تتفاقم معاناة اللاجئين السوريين في لبنان يومًا بعد يوم، سواء أكان على المستوى العام، أم على المستوى الفردي، ومن الواضح أن هذا الوضع الإنساني الصعب مرتبط -مباشرة- بالوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يكابده اللاجئون، وأيضًا بالقوانين التي تُحاصرهم باستمرار.
تقول الحكومة اللبنانية: إن اللاجئين “يفقدون صفة لجوئهم الإنساني، إن لم يمارسوا أيّ عمل”، وفي المقابل، يُفرض على اللاجئين إمضاء تعهد بالامتناع عن العمل، في أثناء تجديد إقاماتهم، بينما يعجز اللاجئ عن دفع رسوم الإقامة، البالغة 200 دولار أميركي في السنة، ولا يتوقف الأمر عند الرسوم وحسب، إذ أن أحد شروط الإقامة الرئيسة هو “الكفالة الشخصية”، والتي أصبحت تجارة عامة، يمارسها بعض الكفلاء، حيث بات المطلوب دفع عمولات إضافية للكفيل سنويًا.
من جانب آخر، فإن عدم حيازة اللاجئ السوري على الإقامة القانونية، تُعرّضه لخطر الاستغلال من بعض اللبنانيين، وأيضًا من البلديات؛ ذلك، لعدم قدرته على تقديم شكوى رسمية إذا تعرض لأي انتهاك لحقوقه، خوفًا من الترحيل؛ بسبب عدم امتلاكه أورقًا قانونية.
يتحتّم على اللاجئين السوريين دفع الثمن مقابل لجوئهم، في بعض المناطق اللبنانية، كالرسوم والضرائب التي تُدفع للبلديات المقيمين فيها، تحت مسمّيات مختلفة، كبدل حراسة شرطة البلدية للمنطقة، والتعويض عن السكن الطويل، واستخدام الخدمات والمرافق العامة، وذلك لكل شاب تجاوز عمره الـ 18 عامًا، وإن لم يستطع دفع المبلغ المترتب عليه خلال الفترة الزمنية المحددة، فهو مهدد بالطرد من البلدة.
وفي هذا السياق، تناقل ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ورقة صادرة عن بلدية “نابية” في جبل لبنان، بعنوان “علم وخبر”، تقول: إن البلدية ستقوم باستيفاء رسم الأشغال من اللاجئين السوريين المقيمين في البلدة، يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، ابتداء من 22 آب/ أغسطس، ولغاية 22 أيلول/ سبتمبر، من العام الحالي في مبنى البلدية، وقد أثارت هذه الدعوة حفيظة السوريين واستياءهم، وتعليقًا على ذلك، قال سمير. س، وهو لاجئ سوري في بلدة “نابية”، لـ (جيرون): إن “قيمة الرسوم المترتبة على اللاجئين السوريين الذين يعملون ضمن نطاقها هو 100 دولار أميركي في الشهر، وذلك مقابل خدمة شرطة البلدية؛ لحراستها المنطقة التي يقطنون فيها، وأيضًا، لاستعمال الرصيف وخدمات البلدية المختلفة”.
أغلب اللاجئين في تلك البلدة لا يملكون أوراق الإقامة؛ وبالتالي، لا يمكنهم الخروج منها، وفي المقابل، فإن البلدية تُغطّي مخالفتهم للإقامة أمام السلطات اللبنانية، ويُضيف سمير حول ذلك: “لا يمكن للاجئين أن يتقدموا بشكوى ضد البلديات، والمجموعات التي تبتزهم ماليًا من غير سبب مقنع، وأنا شخصيًا أدفع ما يطلبونه، وهذا أفضل من انتقالي إلى منطقة أخرى، والتعرّض للمداهمات والاعتقالات بسبب الأوراق، أظن أن هذا المبلغ هو لتغطيتنا من الاعتقال”.
