حاول النظام الأسدي طوال خمس سنوات، وضع حد لتطلعات السوريين نحو الحرية والكرامة، وخلال حربه الشرسة ضد هذه التطلعات، استنزف قواته العسكرية البشرية، وعمل جاهدًا على تجنيد وتوظيف طيف المجتمع السوري في هذه الحرب؛ لسد حاجته من المقاتلين، وتعويض النقص البشري المتزايد في صفوف قواته وميليشياته.
لم يعد دور المرأة -بالنسبة للنظام- المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية، ولم يعد يرى فيها ذلك العنصر المهم في المجتمع الذي يمكن أن يبني الأجيال، ويؤهل المجتمع لحياة أفضل، بل صار يرى فيها عنصرًا يمكن أن يرفد به قواته العسكرية وآلته الحربية، ودفعها للانخراط في المجال العسكري الحربي، دون أن يعير أي أهمية للدور الخطِر الذي منحها إياه، مقابل متطلبات حربه الميدانية الطاحنة ضد الشعب السوري.
لبوات الأسد
شهد العام الماضي أول إعلان للنظام، عن استحداث كتيبة “لبوات الأسد”، وهي كتيبة خاصة بالنساء في صفوف قواته العسكرية، وألحق هذه الكتيبة بالحرس الجمهوري التي تُعدّ قوات النخبة في جيشه، فاتحًا الباب أمام المئات من النساء اللواتي تطوعن للخدمة كقانصات، يعملن إلى جانب قوات الحرس الجمهوري، في مواجهة الشعب في المناطق المحاصرة، والجبهات الساخنة ضد المعارضة السورية المسلحة.
وحول هذه الظاهرة، قال أبو علي، الملازم أول في الجيش الحر، لـ (جيرون): “السبب الرئيس وراء تجنيد النساء، هو الحاجة الملحة إلى عناصر قتالية في جبهات القتال ضد الجيش الحر، إضافة إلى تزايد أعداد القتلى والجرحى في جيش النظام، وكثرة الانشقاقات التي أحدثت خللًا كبيرًا في بنيته العسكرية”.
وأضاف: “لبوات الأسد، هو الاسم الذي أطلقه النظام على هذه الكتيبة النسائية، وينحصر عملهن في تثبيت النقاط التي تُسيطر عليها قوات الأسد، وتأمين تغطية نارية لعناصر الاقتحام خلال المعارك، التي تدور بين الأبنية والشوارع. مشيرًا، في الوقت نفسه، إلى أن النساء ينحدرن من مناطق الساحل التي تعدّ الحاضنة الشعبية الأبرز للنظام”.
وتابع: “يرابط القسم الأكبر من هذه الكتيبة في جبهات القتال الساخنة في داريا -قبل التسوية الأخيرة مع النظام- وحي جوبر الدمشقي، وفي مدينة حمص، حيث وُزعت العشرات منهن على الأبنية التي لها موقع استراتيجي، وأعطى أوامره لهن بقنص أكبر عدد ممكن من البشر، عسكريين ومدنيين، بعد دورات تدريبية أجريت لهن على استخدام القناصات”.
مخبرات
لكن دور المرأة عند النظام لا يقتصر على القنص وقتل البشر مباشرة، وإنما لهن أدوار أخرى، وعن بعض هذه الأدوار، قال الناشط الإعلامي أبو البراء الدمشقي لـ (جيرون): “لجأ النظام السوري إلى أساليب متعددة في مواجهة الجيش الحر، منها تجنيد النساء -كمُخبرات- لصالحه، ضمن المناطق الخارجة عن سيطرته، مستغلًا حالة الفقر والفاقة للعائلات المحاصرة هناك”.
ونوه إلى أن عمل المرأة المُخبرة “لا يقتصر على جمع المعلومات والمراقبة فحسب، وإنما يتضمن تسليم بعض المطلوبين للنظام، أو اغتيال بعض القادة العسكريين البارزين عبر وسائل متنوعة أبرزها السم”.
في العاصمة دمشق، تتلقى النساء المتطوعات تدريباتهن على الفنون القتالية كالرماية والقنص، بالتزامن مع برامج رياضية؛ لرفع مستوى اللياقة البدنية، داخل الأكاديمية العسكرية للفتيات، أو في منطقة “الدريج” قرب مطار المزة العسكري؛ ليتم بعدها إرسالهن إلى النقاط والمواقع المخصصة لهن في جبهات القتال.
ومن الصعوبة بمكان معرف العدد الدقيق، ولا حتى التقريبي، للنساء المحاربات في صفوف قوات النظام السوري، خاصة وأنهن يعملن مع الجيش الأسدي، ومع الميليشيات الطائفية المسلحة غير، لكن بعض المصادر تقول: إنهن بالآلاف، ويزداد عددهن باضطراد شهريًا.
ومن الجدير بالذكر، أن الجيش الحر تمكّن من قتل العديد من فتيات كتيبة “لبوات الأسد”، إما عبر الاشتباك المباشر، أو من خلال استهدافه المتكرر لحافلات المبيت التي تقلّهن في أثناء عودتهم من جبهات القتال في الغوطة الغربية إلى العاصمة دمشق.