تعاني مناطق سورية كثيرة من الحصار الممنهج، المُرتكب من النظام الأسدي وحلفائه، وعلى الرغم من سعي الأمم المتحدة (النظري) إلى تقديم يد العون إلى كل المتضررين في أنحاء سورية، وخاصة المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة، إلا أن التقارير الدولية تؤكد أن مساعدات الأمم المتحدة باتت مُسيّسة، وتدعم النظام لا المعارضة، وتصب أموالها في جيوب رجال النظام ورموزه؛ ما زاد من سوء الأوضاع المعيشية للسوريين في مناطق سيطرة المعارضة، وطرح تساؤلات تتعلق بفساد هذه المنظمة وتسييس عملها، ومدى ارتباطها بالسلطات الأمنية والمخابرات السورية.
وكانت صحيفة الـ (غارديان) البريطانية قد كشفت، في تحقيق نُشر في الآونة الأخيرة، أن الأمم المتحدة منحت عقودًا بعشرات الملايين من الدولارات لأشخاص مقربين من النظام السوري، أو مؤسسات حكومية تابعة للنظام، كجزء من برنامج مساعداتها لسورية، على الرغم من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام ورموزه ومؤسساته، وأشار التحقيق إلى حصول شركات وأشخاص خاضعين لعقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية، على مبالغ كبيرة من الأمم المتحدة أو هيئات تابعة لها، فضلًا عن منظمات حكومية وأخرى إغاثية.
وحول الدور الي يعده السوريون “مشبوهًا” للأمم المتحدة في سورية، قال المعارض بدر الجاموس لـ (جيرون): “الغالبية العظمى من موظفي الأمم المتحدة في دمشق يُعيّنون بترشيحات من السلطات السورية، ومن خلال التجربة، أيقنّا -كمعارضة- أن الأمم المتحدة غير قادرة على العمل بالشكل الصحيح؛ لأنها تحضع لرقابة مخابرات النظام، فإضافة إلى قيام الأمم المتحدة عام 2014، ببعض الخروقات، بشأن المساعدات المقدمة منها، باتت الآن تُساعد النظام في عمليات التهجير القسري، متمثلة في تصريحات مستشارة مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفاني خوري التي دعت أهالي داريا للخروج من المدينة في أكثر من مناسبة.
وفي التقرير، أشار رينود ليندرز، الخبير في الدراسات الحربية في جامعة كينغر كوليج، في العاصمة البريطانية لندن، أن قيمة المساعدات التي قدمتها الأمم المتحدة إلى سورية وصلت إلى 1.1 مليار دولار عام 2015، مشيرًا إلى أن 900 مليون دولار من إجمالي تلك المساعدات ذهبت إلى مؤسسات تابعة -بشكل مباشر وغير مباشر- إلى النظام.
ونوهّ الجاموس بأن خروقات المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة “وصلت إلى توزيع الأمم المتحدة المساعدات الإنسانية على موظفي شركة الاتصال “سيرياتيل”، التابعة لرامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، وهناك كثير من المساعدات “المقدمة” من الأمم المتحدة غير حقيقية، بمعنى أن الأمم المتحدة، قدمت بعض المساعدات غير الملائمة كشامبو القمل، فالمناطق المحاصرة تحتاج إلى الطعام بشكل رئيس لا إلى تلك المواد الهامشية والتي لا تعني شيئًا”، وبخصوص التحقيق الذي كشفته الـ (غارديان) عن تقديم الأمم المتحدة المساعدات إلى النظام أعتقد أن أغلب المساعدات المقدمة للنظام حقيقية وصحيحة”.
من جهته، عبّر المعارض السوري جورج صبرا لـ (جيرون) بقوله: “للأسف، فقد عجزت الأمم المتحدة عن تنفيذ مسؤولياتها، وفق قرارات الأمم المتحدة 12 و13 و14 الخاصة بالعمل الإنساني، فالمساعدات التي قدمتها الأمم المتحدة إلى المناطق المحاصرة، كانت أقل بكثير من المطلوب، فهي كـ (الضحك على الذقون)، حيث قامت الأمم المتحدة بتوزيع (بيدونات) بلاستيكية فارغة إلى الغوطة، وثياب شتوية بعد انتهاء الشتاء، ومستلزمات طبية غير مطلوبة، جميعها علامات تدل على عدم التوازن لعمل الأمم المتحدة، بين النظام السوري وقوى المعارضة”، وأضاف “استطاعت وسائل الإعلام أن تكشف تحيّز الأمم المتحدة للنظام السوري من خلال المساعدات التي قدمتها بشكل غير مباشر للوزارات والمنظمات التابعة له، مشيرًا إلى أن عمل الإغاثة في العديد من المناطق السورية تدار من الهلال الأحمر السوري، والتابع -مباشرة- إلى مخابرات وأجهزة النظام، حيث قام بتوزيع المساعدات على هواه، ولأشخاص لا يستحقون الإغاثة”.
ونوّه صبرا، إلى أن الأمم المتحدة “شكّلت أداة ضغط على المواطنين في مناطق الثورة، فهي لم تقم بدورها الأساسي بالمساعدات الإنسانية، إنما لعبت دورًا في المصالحات، وإخلاء المواطنين في بعض المناطق، وذلك خدمة للنظام، بالحقيقة إن الأمم المتحدة كانت أداة لخدمة القوى الكبرى كروسيا وإيران”، وحول تقرير الـ (غارديان) عن مساعدة الأمم المتحدة للنظام، قال: “نحن نتعامل معه، على أساس أنها أرقام صحيحة، ما لم تُقدّم الأمم المتحدة حقيقة أخرى، وفي ظل صمت الأمم المتحدة حيال ذلك تعد هذه الأرقام حقيقية”.
وأضاف: “كمعارضة سورية وقوى ثورية، نُطالب الأمم المتحدة أن تكون حارسة للأمن والاستقرار في سورية، لا أن تكون في العربة الخلفيّة لقاطرات الدول، وأن تمارس دورها وفق القرارات الدولية والمبادئ الأساسية التي أُنشئت المنظمة من أجلها”.
وفي هذا السياق، طالب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الأمم المتحدة، بالتحقيق في تورط مسؤوليها في قضايا فساد مع النظام الأسدي، وقال الائتلاف في بيان نُشر على موقعه الرسمي: إن تقرير الصحيفة “يُشكّل رأس جبل الجليد في علاقات مشبوهة، أقامها مسؤولون يمثلون المنظمة الدولية في دمشق، وتشمل صلات مثيرة للريبة”، وأضاف: “سبق أن أبلغ الائتلاف الأمم المتحدة رفضه أن يكون مكتبها الرئيس في دمشق مسؤولًا عن نشاطها اللوجستي وترتيبات لقاءاتها”، مشيرًا إلى أن المعارضة طلبت أكثر من مرة التحقيق في وصول مساعدات، قدمتها منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة، إلى معسكرات النظام وميليشياته، ووثقوها بالمعلومات والصور، إلا أنها لم تحظ حتى الآن باهتمام مسؤولي المنظمة.
من الضروري أن تعمل الأمم المتحدة في سورية وفق المبادى الإنسانية الأساسية، وأن يتصف عملها بالحياد والنزاهة والاستقلال، لا أن تضع نفسها في خانة “المشبوهين”، وأن تنحاز بشكل فاضح؛ فتمنح المساعدات الإنسانية لرموز النظام ومؤيديه، وتحرم الملايين من السوريين من المساعدات الإنسانية “الأممية”.