تعاني مدن وبلدات وادي بردى، في ريف دمشق، أوضاعًا إنسانية صعبة جدًا، في ظل استمرار الحصار “الجزئي” منذ أكثر من ثلاث سنوات، تخللتها فترات طويلة من الحصار المطبق، الأمر الذي جعل أكثر من 150 ألف مدني، بينهم 50 ألفًا -على الأقل- نازحون من المناطق الساخنة، يعايشون أحوالًا سيئة بسبب انعدام شبه كامل للمواد الغذائية والطبية، وقلة فرص العمل، وصعوبة الخروج والدخول إلى بلدات الوادي، إضافة إلى الاستهداف المستمر للطرقات بالقصف والقنص، ويأتي كل ذلك ضمن سياسات ممنهجة للنظام وحليفته إيران ووكلائها من الميليشيات على الأرض؛ لتغيير التركيبة الديموغرافية في محيط دمشق، بما يساعد في تشكيل كيان عميق للنظام، يمتد من مناطق الساحل نحو العاصمة عبر مناطق القلمون، ومن بينها الوادي، كورقة ضغط مفيدة لأي مسار تفاوضي محتمل، يعاد فيه تعويم وإنتاج النظام، وفق ما أكده ناشطون من المنطقة.
الوضع الميداني والإنساني
أكد مصدر عسكري، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ (جيرون) أن الوضع الإنساني داخل بلدات وقرى الوادي سيئ جدًا، وأوضح أن النظام “يحاصر الوادي من كافة المحاور، محور بلدة دير قانون، ومحور بسيمة، ومحور بلدة إفرة، الأكثر خطورةً، بسبب استهدافه يوميًا بالقنص والقصف؛ ما أدى إلى نسبة دمار هائلة في البلدة، دفعت إلى إخلائها من سكانها جميعًا، إذ يحاول النظام -يوميًا- التقدم عبر هذا المحور؛ للضغط على المقاتلين داخل بلدات الوادي، علاوة على رصد الطرقات، وقطعها بالقنص المتواصل؛ للتضييق على المدنيين”.
من جهته قال الناشط الإعلامي عباس الغضبان لـ (جيرون): “معظم قرى وبلدات وادي بردى تُعاني من حصار جزئي منذ سنوات، يترافق مع تشديد أمني غير مسبوق على حركة الأهالي، ودخول المواد الغذائية والطبية، حواجز النظام تمنع إدخال المواد الأولية ومواد البناء مطلقًا، أما المواد الغذائية، فتدخل، لكن بكميات محدودة، تكاد لا تسد الرمق، في حين أن الأدوية والمواد الطبية يطالب النظام وحلفاؤه بشروط تعجيزية للسماح بإدخالها، علاوة على فرض إتاوات على دخول المواد التموينية والغذائية، وهو ما يتسبب بارتفاع كبير في الأسعار، كذلك تطلب حواجز النظام من النازحين إلى مناطق الوادي أوراقًا مختومة من المختار؛ تثبت أنهم يسكنون في إحدى مناطق الوادي، في كل مرة يعبرون فيها تلك الحواجز”.
وعن إمكانية فك الحصار، والسماح بحرية الحركة، من وإلى قرى وبلدات الوادي، قال الغضبان: “حتى الآن لا يوجد أي مؤشر واضح إلى نية النظام، أو الميليشيات المساندة له، لفك الحصار عن قرى وادي بردى، ولم يتقدم بأي شروط جديدة بشأن ذلك، أما بالنسبة للفاعليات المدنية والعسكرية داخل الوادي، فواضح أن المسعى الرئيس، هو وقف استهداف المناطق السكنية والطرقات بالقصف والقنص؛ بما يسمح بحرية الحركة للمدنيين، مقابل ضمان استمرار تغذية أحياء العاصمة بمياه الشرب، عبر نبع عين الفيجة الخاضع لسيطرة المعارضة”.
لماذا الإصرار على بلدة هريرة
ذهب عديد من التحليلات إلى أن أهداف النظام وحلفائه من التضييق على الوادي، وتحديدًا بلدة هريرة، تدخل ضمن مخططات فرض أمر واقع على الأرض، مرتبط بتغييرات ديمغرافية، لا تتعلق بوادي بردى فحسب، وإنما بمناطق القلمون الغربي كاملة؛ لجعلها ملحقة بمناطق نفوذ حزب الله داخل الأرضي اللبنانية، في سياق مشروعات جيوسياسية بإمكانها تعزيز نفوذ النظام وحليفته طهران، وهو ما أكده المصدر العسكري بالقول: “النظام يهدف إلى خنق الثوار داخل بلدات الوادي، من خلال السيطرة على بلدة “هريرة” لأنها الفاصل بين عمق بلدات الوادي والجرود الجبلية مناطق انتشار الثوار، وبالتالي، في حال أحكم سيطرته على البلدة، فذلك يعني قطع طرق الإمداد والمواصلات، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الضغط على الثوار؛ للقبول بشروط النظام ضمن مشروعات المصالحة، والعودة إلى “حضن الوطن”، كمقدمة لتغييرات ديمغرافية، كما حصل في الزبداني وغيرها”، مضيفًا: “من هنا تأتي أهمية هريرة، إضافةً إلى كونها منطقة مرتفعة تشرف على معظم مواقع تمركز قوات النظام والميليشيات المساندة لها”.
الوضع الميداني داخل بلدة هريرة حاليًا
روجت وسائل إعلام مُقرّبة من النظام أن قوات النظام، مدعومة بالميليشيات، سيطرت على بلدة هريرة ومحيطها، الأمر الذي نفاه المصدر العسكري، مؤكدًا أن المهاجمين “سيطروا على قلب البلدة بعد أن استخدموا المدنيين دروعًا بشرية؛ ما اضطر المدافعين عن البلدة للانسحاب باتجاه منطقة (حف هريرة) والجرود القريبة منها؛ حمايةً للمدنيين”، موضحًا أن “النظام لم يقاتل في هريرة، بل شارك في عمليات الإسناد من خلال القصف، وأن ميليشيات حزب الله اللبناني هي التي قاتلت، وأن احتلال هريرة ما يزال بعيدًا عن مخططاتهم؛ فمنطقة الحف والجرود مازالت تحت سيطرة الثوار، ولن تسقط بإذن الله، وهنيئًا للميليشيات الطائفية انتصاراتها الخسيسة، باستخدام المدنيين دروعًا بشرية، ومن ثم تهجيرهم، وتفجير المنازل داخل البلدة الصغيرة”.
مستقبل وادي بردى
أكد الغضبان أن مستقبل الوادي مرتبط بالمعطيات المتغيرة والمتحركة على الأرض، وقال: “في حال استمرار النظام ومن يسانده باستهداف المدنيين قنصًا وقصفًا، واستمرار الحصار؛ فذلك سيضطر الثوار، داخل بلدات وقرى الوادي، للرد بالوسائل المتاحة كافة، بما فيها وقف ضخ المياه من نبع عين الفيجة، باتجاه العاصمة دمشق؛ ما يعني تحول المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة، أما إن التزم النظام بالاتفاقات الموقعة، ورفع الحصار؛ فذلك يعني أن المنطقة ستكون آمنة دون أي مشكلة، وهو ما يريده الجميع هنا؛ حمايةً لأرواح الأطفال والنساء. وتجدر الإشارة -هنا- إلى أن الثوار لا ينتشرون في قلب البلدات أو القرى، وإنما في الجرود والتلال المحيطة بها؛ ما يعني بُطلان أي ذريعة عسكرية؛ للاستمرار بقصف الأحياء السكنية الخالية من المظاهر المسلحة”. وأوضح المصدر العسكري أنه لا يمكن التكهن بمستقبل المنطقة، فكل شيء ممكن، وقال: “هناك معطيات على الأرض تشير إلى حشود عسكرية ضخمة للنظام وحلفائه، على كافة محاور الوادي، وهناك خلافات حادة بين النظام وميليشيات حزب الله، في ما يخص التعامل مع المنطقة، وبلغت ذروتها في منطقة (التكية)، من جهةٍ أخرى، المعلومات التي لدينا عن الوادي-من خلال اجتماعات (لجان المصالحة)- تؤكد أن قيادة النظام العسكرية للمنطقة، لا تسعى إلى التصعيد، وتريد التهدئة، إلا أن حزب الله هو من يضغط باتجاه التصعيد واقتحام مناطقنا، على أي حال، نحن جاهزون لكل الاحتمالات، واستعداداتنا -بإذن الله- ممتازة، وسنتصدى لكل المحاولات الرامية إلى إخراجنا من بلداتنا وقرانا، وأقول للسوريين بأن بلدات الوادي لن تسقط، ولن يتمكن مرتزقة حزب الله من اقتحامها”.