سورية الآن

اسطبل ومكاتب لرفعت الأسد بـ 20 مليون يورو

رفعت الأسد، عم رأس النظام السوري بشار الأسد، تحت المجهر من جديد، وهذه المرّة مجهر القضاء الفرنسي، الذي تحرّك ضده وأمر بمصادرة منزلين فخمين، واسطبلًا في منطقة باريس، قُدّرت قيمته بـ 7 ملايين يورو، ومكاتب في مدينة ليون بقيمة 12.3 مليون يورو، ويُعد هذا القرار استكمالًا لقرار سابق، صدر في حزيران/ يونيو الماضي، ووضع رفعت الأسد في دائرة الاتهام، وبالحصول على “أملاك غير مشروعة”، بالفساد وغسيل الأموال والتهرب الضريبي، وعمليًا، هي اختلاس أموال السوريين.

يعود أساس هذه القضية إلى عام 2013، حيث تقدمت جمعية “شيربا”، وهي منظمة تختص بالدفاع عن المتضررين من الفساد الاقتصادي، تقدّمت بدعوى إلى القضاء الفرنسي، وابتدأت -حينئذ- التحقيقات في ممتلكات رفعت الأسد، وطالت مقرات بعض شركات في لوكسمبورغ، وأوردت وكالات الأنباء المختلفة، أن محققين فرنسيين قدّروا قيمة أملاكه مع أسرته، في فرنسا وحدها، بـ 90 مليون يورو، وكان قرار صدر عن القضاء الفرنسي في تموز/ يونيو الماضي، يأمر بمصادرة عدد من ممتلكاته، وهو، بحسب ما أوردته وكالات الأنباء عن القضاة، قرار ضروري لمنعه من التصرف بممتلكاته أو بيعها.

تلك الشخصية التي ربما تكون شبه غامضة بالنسبة لعدد من الأجيال الشابة؛ إذ لم يلمسوا ما لمسه الجيل الذي سبقهم، من ويلات هذا الرجل وأتباعه الذين استباحوا كل شيء، بدءًا  بالمظاهر العامة التي أساءت إلى الذوق العام في الشوارع والساحات الرئيسة، إلى مجازر حماة وسجن تدمر وغيرها، ذلك الجيل الذي رأى سيارات الزيل العسكرية كيف كانت تتوقف عصرًا في قلب العاصمة دمشق، مقابل فندق سميراميس، لينزل منها المئات من عناصر سرايا الدفاع التابعة له، وينتشروا -عن عمدٍ وتصميم- بين الأهالي في الأماكن العامة، وهم بلباسهم العسكري الذي يميّزهم، من الجامعة إلى ضفاف نهر بردى، إلى ساحة الحجاز وسوق الصالحية فالحميدية.

رويدًا رويدًا تعسكر الشارع، وتحول إلى ما يشبه الثكنة المتنقلة، يتبختر عناصره بين المارة والمسدسات على خصورهم، ينظرون بفوقية لكل من في طريقهم، ليحولوا قلب العروبة النابض إلى قلب معتلّ مرتجف باهت، وبخطة مدروسة باتت تساهم بدورها المعهود في تشويه القيم العامة للمجتمع، وكسر كل العادات والتقاليد التي كانت أشبه بالقوانين الناظمة لعلاقات الناس.

رفعت الأسد لم يكن ضابطًا فحسب، بل سمسار بعثات تعليم وشهادات جامعية عليا مزورة، وتاجر آثار محترف، وحامي حمى البعث وتعييناته في بعض الوزارات، وعناصر سرايا الدفاع خاصته، كانت عبارة عن قطّاع طرق من النوع الرخيص الذي يمكن أن يصادر حتى دراجة هوائية من طفل، إذا أعجبت أحدهم، يشترون من الأسواق ونادرًا ما يدفعون، لا يدفعون في باصات النقل الداخلي، ولا يلتزمون بدور على مؤسسة، أو منفذ بيع مهما كان، رواتبهم ومكافآتهم عالية، ولم يكن يحلم بها أي صاحب شهادة عليا، وطعامهم مختلف عن طعام كل عناصر الجيش، هم النخبة التي تحمي حمى سلطة آل الأسد حينها، وقائدهم رفعت بالنسبة لهم هو أهم من حافظ الأسد رئيس جمهورية الآثار المنهوبة.

رفعت الأسد يقرر حكم إعدام وهو يعفو عمن يشاء، إنه المدّعي والقاضي والحاكم العرفي، ومن النادر أن يكون مجندًا خدم في سراياه قد أنهى خدمته في وقتها، فكانت الخدمة تمتد لسنوات تحت عنوان الاحتياط، ولا يتجرأ عنصر أو ضابط على تقديم طلب إعفاء أو تسريح؛ فهذا يعني أنه لا يريد الخدمة تحت ظل (المعلم)، كما كانوا يسمونه كأي (بلطجي)، حتى أن أي سيارة حديثة ممنوع أن يركبها أحد، إن كانت فخمة، فالفخامة في سورية له وحده، ويصادرها لخدمة الوطن بلحظة، قصص هذا الرجل لا تنتهي على الرغم من أنه غادر في الثمانينيات، ولم يغادر إلا بعد تفريغ خزينة الدولة كجائزة ترضية، فضلًا عما دفعه بعض القادة والأمراء العرب آنذاك له، ومنهم القذافي، حيث تضافرت الجهود الداخلية والخارجية وقتئذ، ليغادر إلى موسكو، ثم أوروبا، فيستقر بين لندن وباريس وإسبانيا، كرجل أعمال يتمتع بحصانة أوروبية، قد تكون جزءًا من هذه الحصانة العجائبية، التي امتلكتها هذه الأسرة على الرغم من كل جرائمها، وهي حالة نادرة في العصر الحديث، كما نرى مع جرائم بشار التي يبحث لها المجتمع الدولي عن منافذ لتسييسها، وفرضه على السوريين كمحاور يقرر مستقبل وطن.

بعد مغادرة رفعت سورية حلّ حافظ الأسد سرايا الدفاع، وتولى إدارة المهمة باسل الأسد، وتم توزيع ضباطها وعناصرها على بقية القطع العسكرية، وأهمّها الحرس الجمهوري الذي لم يكن يختلف عنها إلا في أسماء قادته.

مع فتح الباب لمحاكمة رفعت الأسد، بتهم الفساد الاقتصادي والتربح غير المشروع، ومنعه من مغادرة فرنسا، يدرك السوريون أن هذا ليس له علاقة بالجرائم التي ارتُكبت بحقّهم في السبعينيات والثمانينيات، والتي ترتقي لجرائم حرب كما يصفها القانون الدولي، وهذه القضية التي يتوقع متابعوها أن تنتهي التحقيقات فيها بحلول عام 2018، لتبدأ بعدها مرحلة المحاكمة التي قد تستمر سنوات. إنها محاكمة رجل أصبح عمره 78 سنة، أي ضعف عمر جرائمه في سورية التي مر عليها نحو 35 سنة، ويعرف ذوو الضحايا أو المغيّبين الذين -حتى الآن- لم يدل بأي معلومة عنهم، إن العالم بقضائه ومؤسساته الفاعلة ترى -بأم أعينها- ما يفعله ابن أخيه على الهواء مباشرة، بل قد نكتشف لاحقًا أن أمواله تدار في دول، لطالما عبّرت عن صداقتها للشعب خلال هذه الثورة، بل الخشية أن تكون محاكمته هي لإلهاء الرأي العام بها، والتغطية على عدم محاكمة بشار الأسد على ما ارتكبه من جرائم ضد الإنسانية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق