ربّما يصيب الرعب حامل الكاميرا أو الهاتف الذكي، عند التقاطه صورةً لشابٍ في مقتبل العمر، وهو يبكي داخل مركبة للجيش اللبناني بعد قيام العناصر باعتقاله، بينما كان متوجهًا إلى عمله لتأمين لقمة عيشه، وعيش أسرته، التي هُجّرت بسبب ما آلت إليه أوضاع الحرب في بلده سورية.
نعم إنه الخوف من الاعتقال؛ بسبب التقاطه صورة في بلدٍ، لطالما تغنى -منذ عقود- بحرية الرأي والتعبير. الرعب هو من أجبر المشاهد على إغلاق عدسة الكاميرا، ولكن هل بإمكان المشاهد أن يُجبر ذاكرته على رفض الاحتفاظ بهذه الصورة المحزنة فيها؟ لو كان الأمر بيد السلطات القمعية التي تُمارس الاعتقال والإذلال بحق كثير من الشباب السوري، الذي لا قدرة له على تجديد إقامته؛ لأغلقت ذاكرة المشاهد دون تردد.
لم تتوقف حملات الاعتقال التي تشنها الحكومة اللبنانية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، على الرغم من كل الانتقادات التي تعرضت لها هذه الحكومة، في ما يخص ملف اللاجئين، وكما يبدو أنه لا حلول في القريب العاجل لهذه المشكلة؛ إذ إن الحلول تبقى للتكهنات والشائعات التي تصدر من هنا وهناك فحسب، دون صدور أي مرسوم في هذا الشأن من أي جهة رسمية لبنانية؛ هذا السلوك الذي تنتهجه الحكومة اللبنانية بحق اللاجئ السوري. مع كل تغيير في موازين القوى، يطرأ على الساحة السورية، يجعل اللاجئ يعيش حالة خوف وعدم استقرار، وتعيد إلى أذهانه الممارسات التي كانت تقوم بها قوات النظام القمعي في سورية بحق المعارضين والناشطين السياسيين وكل من يخالفها الرأي.
وفي كل حملة اعتقالات، تقوم بها الحكومة، يكون المبرّر تراجع الوضع الأمني في لبنان، والخوف من فرار عناصر، مرتبطة بالتنظيمات “الإرهابية” التي تشارك في القتال في بعض المناطق السورية، مع المدنيين الفارين من الحرب، وكأن اللاجئ السوري لن يتعرض لأي أذى، وسيكون بمعزل عن أي عمل إرهابي قد يقع في لبنان.
رأينا -خلال الفترة الماضية- طريقة التعامل الإنسانية التي تنتهجها الدول الأوروبية مع اللاجئين الذين قصدوها إثر فرارهم من الحرب؛ وهذا التعامل كان على عكس ما تقوم به الحكومات العربية التي جعلت من اللاجئ السوري عبرة لشعوبها، وكأنها تقول له: إن فكرت يومًا بالتغيير والتحرر، ستلاقي المصير الذي لاقاه اللاجئ السوري.
ربما لبنان، كبلد، غير قادر على تحمّل أعباء هذا العدد الكبير من اللاجئين، كما يدّعي بعض السياسيين الذين تربطهم علاقة صلبة مع النظام السوري، ولكن عندما يكون اللاجئ السوري حاصلًا على ملفٍ من مفوضية الأمم المتحدة، يبيّن أنه قد استوفى شروط اللجوء، يتوجب على الأمم المتحدة أن تقوم بحمايته من الممارسات التي يتعرض لها -يوميًا- في أثناء تنقله بين مكان سكنه وعمله؛ وقد رأينا في الدول الأوروبية، التي منحت حق اللجوء للمواطن السوري، كيف كان تعاطيها مع ملف اللاجئين، من حيث تأمين المسكن والمأكل، ريثما تجري تسوية اوضاعهم ومنحهم اوراقًا تثبت أنهم لاجئون، وفي مرحلة ثانية، تقوم بإعطائهم إقامة؛ لكي يشعرون بأنهم أصبحوا في مكان آمن، كما أنها تخفف عنهم أعباء اللجوء.
على المجتمع الدولي النظر في قضية اللاجئين السوريين في لبنان، والتدخل السريع لحل هذه المشكلة، والضغط -بشكل كبير- لحل أصل المشكلة المتمثل بالحرب في سورية؛ من أجل وقف نزيف الدم في البلاد، وتأمين مناطق آمنة لهم، وإن تعذر ذلك؛ فيجب العمل على إخراجهم إلى دول، تمنح حق اللجوء الإنساني للاجئين؛ من أجل ضمان مستقبلهم ومستقبل أولادهم الذين تأثروا في الحرب الدائرة في بلدهم.