية الموقتة، أن النظام السوري لم يشتر من الفلاحين -خلال الموسمين السابقين- أكثر من 800 ألف طن من القمح، وقال لـ (جيرون): “الكميات القليلة التي يتسوقها النظام من الفلاحين جعلته يعاني من نقص حاد في مخزون القمح”، مشيرًا إلى أن سورية “تقترب من أسوأ مراحل الأمن الغذائي، حيث خرجت مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة من الاستثمار”.
ومع استمرار حالة الاستعصاء في الإنتاج وغياب الأمن وتهجير نظام الأسد الناس، فإن كارثة ستحلّ الأمن الغذائي السوري، إذ يتشظى هذا القطاع بمكونيه: الزراعي والحيواني إلى حدود “التلاشي” وحذّر المحمد من حدوث مجاعات في المستقبل.
يتمحور الأمن الغذائي السوري حول القطاع الزراعي. ويحتل القمح الرقم واحد في سلة الأمن الغذائي المحلي، وقد تهدد “الرقم واحد” في مقتل حيث تراجع إنتاج القمح من مستويات 4 ملايين طن قبل الثورة إلى نحو400 ألف طن العام الماضي، بحسب ما أعلنه مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة عبد المعين القضماني، في تموز/ يوليو 2015.
وقدرت (الفاو) فجوة القمح السوري عام 2015 بنحو 800 ألف طن، وهي الكمية التي تحتاج السوق إليها علاوة على الإنتاج المحلي؛ لتلبية الطلب الكلي على المادة. وتقدر مؤسسة تجارة الحبوب السورية حاجة السوريين سنويًا بنحو3.2 مليون طن.
ويرى خبراء في الزراعة أن متطلبات الأمن الغذائي الأربعة: الوفرة، الوصول، الاستخدام، الديمومة، تعرضت لتفتت خلال السنوات الأربع الماضية، فالوفرة لم تعد موجودة بعد تقلص المساحات المزروعة بالقمح، وتعطيل نسبة كبيرة من فاعلية الإنتاج الحيواني.
إمكانية الحصول على الغذاء الكافي للأفراد والأسر في سورية، بات أمرًا صعبًا جدًا بسبب ارتفاع الأسعار، كما أن الاستخدام، الذي يعني توافر شروط التغذية الجيدة، يشهد تراجعًا كبيرًا، نتيجة العوامل السابقة.
وفي دراسة أعدها ونشرها مركز (كارنيغي) للشرق الأوسط، من مقره في بيروت، بعنوان “انعدام الأمن الغذائي في سورية التي مزقتها الحرب – من الاكتفاء الذاتي طوال عقود إلى الاعتماد على الواردات الغذائية)، في حزيران/ يونيو 2015، نجد أن حرب النظام الأسدي ضد الشعب، استنزفت الثروة الحيوانية في البلاد (الرافد الثاني للأمن الغذائي السوري)، والتي كان يقدر عددها في عام 2010 بـنحو 15.5 مليون رأس غنم، ومليوني رأس ماعز، لينخفض العدد العام الماضي بنسبة 40 في المئة على الأقل.
وينشط برنامج الغذاء العالمي في الأراضي السورية منذ عام 2011، وتستفيد منه بشكل أكبر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والفضيحة الجديدة عن عقد صفقات بملايين الدولارات بين برامج تابعة للأمم المتحدة ومقربين من النظام تؤكد ذلك.
وفقًا لتصريحات مدير برنامج الغذاء العالمي في سورية، يعقوب كيرن، فإن عدد المستهدفين من السلل الغذائية التي يوزعها البرنامج يبلغ نحو4.25 ملايين سوري. فيما يستفيد نحو 800 ألف سوري شهريًا من السلال الغذائية التي يوزعها الصليب الأحمر. والتي أدلى بها لصحيفة “الوطن” التابعة للنظام في آذار/ مارس 2016.