يقول اللاجئ محمود، المقيم في بلدية بكفيا: “فرضت البلدية علينا بطاقة تعريف، تجدد كل ثلاثة أشهر؛ هذه البطاقة لا نستفيد منها، ولا نعلم ما الهدف من إلزامنا بها، ورسوم تلك البطاقة 100 ألف ليرة لبنانية، أي حوالي 70 دولار أميركي كل ثلاثة أشهر”، وعن بقائه في هذه البلدة، يتابع القول: “لم أتمكن من تبديل مكان إقامتي؛ لأن الوضع المادي سيئ، والانتقال من مكان إلى آخر يتطلب كثير من الوقت والمصاريف؛ لإيجاد منزل في المناطق المجاورة”.
بينما قال بعض الناشطين اللبنانيين والسوريين: هناك عدة مناطق، وخاصة في جبل لبنان، تفرض مبالغ سنوية، بين 22 إلى 170 دولار، ومن هذه البلديات “قرنايل، بحمانا، ساروغا، شبانية، حراجل، جزين، عين مجدولين، القاسمية، معروب ميروبا في كسروان “.
يُذكر أنه منذ أواخر عام 2014، ازداد عدد البلديات التي اتخذت قرارات، تحظر على اللاجئين السوريين التجول في ساعات محددة، حينها نددت منظمة (هيومن رايتس ووتش)، بفرض حظر التجول، ورأت أنه يخالف القانون، ويساهم في إيجاد مناخ “يشجع على التمييز، وعلى ردود فعل سلبية ضدهم”.
يقول علي، الذي يُقيم في حمانا، التابعة لمنطقة القلعة بجبل لبنان، إن البلدية “تطوّق اللاجئين السوريين بحظر التجول، من الساعة 8 مساءً، وحتى الساعة 6 صباحًا، وفرضت عليهم دفع مبلغ 25 ألف ليرة لبنانية شهريًا، منذ أكثر من سنة”، وأضاف: “يمكننا أن نسدد هذا المبلغ البسيط في الصيف، ولكن في الشتاء لا نقوى على تدبير حتى الطعام لأولادنا، وحال اللاجئين أسوأ مما تظنه الناس والمنظمات”، وتابع بحرقة قلب: “المشكلة تكمن في أننا نُجبر على دفع مبلغ 100 ألف ليرة لبنانية، في حال وجدتنا شرطة البلدية في أثناء حظر التجول، فضلاً عن اعتقالنا”.
المحامي نبيل الحلبي، علّق على موضوع حظر التجول، وفرض رسوم من البلديات، بأنه “يحق للبلديات، وفقًا لاتباع الأنظمة والقوانين، أن تفرض رسومًا مالية، ولكن هذه الرسوم يجب تقنينها وفقًا للأنظمة والقوانين، بموافقة من وزارة الداخلية، أما حظر التجوال إن كان مبررًا، فهو أمر مشروع، وخاصة أن هناك مخاوف من التوتر الأمني، ولكن إن لم يكن مبررًا، فهو قرار من أيدي خفية عنصرية”.
وحول هذه المشكلة، قالت ليزا أبو خالد، من المكتب الإعلامي لمفوضية اللاجئين: “في الوقت الحالي ليس لدينا أي معلومات عن بلديات قد فرضت رسومًا مالية على اللاجئين السوريين في المناطق اللبنانية، ولكن -عمومًا- نحن نتابع مع البلدياِت، إذا وصلنا أي خبر عن مشكلة حصلت مع اللاجئين، ولدينا زملاء على اتصال مباشر مع السلطات اللبنانية والمحافظات، لمحاولة حل مثل هذه المشاكل”.
في محاولة لمقارنة وضع اللاجئين السوريين في لبنان مع نظرائهم في الدول الأخرى، نجد أن تجديد الإقامات في كل من تركيا والأردن أيسر، وحجم الاستغلال أقل، وكذلك حجم المخاطر التي يُحيط باللاجئين السوريين، ومن المفترض أن تتبع الحكومة اللبنانية إجراءات مماثلة، وتأخذ في الحسبان الحالة الإنسانية للاجئين السوريين.