قضايا المجتمع

الأمم المتحدة تستنفد كل فرص التعاون مع المنظمات الإغاثية

يومًا تلو الآخر، تتوسّع خارطة المناطق السوريّة المحاصرة، وتلك التي يصعب الوصول إليها بسبب تطويق النظام السوري لها، وليس للمدنيين فيهما سوى انتظار الفَرَج والرحمة من الأمم المتحدة التي صرّحت -في آخر بيان لها- بوجود أكثر من نصف مليون إنسان سوري، يُعانون مرارة الحصار والجوع والمرض، في حين تؤكد منظماتٍ أخرى، أن عدد المحاصرين يفوق المليون والنصف.

بات إيصال المواد الغذائية والطبيّة إلى تلك المناطق عبئًا ثقيلًا، ويهدد سير عمل المنظمات الإنسانية والإغاثية، التي بدأت تشعر بالعجز، وبعدم جدوى أعمالها، أمام إحصاءات تزداد فيها -يوميًا- أعداد ضحايا الجوع والمرض، واعترافاتٍ من الأمم المتحدة بأن عملية إيصال المساعدات ليست على ما يرام.

تُبرهن الأحداث الأخيرة على أن المنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في سورية، ليست مُقتنعة بكل التبريرات التي تقدّمها المنظمة الدولية، ففي منتصف حزيران/ يونيو من العام الحالي، اتّهمت 55 منظمة سوريّة، الأمم المتحدة، بـ “الانحياز” إلى النظام، في عملية إيصال المساعدات إلى السوريين، في المناطق المحاصرة، وأصدرت تقريرًا مفصّلًا بشأن ذلك، وكان الردّ العاجل من مسؤول في المنظمة الدولية أن عملية إيصال المساعدات “ليست مثالية”، لكنه شدّد على أن الأمم المتحدة تواصل مساعدة السوريين وفق الحاجة.

خلُص تقرير المنظمات الإنسانية والإغاثية إلى أن “الأمم المتحدة اختارت الامتثال للقيود المفروضة من الحكومة السورية على نشاطها وعملياتها على الأرض؛ وكنتيجة لذلك، درجت في الأمم المتحدة ثقافة الخضوع في التعاطي مع الحكومة؛ بالتالي، لم تُظهر وكالات الأمم المتحدة رغبة فعليّة في ممارسة أي ضغط؛ للوصول إلى المناطق الخارجة عن نطاق سيطرة الحكومة السوريّة”.

وفي الخميس الماضي، أعلنت 73 منظمة إنسانية وإغاثية عاملة في سوريّة تعليق تعاونها مع الأمم المتحدة، متّهمةً الوكالات الإنسانية التابعة للمنظمة الدولية، وشركاءها، بالخضوع لنفوذ النظام السوري، وبعدم بذل جهدٍ حثيث لمواجهة ما وصفتها بـالكوارث الإنسانية في المناطق المحاصرة خصوصًا، وفي أنحاء سورية عمومًا، وأصدرت بيانًا موقّعًا بأسمائها، طالبت فيه الأمم المتحدة بالتحقيق في عمل وكالاتها في سورية، ودعت إلى تشكيل لجنة مراقبة للإشراف على عمل الإغاثة، وأعلنت انسحابها من برنامج تبادل المعلومات مع الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات، ريثما يتم اقتراح آلية جديدة خالية من أي نفوذ سياسي للنظام الأسدي على وكالات الأمم المتحدة.

في سياق متصل، كانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد كشفت في تقرير لها، نُشر أواخر الشهر الماضي، تورّط مسؤولين وهيئات في الأمم المتحدة مع مسؤولين من النظام السوري، خاضعين لعقوبات دولية، ومتّهمين بارتكاب جرائم فساد، ودعم مالي لأنشطة مشبوهة بعشرات ملايين الدولارات، وكانت قد أفادت العديد من الوسائل الإعلامية بأن هناك صفقات كبيرة، تُبرم بين موظفي الأمم المتحدة وبين موظفين حكوميين سوريين، تقضي بتحويل المساعدات الواصلة من منظماتٍ دولية وإنسانية غير حكومية عدّة، إلى شيكّات بمبالغ مالية يتقاسمها الطرفان.

جدير بالذكر، أنه منذ أيام انتشرت صور ومقاطع فيديو لسكان في بلدة مضايا المحاصرة يطهون جرذًا ليتناولوه، وأوضحت مصادر من داخل البلدة أن المساعدات الأممية لم تدخل إليها منذ أكثر من أربعة أشهر، والقافلة المُزمع إدخالها أوائل الشهر الحالي جرت عرقلتها أيضًا.

إلى ذلك، أفادت الأمم المتحدة في تقريرها أن النظام هو من يعطّل دخول المساعدات، فمن بين كل الطلبات المقدمة له لا يوافق إلا على نسبة ضئيلة منها، وأكدت شهادات بعض الأهالي من حي الوعر المحاصر الذي لم تدخله المساعدات أيضًا منذ نحو شهرين، أن الأمم المتحدة لا تبذل أي جهد لإدخال المواد التموينية الضرورية؛ وحتى المواد التي سبق إدخالها لم تكن مقبولة من حيث الكم والنوع.

لا توجد -إلى الآن- إحصاءاتٌ دقيقة بأعداد الأشخاص الذين قضوا جوعًا أو مرضًا في المناطق السوريّة المحاصرة، ولكن واقع الحال لا يبشّر بخير، ولا سيما أن المنظمة الدولية التي يعّول السوريون عليها، تتسبّب لهم بخيبات أمل كثيرة، تبدأ بفشلها بإنقاذ المدنيين من الموت جوعًا، ولا تنتهي بعجزها عن ردع النظام الأسدي عن استخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب.

Author

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق