قضايا المجتمع

العمل الإعلامي في الجزيرة السورية “نعمل ولا نأكل”

في ظِلّ غياب القوانين تغيب الإنسانيَّة كذلك، وتغدو الثورة محاولة عكسيَّة لاسترداد ذاتها الأوليَّة على أقلّ تقدير، وأداة لتصحيح ما اعوجّ خلال العمر الافتراضي الذي يقاس على نسبة المعاناة.

نعمل ولا نأكل

يقوم العديد من السوريين، ممن يُتقنون فن الكتابة، ولديهم القدرة على متابعة الأحداث، السياسية منها والاجتماعية، بالعمل في الميدان الإعلامي، لكن أحوال عملهم ليست بتلك السهولة، ويتعرضون لشتى أنواع المشكلات والمخاطر، وأحيانًا الابتزاز.

يقول زياد (24 سنة)، وهو مراسل لإحدى الإذاعات المحليَّة في محافظة الحسكة، وطالب جامعي في “جامعة الحسكة”، رفض الكشف عن اسمه؛ مخافة فصله من عمله: “أعمل كمراسل ميداني في وسيلة إعلاميَّة، بدءًا من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا، وبأجر بخس جدًا مقارنة بما يدخل إلى هذه الوسيلة الإعلامية من تمويل لا نعلمه، فأحد أهمّ الشروط هو أن تقبض المرتّب الشهري، ولا تسأل من أين المصدر”، وأضاف: “تقطعت بنا نحن -الشباب- السبل، ولا نستطيع أن نعمل في أعمال أخرى، بحكم أنّ العمل في الإعلام يتيح لنا أن نتابع دراستنا؛ لأنّه عمل يتّسم بالمرونة، ومحترم نسبيًا، لكن أنا شخصيًا صُعِقت من خلال عملي، ولاحظت كمّ الاستغلال والمحاباة في توزيع الرواتب بين العاملين، وتمييز المقرّبين من مدير المشروع، الذي غالبًا ما يكون مقيمًا في دولة أوروبية، فر من المنطقة ويعتاش على ما يُمنح له كلاجئ، في وقت ما كان يجب عليه أن يفعل ذلك بحكم الأمان النسبيّ في منطقة الجزيرة في شمال شرقي سورية، ويبقى -بالنسبة لنا- “المدير الشبح” الذي لا نراه، فقط نسمع صوته عبر الـ “سكايب”، أو نتلقّى أوامر العمل عن طريق رسائل إلكترونيَّة، ولا يحقّ لنا أن نسأل أو نستفسر عن سبب تدنّي الرواتب، وإن حصل، يتمّ الردّ بشكل ضبابي، والتحجج بالأوضاع الماديَّة المتدهورة وقلّة التمويل، فيما نحن نلمس حجم المبالغ المقدمة إلى الوسائل الإعلاميَّة”.

خبرات معدومة

غالبًا ما يكون صاحب، أو مدير، بعض المشروعات الإعلاميَّة قليل الثقافة والمعرفة، وأتاحت له الأوضاع بعض العلاقات؛ ليقيم مشروعًا إعلاميًا، علاقات مع منظمات مانحة بحكم الإقامة في أوروبا، المعروفة بمثل هذه الفرص؛ ما ينعكس سلبًا على بقيَّة العاملين، خاصة ممن يملكون كفاءات عمليَّة جيدة في هذا المجال، الذي بات مفتوحًا لأيّ شخص كان، ويقول الصحافي ز. ع. “هذه مشكلة قديمة قدم الثورة السورية، فبعضهم استغل المظاهرات لتغطيتها، وتدبير أموره الشخصية، ونجح بعض منهم في الحصول على دعم مادي؛ لإقامة مشروع إعلامي في منطقة كانَ كل شيء فيها ممنوعًا تحت سلطة البعث، هذا الأمر سبَّب خللًا في التركيبة الإعلاميَّة، أعني مسألة الترتيب الهرمي لمن يستحقّ أو لا يستحقّ، وفق الخبرة والكفاءة، وتم تجاوز المهنيّة كثيرًا، فعمل كثيرون دون عقود، أو بأجور غير واضحة، أو متدنية، وطُرد كثيرون بناء على مزاج المدير، وهو ما يوحي بوجود فساد وتسلّط مشابه لفساد وتسلط النظام الأسدي الذي ثار الشعب السوري ضده.

العمل في الخارج

فرّ عدد كبير من الصحافيين إلى خارج سورية؛ للعثور على فرصة عمل خارج المؤسسات الإعلاميَّة العاملة في الداخل، بناءً على أفكار تمّ تكوينها خلال عامين أو يزيد، ويقول أحد الصحافيين السوريين، المقيم في الخارج: “لا أودّ ذكر اسمي؛ لأننا لا نزال نعيش في سورية، حيث مازال القمع الممارَس من السلطات الحاكمة، وكمّ الأفواه، والحدّ من حرية الصحافة، والفساد المالي الذي دمّر كل شيء، كلّه مازال قائمًا، ولا بدّ من ثورة مغايرة ومضادّة تمامًا هناك؛ كي تنتهي المرحلة السابقة”.

ويبدو أن قدر هذه المهنة، كقدر سائر المهن السورية الحساسة، التي تسلّق جدرانها كثيرون، لم يحترموا كونها سلطة رابعة، لها أهميتها العالية، في بناء المجتمع، وفي تشكيل الرأي العام والتوجيه، وتعاملوا معها كفرصة؛ لتكوين ثروات، أو لتمرير مصالح ذاتية ضيقة، حتى وإن كان على حساب الشباب الثوري السوري الواعد.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق