أثار استخدام وكالة الأناضول التركية اسم “جوبان بي” ((Çobanbey، بدلًا من اسم “الراعي” عاصفة من ردود الفعل، تباينت بين اتهام الحكومة التركية بأنها تمارس سياسة “تتريك” جديدة في المناطق التي سيطرت عليها، بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبين من شجع هذه التسمية وعدّها الاسم القديم لهذه البلدة، في حين دعا بعض الناشطين إلى الكف عن تأجيج الفتنة، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي يشهدها الشمال السوري.
فكتابة جوبان بي ((Çobanbey بدلًا من الراعي، والذي تزامن مع حملة ما تُعرف بعملية (درع الفرات) التي تقودها تركيا بالتعاون مع فصائل من الجيش الحر؛ لطرد التنظيمات الإرهابية من حدودها الجنوبية، كان -في منظور بعض السياسيين والإعلاميين السوريين- محاولة لتكريس سياسة تتريك جديدة، وفرض الهيمنة التركية على الشمال السوري، ووصل الأمر إلى درجة وصف بعض الغاضبين ما يحدث بأنه “احتلال تركي”، كما اتهموا التركمان المنتشرين في هذه المنطقة بأنهم يسعون إلى استغلال الوجود العسكري التركي؛ لتكريس وجودهم في المنطقة، ولا سيما أن فرقة “السلطان مراد”، ذات الأغلبية التركمانية، تشكّل أحد أهم فصائل الجيش الحر المشاركة في عملية (درع الفرات)، وهو ما تقاطع مع آراء الناشطين والإعلاميين المقربين من “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي، وميليشيا “قوات سورية الديمقراطية”، الذين رأوا في التدخل التركي احتلالًا للمنطقة التي يعدّونها جزءًا مما يطلقون عليها “غربي كردستان” (روج آفا)، وتسمية البلدات والقرى بأسماء تركية تأتي في هذا السياق.
إن هذا التقاطع في الطرح بين ناشطي “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وبعض ناشطي الثورة، أثار حفيظة بعض الناشطين التركمان، خاصة أن بعض الأصوات وضعت التركمان في خانة “حزب الاتحاد الديمقراطي” نفسها، وأن من يقف وراء تغيير الاسم هم التركمان السوريون؛ حيث بلغ الأمر ببعض الناشطين والسياسيين التركمان حد المطالبة بتغيير اسم البلدة والقرى التي لها اسم تركي في المنطقة، وهو تغيير خطِر في الخطاب التركماني الذي كان -إلى وقت قريب- يوصف بأنه الأكثر اعتدالًا بين باقي الأقليات القومية في سورية.
ومن الأصوات التي دعت إلى تغيير اسم مدينة الراعي إلى “جوبان بي”، العضو السابق في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، عن الحركة التركمانية، زياد الحسن، الذي دافع عن الفكرة، وقال لـ (جيرون): “إن تسمية بلدة الراعي بـ (جوبان بي) عودة لاسم البلدة المتعارف عليه من سكانها والقرى المحيطة بها، والذي تم تغييره من حكومة الوحدة بين سورية ومصر، وجاء حكم البعث؛ ليكرس هذا الاسم، لكن اسم (جوبان بي) بقي متداولًا بين الأوساط الاجتماعية في البلدة والقرى المحيطة، دون أن يشكل هذا الموضوع أي رد فعل لدى سكان المنطقة، والموضوع ليس مرتبطًا باسم بلدة الراعي فحسب، وإنما هناك عشرات القرى تم تعريب أسمائها، لكن مازال اسمها الأصلي هو المتداول بين الناس، ومن يتابع الإعلام التركي يجد أن تسمية ((Çobanbey كان سابقًا لعملية (درع الفرات)، وإثارة هذا الموضوع، في هذا التوقيت، وتوجيه الاتهامات للتركمان بالاستقواء بالجيش التركي، فيه كم من الإهانة، لا يمكن قبوله، والمستفيد منه هم دعاة تقسيم سورية وليس نحن”.
وعن النقد الموجه له بأنه يكيل بمكيالين حيال اعتراضه السابق على إطلاق اسم (كوباني) على مدينة عين العرب، وباقي البلدات التي تم تكريدها عنوةً، وقبوله بالاسم التركي لبلدة الراعي، قال الحسن: “إن اسم (كوباني) ليس اسمًا كرديًا، بل اسم مشتق من كلمة كومباني (شركة) الأجنبية، في حين هناك العديد من المناطق تم تغيير أسمائها إلى أسماء كردية، على الرغم من رفض أبنائها تغيير الاسم، كمدن تل أبيض، ورأس العين، ومنبج”.
