لماذا سيكون السيد الأسد مسرورًا من اتّفاق كيري الأخير مع روسيا لإيقاف القتال؟
يكرّر التاريخ نفسه في بعض الأحيان، ففي شهر شباط/ فبراير، وقف وزير الخارجيّة الأميركي “جون كيري” إلى جانب نظيره الروسي “سيرجي لافروف”، ومبعوث الأمم المتّحدة “ستيفان دي ميستورا”، لإعلان وقف الأعمال العدائيّة على امتداد البلاد في الحرب الأهليّة السوريّة البائسة، والمستمرّة منذ خمس سنوات. قام نظام الرئيس بشار الأسد، في الأشهر الستّة التي تلت ذلك الاتّفاق، وبمساعدة دعم جويّ روسي، بمحاصرة الثوار في مدينة حلب لمرّتين، وبقصف عشرات مشافي، وإلقاء البراميل المتفجّرة وغاز الكلورين بحريّة مطلقة. لذلك، في إمكاننا تفهّم الشك الذي في مقدور المراقبين الشعور به حيال اتّفاق القوى العظمى؛ عندما أعاد الرجال الثلاثة تكرار “الحركات” نفسها في التاسع من أيلول/سبتمبر “حتّى إنّ ربطة عنق السيّد كيري الحمراء، والواضحة في الصورة أعلاه، بدت وكأنّها لم تتغيّر”.
يقدّم الاتّفاق، على الورق، تفاصيل أكثر بكثير من اتّفاق شهر شباط/فبراير، وكما يسمح، لأوّل مرّة، لـ”مركز التنفيذ المشترك”، الأميريكي- الروسي، بـ “ملاحقة النصرة”، على حد تعبير مسؤول أميركي، مشيرًا إلى “جبهة النصرة”: الجماعة الجهاديّة التي كانت إلى وقت قريب تابعة للقاعدة؛ لكنّها أعادت تسمية نفسها بجبهة فتح الشام. وفقًا للاتّفاق، لن يكون ممكنًا للحملة ضدّ تلك الجماعة أن تبدأ إلّا بعد مرور سبعة أيّام على خفض مستوى العنف، والذي من المقرّر أن يدخل حيّز التنفيذ في الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر.
سيكونُ ممكنًا للأطراف كلّها أن توجّه الضربات للدّولة الإسلاميّة، لكن إن دعمت روسيا هذا الاتّفاق، فسيكون من الصعب على النظام، والمقاتلين الشيعة الأجانب، التقدّم في حال إعادة استئناف العنف؛ فعلى الرغم من الدعم الروسي، يلاحظ قائد في المعارضة، احتاج النظام إلى شهرٍ كامل لإعادة فرض الحصار على مدينة حلب بعد كسر الثوار له في الشهر الماضي.
وإن كان الثوار قد عبروا عن دعمهم الحذر للاتّفاق بعموميّاته، فإنّ تفاصيله، أو غيابها، يبقيهم متيقّظين؛ فقد تحدّث السيد كيري، في جنيف، عن “خفض” العنف، وليس عن إيقافه بشكلٍ كامل، كما قال أنّ النظام سيوقف عمليات القصف الجويّ في مناطق مفتاحيّة لم يتم الكشف عنها؛ ما يقترح أنّ الهدنة قد لا تنطبق على كلّ البلاد، كما أضاف السيد لافروف بأنّ قوّات النظام الجويّة ستواصل عملها في مناطق أخرى، خارج إطار المناطق التي تمّ انتقاؤها للتعاون العكسري المشترك الأميركي الروسي.
وكما كان الحال في السابق، يبدو أنّ اتفاق السيد كيري يفتقر إلى الآليات المُلزِمة بتنفيذه، بالإضافة إلى غياب الوضوح عمّا إذا كانت الأطراف الأخرى الأجنبيّة العديدة والمتورّطة في الحرب الأهليّة كانت قد وافقت على شروطه؛ حيث أشارت القوى الأوروبيّة، والتي تدعم الثوّار بحذر، إلى موافقتها، وكذلك فعلت تركيّا، والتي تعدّ داعمًا أقوى لهم. لكنّ تركيا، والتي قد قامت بتطويق الأراضي في شمالي سورية، وبإعادة تجديد صلاتها مع روسيا، قد تكون في وضع جيّد لإجبار مجموعات المعارضة التي تدعمها على التزام الاتّفاق. أمّا المملكة العربيّة السعوديّة وقطر، والتي تموّل جماعات مسلّحة، بعضٌ منها مجموعات جهاديّة، فلم تقوما بالتعليق على الاتّفاق حتّى الآن، كما يحيط الغموض بنيّات أعدائهما، كإيران، وحزب الله اللبناني (بشقّيه السياسي والميليشيوي)، والميليشيّات الشيعيّة من العراق – والتي أرسلت آلاف المقاتلين لمساعدة السيّد الأسد في شنّ حربه من أجل مدينة حلب– وهنا يتساءل الثوار إلى أيّ حد من الممكن لاتّفاق كيري، بتصعيده عمليّات القصف الجوي على جبهة النصرة -الاسم الذي تستمر معظم الأطراف بإطلاقه على تلك الجماعة- أن يقوم بشقّ صفوفهم من جديد، أو حتى إن طالتهم عمليّات القصف تلك؛ فمنذ شهر واحد فقط، كان الثوّار في مدينة حلب يحتفلون بجبهة النصرة كونها كانت في مقدّمة القوّات التي اخترقت خطوط قوّات النظام، و رفعت حصارها عن الجزء الشرقي من مدينة حلب؛ لذلك فإنّ العديد منهم سيقوم بالتّراجع عن الاتّفاق خوفًا من احتماليّة ترك منقذهم الأسبق، الأمر الذي سيجعلهم عرضةً لضربات النظام في المرّة المقبلة.
