هموم ثقافية

الوجه الآخر للصورة

عدد من وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونيّة نبَّهت إلى أنه مع أيلول الجاري تكون قد حلَّت الذكرى السنويّة الأولى (!) على ظهور صورة الطفل السوريّ (آلان)، المُكبّ على وجهه فوق رمال شاطئ تركي، والتي أقامت قيامة وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، في مختلف أنحاء الدنيا، من دون أن تُقعدها.

وأغلب الظنّ أنني كنت من قلّة قليلة، لم يسرّهم الاهتمام الإعلامي الكاسح الذي جرى، والانتشار النادر في اتساعه الذي تحقّق لهذه الصورة؛ إذ من الغريب -بل الموجِع الجارح- أن تمضي كوارث، وأهوال مزلزلة لشعب كامل بالملايين -تمَّ عرضها بالصوت والصورة- لم تجرِ من قبل في التاريخ الحديث، من دون أن تقوم قيامة الإعلام على النحو الذي قامت، من جرّاء تلك الصورة، ومن دون أن يهتمَّ هذا العدد الكاسح من البشر، في مختلف أنحاء العالم، بالكمّ الذي اجتمع للصورة.

لكأن المسألة مزاج صرف؛ نحن نهتمُّ حين نريد ذلك، ونغضُّ الطرف حين يشاء لنا الهوى، مهما كانت المآسي والآلام، والاستبداد الطليق، والإبادة والتطهير العرقيّ، والخروقات الفاضحة لحقوق الإنسان، تجري في وضح النهار، وعلى مرأى من العالم أجمع.

خمس سنوات، اهتمَّ خلالها الإعلام الأجنبيّ، ولكن ليس بالقدر المفروض إزاء إبادة شعبٍ على يد طغيان حاكم، وانشغل الرأي العام العالميّ ولكن بما يقلّ حتى عن انشغاله وتعاضده إزاء إحراق وإبادة ملايين من الأشجار المثمرة، على سبيل المثال!

بلى؛ لم يكن الاهتمام الاستثنائي بصورة الطفل آلان، أو بمشهد الذهول المصدوم للطفل عمران، تعبيرًا أو كناية عن الاهتمام الإعلامي والبشريّ العالمي بالثورة السوريّة والشعب السوريّ؛ إنّه ليس سوى شعور بالشفقة، تثيره صورة ضوئيّة لوضعيّة طفل مرميّ على شاطئ، وفضول بمعاينة سكونٍ غير مألوف لطفل مدمّى.

لو كان الأمر خلاف هذا، لكانت التصدّعات والجروف والانهدامات، وأنهار الدم في حياة السوريين، من جرّاء ماكينة القتل التي يديرها الطغيان الحاكم، كافية تمامًا لقيامة العالم عن بكرة أبيه.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق