قدّمت جماعة الإخوان المسلمين في سورية رؤيتها عما آلت إليه الأوضاع، بما فيها التداخلات والمواقف الدولية الملتبسة، وكذلك محاربة الإرهاب، ونظرة الجماعة إلى شكل الدولة السورية في المستقبل، بتأكيدها على “ميثاق الشرف الوطني 2001، والمشروع السياسي لسورية المستقبل، والعهد والميثاق 2012، والتمسك بالدولة المدنية الديمقراطية التعددية، المبنيّة على قواعد المواطنة المتساوية، وعلى دستور يُعبّر عن إرادة الأكثرية السياسية”، وغير ذلك من أمور سياسية.
البيان الذي صدر في 11 أيلول/ سبتمبر الجاري، وتوجهت من خلاله الجماعة إلى الرأي العام، وإلى السوريين كافة، رأى أن الموقف الدولي والإقليمي “تجاوز كل القوانين والمبادئ والقيم التي قامت عليها الحضارة الإنسانية”، وأشار إلى أن مجموعة “أصدقاء الشعب السوري” كانت “خدعة كبرى”، وكذلك انتقد الانحياز الدولي الواضح في تغاضيه عن “تدفق عشرات الألوف من القتلة أتباع الولي الفقيه؛ للمشاركة بقتل السوريين، وفي تغاضيه عن تجوّل قاسم سليماني الإرهابي على الأرض السورية”، كما أشار إلى تغاضي الدول الكبرى عن استخدام الأسلحة المحرّمة دوليًا ضد الشعب السوري، منتقدًا عدم تقديم أسلحة دفاع جوي للسوريين لحماية حياتهم، ورفض الدول الفاعلة إقامة منطقة آمنة تثبّت السوريين على أرضهم.
لا شك في أن بيانًا صادرًا عن جماعة الإخوان المسلمين في سورية سيلفت النظر، وخاصة في هذه المرحلة الحسّاسة، مع السير بالهدنة، وتطور الوضع الميداني، ومع الحديث المستمر عن الدعوة إلى عودة المفاوضات بين الهيئة العليا للمفاوضات ووفد النظام؛ إذ كثيرًا ما اتُّهمت الجماعة بسطوتها على مؤسسات المعارضة المختلفة، فجاء هذا البيان الذي ذكرت فيه بصراحة عن نيّتها من خلال قولها: “إنها ستدرس قرار انسحابها من هذه المؤسسات”؛ لتلتفت إلى ما تعده “الأهم في تحصين العمل الثوري والإنساني في هذه المرحلة الحرجة، عندما تستشعر الخطر، وانعدام الدور الحقيقي لهذه المؤسسات”.
حول ذلك، كان لمنصور الأتاسي، الأمين العام لحزب اليسار الديموقراطي، رأيًا مختلفًا؛ إذ رأى أن الجماعة -في هذا البيان- تحاول التنصّل من النتائج السابقة لعمل المعارضة، حيث كان عمل الجماعة “عنصرًا أساسًا بهيئاتها كافة، والتي حاولت الهيمنة عليها”، وبحسب الأتاسي، فإن الجماعة “تهرب من رؤية انتقادية، وتحاول أن ترمي نتائج الفشل على الغير، وهذه علامة سيئة للأسف” وفق تعبيره.
أكدت الجماعة في البيان على دورها الدعوي “التعليمي التنويري، وعلى دورها الإسلامي الرائد في نشر الوسطية والاعتدال ومحاربة الغلو والتطرف”، وقد أدانت الإرهاب بكل أشكاله، كما رفضت التصنيف الانتقائي للإرهاب على أساس “ديني أو ثقافي أو عنصري”، ودعت إلى تعريف علمي وموضوعي له، فيما أدانت بهذا البيان عمليات “التذرّع بالإرهاب، للاستمرار في قصف وتقتيل شعبنا، كما حصل باتفاق كيري – لافروف الأخير”.
عماد الدين الخطيب، الأمين العام لحزب التضامن، رأى أن هنالك مفارقتين في البيان، تستحقان تأملهما؛ لأجل “فك شفرتيهما”، والمفارقة الأولى في رأيه “إدانة اتفاق كيري – لافروف، حول التذرع بمحاربة الإرهاب لقتل المدنيين”، وتساءل الخطيب إن كان المقصود بذلك جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، وقال: “هل الإدانة لأن (النصرة) خارج الاتفاق، وهل بدّلت هذه الجبهة أهدافها، وتخلّت عن إقامة إمارة إسلامية، أم أنه يكفي أن تُبدّل اسمها حتى يتم قبولها، وبالتالي مجرّد إصدار بيان يعني تغييرًا جوهريًا؛ وبالتالي، فإصدار جماعة الإخوان المسلمين هذا البيان، هل يعني تغييرًا في السياسة والجوهر”، من جانب آخر، يُضيف الخطيب أن البيان “جدير بالاهتمام والبحث في مضمونه؛ للوقوف على جدّية التغيير في مبادئ الجماعة وأفكارهم”، ويرى أنهم أدركوا بشكل متأخر أن “طروحاتهم وأفكارهم لم تعد مقبولة لدى مجتمعاتنا المسلمة”، وبحسب الخطيب فإنهم أدركوا ذلك بعد سقوطهم في الربيع العربي وتراجع شعبيتهم، و”عدم الثقة بسياساتهم”، لكنه يؤيدهم فيما طرحوه من إدانة التقاعس الدولي عن نصرة الثورة السورية، ويقول: “من حقهم إدانة التدخلات الدولية في سورية، ولا سيّما الوقوف إلى جانب النظام”.