قامت بعض جماعات المعارضة، في إثر انفكاك جبهة النصرة عن القاعدة، بجدولة محادثات مع الجبهة بهدف زيادة التعاون الرسمي، لكن، وبحسب متحدّث باسم المعارضة في الخارج، فقد تمّ قتل أحد قادة جبهة النصرة، وهو أبو عمر سراقب، في ضربة جويّة غرب مدينة حلب، وذلك في اليوم نفسه المخصّص للاجتماع في الثامن من شهر أيلول/سبتمبر. لم تعلن أي جهة مسؤوليّتها عمّا حدث، لكن حتّى الثوار المعتدلون يعتقدون وجود يدٍ أميركيّة فيه، وكما أعلنت جماعات إسلاميّة أكثر تعصّبًا عن أسفها لمقتله. يجب علينا توقّع انقسامات في صفوف الثوار في حال تصاعد حدّة الضربات على جبهة النصرة، ولربّما ستلجأ الجبهة نفسها إلى الجهاد الانتقامي على صعيد العالم، وليس سورية فحسب.
كما ترك الاتّفاق المعارضة السوريّة متحيّرة في أمر المناطق التي يشملها الاتّفاق، حيث وصف السيد لافروف ذلك بقوله: “أوّلًا، في مدينة حلب بشكلٍ خاص”، أما السيّد كيري فقد أعطى، من جانبه، تفصيلًا مهمًّا للمساعدات الإنسانيّة لشرق حلب، حيث استؤنف للتّو حصار 275 ألف إنسان، لكن لم يحز الحصار المفروض، وبشكلٍ أشدّ، على مناطق تابعة للمعارضة ومحيطة بدمشق، إلّا اهتمامًا أقلّ.
إنّ سكون الثوّار، والذين يعملون تحت قيادة الأردن، في جنوبي سورية، واحتواء الثوار في الشمال الآن في حال صمد الاتّفاق الأخير لوقف القتال، سيُعطي الإمكانيّة للأسد بتوجيه قوّاته ضدّ الجيوب المحيطة بالعاصمة دمشق، والتي يسيطر عليها الثوار. تعاني تلك المناطق حصارًا عقابيّا للسنة الرابعة على التوالي، إضافةً إلى أنّ استسلام داريّا، الضاحية الغربيّة لدمشق، ونقل سكّانها المدنيّين و مقاتليها إلى الشمال، قد أثار الاتّهامات بتطهيرٍ طائفي، وخصوصًا من جانب دول الخليج الداعمة للثوار، لكنّ السيد كيري لم يبد أيّ تعليق في ذلك الشأن.
قد يكون توقّف الثوار عن القتال، وإطلاق يده حول دمشق شيئًا حسنًا بالنسبة إلى الأسد، والأفضل من ذلك هو غموض الحديث عن جدول زمني لانتقال سياسيّ له ولسورية في اتّجاه حكومة أوسع. ركّز السيد كيري والسيد لافروف على أمور تقنيّة وشكليّة لتأمين وقف الأعمال العدائيّة، مقلّلين من شأن إعادة بدء العمليّة السياسيّة بإيلاء تلك المهمّة للأـمم المتّحدة.
من دون حلّ تفاوضي، سيكون أي وقف للعنف، وفي أفضل حالاته، بمنزلة استراحة موقّتة ريثما تحضّر الأطراف لجولة جديدة من الحرب.
عنوان المادة الأصلي بالإنكليزية | America and Russia agree another ceasefire in Syria |
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزية | The Economist |
مصدر المادة أو مكان نشرها الأصلي | The Economist |
تاريخ النشر | 10 أيلول\ سبتمبر 2016 |
رابط المادة | http://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21706771-why-mr-assad-will-be-smiling-mr-kerrys-latest-deal-russia-halt |
اسم المترجم | أنس عيسى |