في حين رأى العديد من الإعلاميين والناشطين بأن إثارة الموضوع في هذا التوقيت، يراد منه الفتنة، وتأجيج الخلافات بين السوريين، خاصة أنها المنطقة الوحيدة التي نجت -إلى الآن- من الانقسام الاثني الذي تشهده بقية مناطق الشمال السوري، وأن وراء هذه الفتنة أتباع مشروع ما يسمى بـ “الإدارة الذاتية” الذي يطرحه “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي، والذين من مصلحتهم حدوث تصدعات جديدة في المنطقة؛ لتنفيذ أجنداتهم غير الوطنية، حيث يؤكد الصحافي أيمن محمد لـ (جيرون) أن “بعضهم، وخاصة المحسوبين على مليشيات (قوات سورية الديمقراطية)، يُحاولون إثارة الفتن بين العرب والتركمان، وخاصة بعد الإنجازات العسكرية الكبيرة، عبر عملية درع الفرات التي حققت نجاحًا باهرًا، تفاجأ بها أعداؤها الذين عولوا على فشل العملية العسكرية، فإذا بها تخالف توقعاتهم، وتحرر كامل الشريط الحدودي المحاذي لتركيا، بين مدينتي إعزاز وجرابلس، بطول 90 كيلومترًا، وعمق يتراوح من 10 كيلومترا و20 كيلومتر خلال أقل من أسبوعين”.
وأضاف محمد: “إذا أردنا معرفة من يثير الفتن، علينا أن نبحث عن أكثر الأطراف تضررًا من عملية (درع الفرات) شمالي سورية، وهي ميليشيات (قوات سورية الديمقراطية) التي حاولت -جاهدة- عبر أبواقها الإعلامية، تصوير الجيش السوري الحر على أنه مرتزقة تابعين للأجندات التركية، وإظهار المرتزقة الذين يقاتلون معهم بمظهر الجالبين للديمقراطية والحرية، وسقطت هذه الدعاية المضللة مع تحرير الجيش الحر -بدعم جوي ومدفعي تركي- المدن والبلدات، واحدة تلو الأخری، واستقبال المواطنين السوريين، بعربهم وتركمانهم وأكرادهم، لأبنائهم، في حالة من الفرح عمت كل المناطق المحررة من ميليشيات (قوات سورية الديمقراطية)، ومن تنظيم الدولة الإسلامية، على السواء”.
وعن أسماء القرى يقول محمد: “اليوم، وبعد أن فشلوا في دعايتهم، بدؤوا بإثارة أكاذيب عن تغيير أسماء المدن والبلدات في الشمال السوري، وخاصة في تلك البلدات التي نعرفها -كعرب- قبل أي أحد آخر في المنطقة، على أنها ذات أغلبية تركمانية، وخاصة في بلدة الراعي بالعربية و(جوبان بيه) بالتركمانية، والقرى المحيطة بها، وهناك كثير من القرى في منطقتنا تُعرف باسمين معًا (الراعي، جوبان بيه)، و(الحجلية، ككلجة)، و(طيشاتان، مرمى الحجر)، وعشرات القرى الأخرى التي لها اسمان؛ وهذا متعارف عليه حتى قبل اندلاع الثورة السورية، ولم يُثر إطلاق اسم عربي أو تركماني عليها أي حساسية لدى البقية، على الرغم من أن هناك قرى بأسماء تركمانية تسكنها أغلبية عربية، وفي المقابل، هناك قرى بأسماء عربية، تسكنها أكثرية تركمانية، ولم يتحسس الناس من هذا الموضوع، بل يعدونه أنموذجًا للتنوع الثقافي الذي تمتاز به هذه المنطقة، فما معنى إثارة هذا الموضوع في هذا الوقت الحساس بالذات؟ ومن مصلحة من إثارة النعرات القومية؟ في حين قلوبنا معلقة بمعارك حلب التي تشهد معارك مفصلية في تاريخ الثورة السورية”.
يُذكر أن بلدة الراعي السورية تبعد مسافة ستين كيلومترًا شمال شرق مدينة حلب، وتقع في منتصف المسافة بين مدينتي جرابلس وإعزاز، بلغ عدد سكانها 15,378 نسمة، بحسب تعداد عام 2004، وأغلبهم من الأقلية التركمانية، ولم تشهد المناطق السورية ذات الأغلبية التركمانية -منذ بداية الثورة- أي دعوات انفصالية، وهو ما أدى إلى هذه العاصفة من الانتقادات؛ لأنها تزامنت مع التدخل العسكري التركي ضمن عملية (درع الفرات).