أصدرت مجموعة من الكتاب والفنانين والصحافيين السوريين، ديمقراطيين وعلمانيين، جميعهم من المعارضين للنظام السوري، اليوم (الخميس)، بيانًا شديد اللهجة، أدانوا فيه -بأقسى العبارات- مقاربة الولايات المتحدة وروسيا للشأن السوري، وإلحاقهما الثورة السورية بحرب ضد الإرهاب، وانتقدوا كل ما قامت به هاتان الدولتان في سورية، منذ صفقة الأسلحة الكيماوية مع النظام السوري وحتى اليوم، وشددوا على أن التوافقات والاتفاقيات الروسية – الأميركية أطلقت يد النظام السوري؛ لتدمير سورية وقتل السوريين وتهجيرهم، وتسببت بكوارث لا نهاية لها.
وأكّد المثقفون السوريون في بيانهم على أن تجميد الوضع الحالي، الذي يُغفل مصير المعتقلين، والمحاصرين، ويهمل ذكر إيران وميليشياتها، ويفسح الفرصة لاستئناف حرب لا تنتهي ضد الإرهاب، ويُشارك النظام، يدلّ على انعدام العدالة والأخلاق لدى الفريقين: الأميركي والروسي، ويفضح تدني مستوى سياسيي هاتي الدولتين.
وذكّر البيان الذي وقّع عليه أكثر من 150 مثقفًا سوريًا، بأنه وقبل ثلاث سنوات، “وقعت الدولتان الإمبرياليتان الصفقة الكيماوية المشينة التي حلت مشكلات للولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا، وللدولة الأسدية التي كانت قتلت لتوّها 1466 من محكوميها، ولم يُعالج الاتّفاق أي مشكلة تخص الشعب السوري، بل أطلقت يد طغمة بالغة الإجرام في قتل السوريين وتدمير بلداتهم وأحيائهم وتهجيرهم، وكانت فوق ذلك هدية لا تُقدّر بثمن للمنظمات العدمية الإسلامية، مثل (داعش) و(جبهة النصرة)”، وأضاف: “بعد ثلاث سنوات من تلك الصفقة الخسيسة، ومقتل نحو نصف مليون من السوريين، يتفق الروس والأميركيون على تجميد الوضع الحالي كي تستأنف القوتان الحربيتان حربًا لا تنتهي ضد الإرهاب، هذا، مع إغفال مصير عدد غير محدود من المعتقلين في شروط وحشية، ومن دون دعوة إلى فك الحصار عن المناطق المحاصرة، ودون ذكر انسحاب إيران وميليشيا حزب الله التابعة لها، وميليشيات طائفية أخرى، ولا ربط ذلك بتصور سورية جديدة ديمقراطية، بل من دون استبعاد مشاركة طائرات بشار الأسد في قصف مناطق، سيُتّفق عليها بين الروس والأميركيين لاحقًا”، وشدد على أن هذا كله “لا يدلّ على انعدام تامٍ للحس الأخلاقي وحس العدالة لدى الفريقين الأميركي والروسي فحسب، وإنّما يفضح -أيضًا- انحطاط المهنة السياسية وتدني مستوى سياسيي دولتين، هما الأقوى في عالم اليوم”.
وقال المثقفون السوريون: “إننا نشعر بأشد مشاعر الاشمئزاز والاحتقار لهذه الترتيبات وأصحابها، ولا يزيدنا إلا اشمئزازًا واحتقارًا تواطؤ الأمم المتحدة التي تكشّف أخيرًا أنها كانت تُموّل طغمة الإجرام الأسدي طوال سنوات حربها ضد السوريين”.
ورأوا أنّ عالم اليوم “يسير نحو تبلّد أخلاقي غير مسبوق، ترتفع فيه مستويات الخوف والكراهية، وترتفع معها أسهم السياسيين الذي يستثمرون في الخوف والكراهية والانعزال”، وأنّ الديمقراطية “في تراجع في العالم كلّه”، وأن المراقبة والتقييد والخوف “في انتشار وصعود”، وشددوا على أن هذه الأمور “هي خيارات خطرة لنخب سياسية خطرة، يتعين أن نعمل معًا على رفع صوت الاعتراض عليها، الآن وفي كلّ مكان”.
وأضاف المثقفون السوريون في بيانهم: “إن سورية المحطمة رمز لعالم اليوم، لقد تحطّمت ثورة السوريين على الجدار الصلب للنظام الدولي، وليس على جدار الفاشية الأسدية وحدها، وهذا النظام الدولي الذي يوفر لسياسيين من أمثال أوباما وبوتين ووكلائهما وأشباههما من معدومي الإنسانية أن يتخذوا قرارات تنتهك حقّنا في تقرير مصيرنا، أفرادًا وجماعاتٍ ووطنًا، من دون أن ننتخبهم أو تتوفر لنا أيّ آليّةٍ لمساءلتهم، هو نظام غير ديمقراطي، معادٍ بشراسةٍ للديموقراطيّة، ويجب أن يتغير”.
تابعوا: “للأسف، لا يبدو أن خطورة هذا الواقع موضع إدراك. يفضل كثيرون، في الغرب بخاصة، الاختباء وراء نظريات قدرية تحيل إلى الدين أو الثقافة أو… إلى التغيرات المناخية. لكن هذا يجعل السيئ أسوأ، ويحجب المسؤوليات السياسية لنخب السلطة النافذة، بما فيها طغمة بشار الأسد بالذات”.
وختم بيان المثقفين السوريين بالقول: “يجب أن يتغير هذا العالم الذي سمح بتحطم أحد أعرق مهود الحضارة طوال خمس سنوات ونصف. إنّ العالم اليوم قضية سورية كما أنّ سورية قضية عالمية، ومن أجل العالم، من أجلنا جميعًا، ندعو إلى إدانة إلى هؤلاء السياسيين، والتشهير بهم كقتلة عدميين وإرهابيين مثل خصومهم من العدميين الإسلاميين”.
وبين الموقعين روائيون وصحافيون وفنانون وكتّاب وباحثون وأساتذة جامعيون ومخرجون سينمائيون وممثلون ومترجمون وشعراء وفنانون تشكيليون ومصورون فوتوغرافيون وناشرون. ومن بين الأسماء الكثيرة نذكر صادق جلال العظم، فاروق مردم بيك، برهان غليون، خيري الذهبي، سميح شقير، عاصم الباشا، فارس الحلو، أحمد برقاوي، حازم النهار، أسامة محمد، مازن درويش، ياسين الحاج صالح، ميشال شماس، فرج بيرقدار، نوري الجراح وغيرهم كثير.