إلى ذلك أشار الأتاسي بأن البيان يحوي نقطة خطرة، وهي برأيه “الدعوة لتشكيل تجمع إسلامي، بدلًا من الانتقال إلى مؤتمر وطني يوحّد القوى، وينسجم مع كلمات قيلت عن الوحدة الوطنية، والاعتراف بالمكوّنات دون فعل تنفيذي”، وعبّر الأتاسي عن رؤيته حول التدخّلات الخارجية بأن الوضع الذي تمر به الثورة السورية حاليًا “يتّسم بسيطرة الخارج عليها، وإملاء شروطه بشكل وقاحة”، وعلى ذلك يرى بأن هذا الأمر يتطلب من الإخوان “عدم الهروب إلى الأمام، بقدر ما يتطلب تجميع القوى، وتحديد الأخطاء وتحمّل مسؤوليتها”، وبذلك حذّر الأتاسي من أنه إذا لم يتم ذلك، فإن الخارج “سيزيد من هيمنته بعد تبعثر القوى المختبئة بشعارات ثورجية لا قيمة لها”.
وكانت الجماعة في بيانها قد أشارت إلى أنها ستعمل على التعاون مع “أهل العلم والفضل ومع كل الخيّرين من أبناء شعبنا، إلى بلورة تجمّع إسلامي وطني إيجابي معتدل ومؤثر، متعاون على البر والتقوى”، ويرى الأتاسي أن الجماعة في هذا البيان تسعى لحلول منفردة، دون الدعوة إلى قراءة نقدية، ولا توجد رؤية لفتح حوار مع الجميع، وقال: “أن تتخذ قرارًا منفردًا يُضعف ولا يقوّي، وهي بذلك تجاهلت ما يطالب به الجميع بالدعوة إلى مؤتمر وطني يوحّد الجهد”، والغاية من ذلك “الوصول إلى قيادة تمثل الجميع”، بحسب الأتاسي، قادرة على “تتجاوز الأخطاء التي مرّت بها مسيرة الثورة خلال السنوات الخمس الماضية”.
في هذا السياق أكد البيان في بنده السابع على إيمان الجماعة بالحوار بين الطيف السوري، و”تمسّكها بالحل السياسي المنبثق عن هذا الحوار”، وهي تسعى بجديّة وصدق إلى ذلك، فيما رأى الأتاسي أن هذا البند، يتناقض مع مقدّمات البيان، حيث يدعو لحوار بين المكوّنات، أي ليست ديموقراطية سياسية بل “ديموقراطية مكوّنات”، وبحسب الأتاسي، فإن هذا “ما يريده الروس والأميركان، وتظهر تجلّياته في حكومة الإدارة الذاتية وشعارات سورية المفيدة وغيرها”؛ وعلى هذا، فإن البيان “لا يدعو إلى التفاؤل بقدر ما يعكس من يأس داخل أوساط شعبنا، والإجراء الوحيد لأجل الخروج من الأزمة هو وحدة القوى الديموقراطية والوطنية، وحل التنظيمات المختلفة بما فيها جبهة فتح الشام، والاندماج في (الجيش السوري الحر) بفكر وتوجّه واضحين”.
أكّدت الجماعة أيضًا إيمانها “بالحل السياسي العادل”، كما أدانت في بيانها الحصار المفروض على السوريين، وكذلك عمليات القصف الوحشي اليومي، الذي تنفذه قوى دولية بكل أنواع الأسلحة المحرّمة دوليًا، وبالمقابل أعلنت “رفضها الكامل للحل العسكري”، عادّة قوى الشر التي أقدمت على الحصار والقصف والغزو الطائفي هي التي فرضت هذا الحل، وحول ذلك يرى الخطيب أن نبذ الإخوان للسلاح هو المفارقة الثانية، إذ يرى أنهم “أول من ساهم في تحويل مسارها من سلمية إلى مسلّحة، وهم أول من عمل على دعم جماعات بعينها بعد شراء ولائها”، وعبّر عن قناعته بأن التغيرات في موقف الجماعة “تعود إلى إدراكها للمتغيرات الدولية والإقليمية، وهذه المتغيرات هي ظاهرية؛ نتيجة توصيات حزب العدالة والتنمية التركي، كي لا يكونوا خارج أي تسوية مرتقبة”.
البيان الذي بدأته الجماعة بمخاطبة شباب الثورة المؤمنين بالحرية والعدالة والكرامة، يشير في نهايته إلى أن الجماعة، وبسبب الحصار المفروض، ستستمر في وضع إمكاناتها كافة في خدمة سورية، وستبذل كذلك كل جهدها لدعم تطلعات السوريين، وتصعيد نضالهم في كل الساحات، وهي أيضًا حريصة على المشاركة في بناء مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، وتؤكد سعيها إلى المزيد من الانفتاح على “جميع القوى المجتمعية والسياسة الوطنية”، وكذلك تعبّر عن إيمانها بالحوار السياسي لتحقيق الأهداف الوطنية العامة، وهنا تشير في البيان إلى أن جهدها المؤسساتية ستظل متوافرة بعيدًا عن أي مشروع خاص، وأن “كل المشروعات البرامجية الخاصة، ستظل مؤجلة؛ حتى يتحقق لشعبنا ما يصبوا إليه”.
بيان الجماعة الذي أوضحت فيه أنها “لن تكون معبرًا لجريمة تصفية الثورة، ولا جسرًا تمرّر عليه الإرادات الشريرة، للروس والإيرانيين والمتواطئين معهم” تنهيه بالقول “لا يأس ولا قنوط، بل تفاؤل وأمل”.
2 تعليقات