تعرضت محافظة درعا، ومازالت، لحملة انتقادات واسعة، على خلفية صمت الجبهات جنوبًا، وعدم التحرك؛ لمؤازرة المناطق التي تشهد معارك مفتوحة مع النظام وحلفائه، في ريف دمشق وفي شمالي البلاد، هذه الانتقادات تصاعدت كثيرًا، ووصلت حد اتهام العديد من الهيئات الثورية العسكرية والمدنية بانخراطها في مشاريع مصالحة وتهدئة مع النظام، بالاعتماد على بعض الواجهات العشائرية والعائلية، المرتبطة ببعض الفصائل وبالتنسيق مع الروس، وعلى الرغم من نفي معظم الفاعليات في المحافظة لوجود مثل هذه المشاريع، يُصرّ بعضهم على أن بلدات عدة من حوران أبرمت -على الأقل- اتفاقات تهدئة مع النظام السوري، واحتفظت باستقلال إدارة شؤونها، وتسيير الأمور الحياتية في داخلها، دون وجود لمؤسسات النظام.
المصالحة فقاعات إعلانية من النظام
يؤكد العديد من المؤسسات المدنية، والفصائل العسكرية، في درعا عدم وجود أي نية أو أسس لمشروعات مصالحة مع النظام الأسدي، داخل البلدات والقرى الخارجة عن سيطرته، مشددةً على أن هذه المسائل تأتي في سياق الحملة الدعائية للنظام؛ لإثبات أنه مازال متحكمًا بمسار الأمور.
وفي هذا المعنى، قال يعقوب العمار، وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية الموقتة، لـ (جيرون): “كل ما يُثار عن مشاريع مصالحة في حوران مجرد شائعات، يُشرف عليها ويديرها إعلام النظام، وانجرّ وراءها بعض الحمقى المحسوبين على الإعلام الثوري، وأُعطي الموضوع أكبر من حجمه بكثير، وحقيقة المسألة أن كل بلدة أو قرية ما يزال يوجد في داخلها أشخاص أو أزلام لهذا النظام المجرم، من الحزبيين القدامى وبعض المنتفين والمرتزقة، هم الذين يروجون لمثل هذه الشائعات، تحت عناوين الحفاظ على الدولة، والعودة إلى حضن الوطن، أما على أرض الواقع، فلا توجد، ولن توجد، مشروعات مصالحة في حوران”.
لم يختلف أبو رضا أبو نبوت، قائد لواء توحيد الجنوب بدرعا، مع العمار، وقال لـ (جيرون): “لا توجد مصالحة في حوران، وكل ما يثار الحديث حوله، ويتم الترويج له في وسائل الإعلام، هي فبركة من النظام وبعض المرتبطين به لمصالح شخصية، أو عدد من مؤيديه من أهالي حوران الذين مازالوا في مناطقنا، الواقع يقول: إن محافظة درعا مازالت تحت قصف الأسد، وخاصةً مدينه درعا، وحتى اللحظة تخوض المعارك ضد النظام ومن والاه، ولا يمكن أن تبرم صلحًا مع قاتل وسفاح؛ حتى لو دفعنا حياتنا جميعًا ثمنًا لذلك”.
وأوضح أبو نبوت “أن المقصود من الترويج لمثل هذه الشائعات هو كيل الاتهامات لحوران، والتي وصلت حد تخوينها، وإعطاء صورة بأن مهد الثورة تركت ركب الثوار وذهبت إلى قطار المصالحات والمصالح الشخصية، لكن من يتابع الوقائع جيدًا، يدرك أن ذلك لن يحصل، فيوميًا محافظة درعا تقدم الشهداء، وتتعرض للقصف بأعتى الأسلحة، وتخوض المعارك دفاعًا عن الأرض والعرض، وهذا سيستمر ولن يتوقف، فالأعمى يعرف أن من نقاتلهم لا يفهمون سوى لغة السلاح”.
درعا ترفض المصالحة
أكد العمار، أن الهيئات الثورية في حوران، بشقيها المدني والعسكري، ترفض هذه المشروعات رفضًا قاطعًا، مشيرًا إلى أن بيانات عديدة صدرت من مجلس محافظة درعا، طالبت الجهات القضائية والفصائل العسكرية باعتقال كل من ينخرط في هذه المشروعات، أو تُسوّل له نفسه الدخول في دهاليز المصالحات، وأوضح “لا يمكن أن تنجح المصالحات في حوران، وعلى الرغم مما يظهر بين الحين والآخر، عن وجود مصالحة هنا أو هناك، لا يمكن أن تستمر، لأنه -وببساطة- المناخ الذي تستفيد منه المروجون لمثل هذه المشروعات، هو هدوء وركود الجبهات؛ وبالتالي، ستسقط كل هذه المشروعات والشائعات مع أول شرارة تنطلق من أي جبهة من جبهات حوران، ولن يبقى في الجنوب متسع لمثل هذا الكلام”.
بدوره قال أبو نبوت: “جميع الهيئات والمؤسسات المدنية، وإلى جانبها الفصائل العسكرية، ترفض أي صلح مع من سفك دماء الأطفال في حلب وإدلب وبانياس وحمص وداريا ودمشق ودوما، وكل أراضي سورية، كيف يمكن أن نهادن من هجّر شعبنا ودمر المدن على رؤوس ساكنيها، نحن من درعا نعاهد شعبنا بأننا مستمرون في قتالنا لهذا النظام الفاسد، وأؤكد بأن حوران لم ولن تصالح، وستبقى (أم اليتامى)، وستكون كما عهدتموها، وستشهد لها المعارك والانتصارات خلال تحرير ما تبقى من بلادنا”.
تداعيات مشاريع المصالحة
كذلك أكد العمار، أن مشروعات الهدن والمصالحات “لها انعكاسات سلبية وخطِرة على الثورة، أولها استغلال هذه المشروعات من النظام إعلاميًا لإعادة تسويق نفسه، وإيهام العالم بأنه يسيطر على مجريات الأمور، وأن العديد من المناطق تطالب بعودة الدولة وخروج المسلحين؛ الأمر الذي يمكن القول بأنه يأتي في سياق الحرب النفسية على الثوار؛ بهدف التأثير على معنويات المقاتلين والمدنيين داخل المناطق المشتعلة، وأيضًا، فإن النظام يستغل هذه المشروعات عن طريق أدواته وأزلامه؛ لإحداث شرخٍ اجتماعي وقيمي داخل المناطق المحررة، حيث شهدت عديد المناطق التي انخرطت في اتفاقات مصالحة مع النظام، اشتباكات بين المدافعين عن هذه الاتفاقات والمعارضين لها، والمستفيد الأكبر -نهاية- هو النظام وحلفاؤه”.
وشدد على أن الثورة “مستمرة”؛ لأنه “لم يطلقها شخص؛ كي يوقفها قرار شخص أو مجموعة، لأنها ثورة شعب، وستستمر مهما حاول أزلام النظام ومرتزقته إظهار أن الأخير يسيطر على منطقة هنا أو هناك، هم يراهنون على عامل الوقت، وأنا أؤكد لهذا العالم بأن شعبنا لن يفنى، ولن تنتهي الثورة، ولن يتوقف الأحرار عن نضالهم؛ حتى تتحقق الحرية، ويُحاكم كل من ارتكب الجرائم بحق هذا الشعب الأعزل”.