لا يبدو الاتفاق الأميركي – الروسي الذي أعلنه وزيرا خارجية القوتين العظميين في جنيف أمس، قد جاء بجديد على صعيد وضع حد لنهاية الحرب التي يشنها النظام الأسدي على السوريين، فالجانبان يعملان معًا -منذ أشهر- على محاربة الإرهاب، أو ما يسميانه “التشدد الإسلامي”، كأولوية لهما على حساب سورية، التي أوصلاها -بتهيئة من النظام- إلى أن تكون ساحة لقتال “المتشددين” الذين جاؤوا من أنحاء العالم المختلفة.
عناوين الاتفاق التي كانت تُرسم على الأرض طوال فترة الحرب، بات قسم من بنودها -الآن- مُعلنًا، فالجانبان: الأميركي والروسي، سيشكلان “مركز تنسيق عسكري مشترك”، كما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي أضاف أن مهمته محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، ولم يشأ كشف مزيد من التفاصيل، إلا أنه قال: إن هناك وثائق لا يمكننا الحديث عنها؛ لأنها تحتوي على أمور حساسة، تتعلق بمحاربة الإرهاب.
الوزير كيري من جهته، كشف عن أمر في منتهى الخطورة، وهو التعاون مع النظام، من باب محاربة الإرهاب، وقال: “اتفقنا على ألا يقوم النظام بإنزال الضربات الجوية في مناطق محددة، إلا أنه لن يتم وقف الضربات كافة، لأن هناك “داعش” و”فتح الشام” اللتين علينا مواصلة الهجوم عليهما”؛ وهذا يعني أن النظام وحلفاؤه سيستمرون في أعمال القتل والتدمير ضد السوريين، تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”، في حين على فصائل الثورة أن تلتزم بوقف إطلاق النار، أو ما يُسمّى بـ “الأعمال العدائية” التي ستبدأ مع بداية عيد الأضحى، وسيخضع ذلك لمراقبة أميركية.
الوزير لافروف، الذي بدا ممسكًا -أكثر من أي وقت مضى- بملف القضية السورية، كوصي على البلاد وعلى النظام، بتفويض أميركي، قال: “نحذّر جميع مجموعات المعارضة التي ترى العمل المشترك مع فتح الشام شرعيًا، نحذرها جديًّا. نحن والولايات المتحدة نلتزم بفعل كل ما في وسعنا؛ لكي تقوم كل الأطراف بالالتزام بالوثائق التي اتفقنا عليها، و”الحكومة السورية” على دراية بهذه الاتفاقات، ومستعدة لتنفيذها.
النظام، وبحسب لافروف، سيتولى -بموجب الاتفاق- إيصال المساعدات الإنسانية من خلال “الهلال الأحمر”، التابع له، إلى المناطق التي تحتاج إليها، وليس بواسطة منظمات إغاثة دولية، ولا بإشراف أممي؛ ما يعني أنه سيتم تقاسمها في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ومن جمعيات ترعى وتدعم أعمال الشبيحة والميليشيات الطائفية التابعة لإيران، والتي تقوم بقتل المدنيين السوريين، وقصف المناطق الحاضنة للثورة.
بالنسبة للمسار التفاوضي، فقد تزامن الإعلان عن الاتفاق الأميركي – الروسي مع اجتماعات كان يعقدها في موسكو نائب وزير الخارجية الروسي، بوغدانوف، مع ممثلي منصات موسكو والقاهرة وأستانة، قدري جميل، وجمال سليمان، وجهاد مقدسي، ورندا قسيس، والهادفة -بحسب ما يدعوه لافروف بكسر احتكار الائتلاف للمعارضة، وقال: “بعض أطراف المعارضة تُقدّم نفسها على أنها هيكل وحيد، وهناك محاولات لشرعنة وحدانية هذه الأطراف، لكن كما قلنا، يجب عدم الإخلال بالقرار 2254، الذي ينص على تعددية المعارضة السورية”.
وأوضح أن العودة إلى المفاوضات “ليست مسألة تقررها الولايات المتحدة، بل الأمم المتحدة على أساس القرار 2254، بمشاركة المجموعات المعارضة السورية، بما فيها منصات موسكو والقاهرة وغيرها؛ إذ نلتزم إطلاق مفاوضات جنيف في القريب العاجل، ولا حل في سورية إلا بالحل السياسي الجامع، والمفاوضات السورية – السورية، وسيتم تقديم الاتفاقات التي وصلنا إليها اليوم، إلى المجموعة الدولية لدعم سورية، ومجلس الأمن الدولي”.
مع الاتفاق الأميركي – الروسي، لا تبدو هناك عناصر إلى جانب الثورة السورية، ولو بالحد الأدنى، فمحاربة الإرهاب، وهو العنوان الأبرز، يُعطي غطاءً أميركيًا روسيًا، بتفويض من مجلس الأمن، للنظام والإيرانيين وميليشياتهم، لاستمرار قتل المدنيين وتغيير طابع سورية الديمغرافي، من خلال المصالحة، بمعنى الرضوخ أو الهجرة والرحيل من البلاد، وهو ما يجري العمل عليه الآن، في المعضمية في ريف دمشق على سبيل المثال.
ومع الاتفاق سيئ الذكر، وتداعياته على الساحة السورية، ستبنى مفاوضات محدودة الأوراق التي تمسك بها الهيئة العليا للمفاوضات، والتي ستكون أحد أطراف المعارضة السياسية، وهي أمام خيارات؛ إما رفض الاتفاق؛ وستكون بذلك قد انضمت والقوى وفصائل الثورة التي تمثلها إلى “داعش” و”فتح الشام”، وإما الموافقة، وستكون قد انضمت إلى محور السياسة الروسية والخضوع لوصايتها.
يبقى تمسك فصائل الثورة بالأرض، وهو ما تقوم به، الأساس لمواجهة اتفاق، هو الأخطر على الثورة، وبغياب الدعم، أو محدوديته، من القوى التي طرحت نفسها “نصيرًا” للثورة السورية، يحتم الاعتماد على الذات، وعدم الرضوخ، وهو ما يعطي أملًا بنجاح واستمرارية الثورة، التي وقفت ضدها معظم دول العالم بشكل معلن أو خفي، وما كشفه الاتفاق، يُعطي مزيدًا من الأدلة على حقيقة الموقف الأميركي، وعلى عدم الرهان على أي جهة خارجية.