من أهم وأقدم المدن شمالي سورية، ويعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، وعُرفت بأهميتها منذ القدم، فذُكرت في مخطوطات أثرية عديدة؛ لما تحتويه من أماكن مُتأصّلة وعريقة.
كانت متوضّعة على تلٍ أثري على مقرُبة من موقعها الحالي، وبيوتها محفورة تحت الأرض منذ العصر الروماني، أحاط بها سور ضخم، يتخلله 16 بابًا تراثيًا، وفيها كثير من الآثار التاريخية التي تعود إلى لعهد البيزنطي والروماني من المباني والمدافن والخزانات والقنوات المائية.
(أريحا) كلمة آرامية، تعني الأريج أو عطر الزهور الفوّاحة، فعبق التاريخ منثور في شوارعها القديمة، وحاراتها معتّقة بالقناطر والممرات والمباني، وزواياها الأثرية تُنعش الذاكرة وتُطرب الفؤاد.
يحكي المؤرخ أحمد وصفي زكريا، في كتابة “جولة أثرية”، عن جمال أريحا فيقول: “أريحا، وهي بلدة جميلة، نزهة في سفح جبل الأربعين، تعلو البحر بـ 450 مترًا، وهي قاعدة ناحية، تشمل كل من جبل الزاوية وسهل الروج، وفيها مساجد عديدة، وسوق كبيرة وأزقة مبلّطة، وحوانيت ودور حجرية جميلة، وشرب أهلها من صهاريج، يحرز فيها ماء المطر، وتنحدر إليها قناة صغيرة من جبل الأربعين، واسم هذا الجبل من مقام فيه، يُعرف بمقام الأربعين، وهو صحيح الهواء طيب الماء، ذو مناظر رائعة، تشرف على سهول إدلب الشاسعة الحمراء، المزدانة بغابات الزيتون الخضراء، وينمو في هذا الجبل كثيرٌ من الأشجار المثمرة عديًا، أخَصُّها الكرز والوشنة، والكمثرى والتفاح، والتين والعنب، واللوز والجوز، وهو من أحسن أماكن الاصطياف في ديار حلب، لو بُنيت فيه دور وفنادق صالحة لذلك”.
لم تسلم أريحا من قصف قوات النظام، وساهم موقعها الاستراتيجي المتوسط لثلاث محافظات (إدلب واللاذقية وحلب)؛ في تعرّضها لكثير من أنواع القصف والعدوان بالطيران؛ ما أرهق أحياءها وأسواقها، وأطفأ أنوارها.
خرجت إدلب عن سيطرة النظام السوري، منتصف العام المنصرم، وسيطر عليها جيش الفتح إلى يومنا هذا، وتبدو على المدينة النفيسة، ملامح الألم وصعوبة العيش؛ فبعد أن كانت مدينة الماء والسماء، لم يعد يجد أهلوها شرابًا، وأنهك القصف معالمها الأثرية؛ فتبعثرت هيبتها وغابت معانيها.